01-30-2023, 04:17 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
بيان حقيقة العبودية
بيان حقيقة العبودية
الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
أما حقيقة العبودية: فهي الغاية العظمى التي خلق الله من أجلها الخلق؛ كما بيَّن ذلك في محكم كتابه، فقال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
قال ابن جرير الطبري - رحمه الله -: «اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾، فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم لمعصيتي؛ أي: خلقهم لأجل أن يعبدونه سبحانه، فمن عبده أكرمه، ومن ترك عبادته أهانه»[1].
وحَصَرَ سبحانه وتعالى الحِكمة من خلقهم في قوله: ﴿ إِلا لِيَعْبُدُونِ ﴾؛ ليتبين ويتأكد لهم أن الحِكمة من خلقهم هي: عبادته سبحانه وتعالى، وخلق كل شيء لرعايتهم ورعاية مصالحهم ومصالح معاشهم، وسَخَّر لهم كل ما في السماوات والأرض؛ ليستعينوا بها على عبادته وطاعته سبحانه وتعالى.
ومعنى ﴿ لِيَعْبُدُونِ ﴾؛ أي: يوحدونني، فيفردونني بالعبادة، ولا يعبدوا سواي، والعبادة لا تُسمَّى عبادة إلا مع التوحيد، ولا تصح ولا تقبل إلا به، فهو قوامها وأُسُّها وأساسها المتين الذي لا قوام لها ولا ووجود إلا به، فهو كالطهارة للصلاة لا تصح ولا تقبل إلا بها، فهي شرط صحة، كما أن التوحيد شرط صحة في صحة العبادة وقبولها.
وتحقيق العبودية لرب البرية هي المهمة العظيمة التي من أجلها أُرسلت الرسل وأُنزلت الكتب، وقام سوق الآخرة، ففريق في الجنة، وفريق في السعير، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، واليقين هنا هو: الموت.
وقال ابن القيم- رحمه الله-: «والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خُلق الخلق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه، والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملًا»[2].
قال ابن القيم - رحمه الله- في الشافية الكافية:
وعبادةُ الرحمن غاية حبِّه
مع ذلِّ عابده هم قطبان
وعليهما فلكُ العبادة دائرٌ
ما دار حتى قام القطبان[3]
والدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، هي أساس دعوة المرسلين؛ إذ ما بعث الله رسولًا منهم إلا قال لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف:65].
[1] تفسير الطبري: (22 /445).
[2] الفوائد (ص: 183).
[3] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (ص:32).
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|