الصوم في الإسلام
علي عيد
يقول المولى - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]؛ أي: شُرع لكم الصوم كما شرع لمن سبقكم من أهل الشرائع السماوية؛ إذ ما من شريعة سابقة على الشريعة الإسلامية إلا ويلاحظ فيها الصوم، غير أنه لم يأت صوم شهر كامل من الشروق إلى الغروب إلا في الإسلام.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))، ومعنى ذلك أن عبادة الصوم هي الوقاية المانعة من الزلل والهبوط إلى مهاوي الرذيلة، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وحق له أن يوصي سائلاً سأله النصح: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له ولا مثل))؛ فإن الصوم يربي النفس على مراقبة الله في كل حال، ويعلِّم النفس أن تصبر على العبادة، وتصبر على الشدة، وتملك ناصية أهوائها.
فليس مراد الإسلام من الصوم الجوع والعطش؛ وإنما غاية الإسلام من الصوم غرس التقوى في النفس، وهي لا تغرس بسهولة ويسر؛ وإنما تحتاج إلى مجاهدة ومثابرة، وشأنها في ذلك شأن كل مغروس، فلا يعتد الإسلام بتعذيب الإنسان نفسه بتجويعها وعطشها ثم هو يطلق عنان ملكاته الساقطة المعتدية، تؤذي المسلمين وتهتك أسرارهم؛ وإنما يعتد ويزن ما كان تعبيرًا حقيقيًّا عن كف الشهوات ونوازع الهوى وعقلها عقلاً حكيمًا؛ ففي الحديث النبوي الشريف: ((الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتَله أو شاتَمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده، لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها))؛ وهذه رواية البخاري، وبعضها توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها حكاية عن المولى عز وجل، وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم فيها يحمل ما أردناه من معنى، وهو أن الصائم يملك نفسه، ويملك نوازعه ورغائبه، ويملك مطامحه، فهو أكبر من أن يرد شتمًا أو يجيب عن جهل؛ لأنه على عبادة وفي طاعة تعليه عن ذلك المستوى الهابط، وكفاه شرفًا أنه مع الله في تجربة دقيقة حرجة تقاس بها قوة روحه وقوة إرادته، وعليه هو أن يثبت أنه أهل للإيمان بالله سبحانه.. وماذا يصنع اللهُ بالجوع والعطش إن لم يكن شاملاً لكافة نوازع الشهوة، ومصارف الهوى؟! أو ما أسماه النبي صلى الله عليه وسلم: قول الزور، في قوله: ((من لم يدَع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، وقوله في حديث آخر: ((رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)).. وقول الزور يراد به ما عدا الحق في الأقوال والأعمال، بمعنى أن الصوم له حرمة وقدس، لا يتناسب معها إتيان شيء لا يرضى الله عنه.
وإذا كان الصوم عبادة، فلكل عبادة آداب، وما سبق بعض آداب الصوم، أما أركان الصوم، فلا شك أن أولها النية، بمعنى وجوب سبق النية للعبادة، فلا يصح الصوم شرعًا بدون نية الصوم قبله؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) الحديثَ. فالمسلم يصوم بنية صادقة خالصة تعبدًا لله فقط، لا تشوب هذه النيةَ شائبةٌ من أي لون، وإلا كانت نية فاسدة، وإذا فسدت النية فسدت العبادة.
فمن يصوم تخلصًا من السمنة، فإنما صام لجسده، وما عبد اللهَ بالصوم، ومن صام توفيرًا للمال، فإنما عبد ماله وما عبد ربه، ومن صام للعادة والعرف، فإنما عبد عادته وراءى الناس. وهكذا يريد الإسلام من المسلم أن ينزه صومه عن كل شبهة فاسدة، ويخص به الله وحده بصفته المعبود بحق سبحانه وتعالى.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك