الأصول التى ينبني عليها المذهب المالكي - باختصار من (( إيصال السالك في أصول الإمام مالك)) للولاتي
بقلم: مولاي بن عبد الدايم (منقول من موقع مؤسسة الفقيه محمد يحيى الولاتى www.elwalati.net/index.php/jkhg/ousoul)
الأصول الإجمالية التى يستخرج منها الإمام مالك رحمه الله الاحكام الشرعية ويعتمد عليها فى العمل والافتاء والقضاء عددها ستة عشر سنذكرها بايجاز وهى :
أولا : النص
والنص هو المعنى الدال على معنى لا يحتمل غيره أصلا. مثاله فى الكتاب قوله تعالى فى صيام المتمتع الذى لم يجد هديا : (( صيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة )) ومثاله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله حرم عليكم وأد البنات ))
ثانيا : الظاهر
وهو اللفظ الدال فى محل النطق على معنى لكنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا فدلالته على المعنى الراجح فيه تسمى ظاهرا ودلالته على المعنى المرجوح فيه تسمى تأويلا مثاله من الكتاب قوله تعالى : (( فإطعام ستين مسكينا ))
ومثاله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له ))
ثالثا :دليل الخطاب
أي دليل الخطاب من الكتاب والسنة وهو مفهوم المخالفة منهما ويجرى فى الشرط والغاية والحصر والعدد والعلة والوصف والظرف مثال مفهوم الشرط من الكتاب : (( وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن)) فمفهومه أن غير أولا ت الحمل من المطلقات البائن لا تجب على الزوج لها نفقة ومثاله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : ((من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه )) فمفهومه أن من وهب له طعام يجوز بيعه قبل استيفائه ومثاله فى الغاية من الكتاب قوله تعالى فى المطلقات ثلاثا : (( فان طلقها)) أى الثلاثة (( فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره )) فمفهومه أن المبتوتة اذا نكحت زوجا غيرزوجها الاول أى وطئها فى نكاح صحيح لازم أنها تحل لزوجها الاول اذا طلقها الثانى ومثاله فى السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( رفع القلم عن ثلاثة الصبى حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ فمفهوم الغاية أن الصبي اذا بلغ والمجنون اذا أفاق والنائم اذا استيقظ لا يرفع عنهم القلم ومثاله فى العدد من الكتاب قوله تعالى : (( الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) فمفهوم قوله تعالى مائة جلدة أن الزيادة والنقص عن ذلك العدد لا تجوز ومثاله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم :(( اذا ولغ الكلب فى اناء أحدكم فليغسله سبع مرات )) فمفهوم العدد أن الزيادة على السبع والنقص عنها غير جائز ومثاله فى الحصر من الكتاب قوله تعالى : (( لا يكلف الله نفسا الا وسعها)) أى طاقتها فمفهوم الحصر أن الذى فى الوسع من المأمورات هو الذى يكلف به ومثاله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )) أى وضوء أو غسل او بدلهما وهو التيمم لمن عجز عنهما ، فمفهوم الحصر أن الصلاة الواقعة بطهور مقبولة اى صحيحة
ومثاله فى الصفة من الكتاب قوله تعالى : (( وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن ))
فمفهوم قوله : (( اللاتى دخلتم بهن )) ان الزوجة التى لم يدخل بها الزوج وانما عقد عليها فقط لا تحرم عليه بنتها
ومثاله فيها من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( فى الغنم السائمة زكاة )) فمفهوم الصفة أن المعلوفة لا تجب فيها الزكاة وهو كذلك عند غير مالك ومثاله فى الظرف من كتاب الله قوله تعالى : (( الحج أشهر معلومات )) وقوله : ((وأنتم عاكفون فى المساجد )) فمفهوم الظرف أن الحج فى غير تلك
الاشهر والاعتكاف فى غير المساجد غير مشروع ولا يحل ومثاله فيه من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( اذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وأغلقت أبواب جهنم )) فمفهوم الظرف أن غير رمضان من الشهور لا تفتح فيه أبواب السماء ولا تغلق فيه أبواب جهنم ))
رابعا : تنبيه الخطاب
ومن أدلة مذهب الامام مالك تنبيه الخطاب من الكتاب والسنة ويسمى أيضا بفحوى الخطاب وهو مفهوم الموافقة وانما سمي بمفهوم الموافقة لكون المعنى المسكوت عنه موافقا للمعنى المنطوق به فى الحكم وانما سمي تنبيه الخطاب لان السامع يتنبه عند الخطاب بالمعنى المنطوق به وحده الى دلالة اللفظ على معنى غير مذكور موافق للمعنى المذكور فى الحكم بالمساوات له فيه والاولوية به عنده فمثال مفهوم المساوي في القرآن قوله تعالى : (( ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما)) فتدل بالمفهوم الموافق على مساواة احراقه لأكله ظلما فى التحريم لأن العلة فى تحريم أكله ظلما الاتلاف وتلك العلة موجودة بتمامها فى احراقه
ومثال مفهوم الاولى فى القرآن قوله تعالى : (( ولا تقل لهما أف )) فالاية تدل بالمنطوق على تحريم التأفيف على الوالدين وتدل بالمفهوم الموافق على أن ضربه لهما أولى بالتحريم من التأفيف لان العلة فى تحريم التأفيف عليهما هي الايذاء وتلك العلة أتم فى الضرب منها فى التأفيف ومثال تنبيه الخطاب المساوى للمنطوق فى الحكم من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( من ابتاع عبدا فماله للذى باعه الا أن يشترطه المبتاع )) فانه يدل بالمنطوق على أن مال العبد المبيع للبائع الا أن يشترطه المشترى ويدل بالمفهوم الموافق على أن مال الامة المبيعة مساو لمال العبد المبيع فيما ذكر
ومثال تنبيه الخطاب الاولى بالحكم من المنطوق من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( لو دعيت الى كراع لأجبت ولو أهدي الي كراع لقبلته )) فانه يدل بالمنطو ق على أن اجابة الداعى الى كراع وقبول الكراع هدية سنة ، ويدل بالمفهوم الموافق على أن ما هو أكثرمن الكراع أولى بسنية القبول واجابة الداعى اليه
خامسا : دلالة الاقتضاء
والاقتضاء على قسمين : تصريحي وتلويحي فالتصريحي هو أن يدل اللفظ دلالة التزام على معنى لا يستقل المعنى الاصلي بدونه لتوقف صدقه أو صحته عليه عادة أو عقلا أو شرعا مع أن اللفظ لا يقتضيه
مثال المفهوم المتوقف صحة الكلام عليه عادة من الكتاب قوله تعالى : ((وأوحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق )) فمنطوق الاية أ ن الله عز وجل أمر موسى أن يضرب البحر بعصاه وأن البحر انفلق ومفهومه تقديره ((فضربه )) قبل قوله (( فانفلق )) لأن هذا المنطوق لا يتأتى عادة بدون هذا المفهوم الذى تقديره (( فضربه )) قبل قوله (( فانفلق )) لأن الانفلاق سبب عادي عن الضرب ووجود السبب بدون مسبب محال عادة
ومثال المفهوم المتوقف صحة الكلام عليه عقلا قوله تعالى : (( واسأل القرية )) أى الابنية المجتمعة وصحة ذلك عفلا متوقفة على المفهوم الذى هو تقدير الاهل قبل قوله : القرية لأن سؤال القرية نفسها محال عقلا
ومثال المفهوم المتوقف صحة الكلام عليه شرعا قوله تعالى : ((وأقيموا الصلاة )) فمنطوق الاية الامر باقامة الصلاة وهذا المنطوق متوقفة صحته شرعا على تقدير الامر بالطهارة قبلها
ومثال المفهوم المتوقف صدق الكلام عليه عقلا من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) فان منطوق الحديث أن الخطا والنسيان والاكراه مرفوعة عن هذه الامة وصدق هذا الكلام متوقف عقلا على المؤاخذة بالخطا الخ لأن نفس الخطا والنسيان والاكراه غير مرفوع عن هذه الامة لمشاهدة وقوع هذه الثلاثة منهم حسا وأما الاقتضاء التلويحي فهو أن يدل اللفظ دلالة التزام على معنى يلزم من المعنى الاصلي لكن لا يتوقف عليه صدقه ولا صحته لا عقلا ولا شرعا ولا عادة ولا يتوجه اليه القصد عادة مثاله من الكتاب قوله تعالى : ((أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم )) فمنطوق الآية جواز الجماع فى كل جزء من الليل حتى الجزء الاخير الملاقى للصباح وذلك يزم منه الاصباح بالجنابة فى
رمضان ومثاله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (( النساء ناقصات عقل ودين ))
قيل : ( وما نقصان دينهن) ؟
قال صلى الله عليه وسلم : ((تمكث احداهن شطر دهرها لا تصلى )) . فمنطوق الحديث تبيين نقصان دين النساء لكونهن يمكثن شطر الدهر لا يصلين وذلك يلزم منه أن أكثر أمد الحيض خمسة عشر يوما لأن المقام مقام مبالغة فى ذم النساء بنقصان العقل فلو كن يمكثن فى الحيض أكثر من ذلك لذكره وخمسة عشر يوما هي شطر الدهر
سادسا : دلالة التنبيه
وهى من قبيل دلالة اللزوم وتسمى بدلالة الايماء وهي أن يقرن الوصف بحكم لو لم يكن اقتران الوصف بذلك الحكم لبيان كونه علة له لعابه الفطن بمقاصد الكلام لأنه لا يليق بالفصاحة مثاله من الكتاب قوله تعالى : ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فان اقتران الامر بقطع يد السارق مع وصفه بالسرقة يدل باللزوم على أن السرقة هي علة القطع شرعا اذ لو لم تكن علة لكان الكلام غير بليغ ومثاله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي الذى قال له واقعت أهلى فى نهار رمضان : (( اعتق رقبةالخ )) فان اقتران الامر بالتكفير مع وصف الاعرابي لنفسه بالوقاع فى نهار رمضان يدل باللزوم على أن الوقاع علة
للامر بالتكفير بالعتق أو الاطعام أوالصوم فى الشرع ا لو لم يكن علة له لكان الكلام غير بليغ بل يكون غير مفيد
سابعا : الاجماع
وهو لغة العزم واصطلاحا اتفاق العلماء المجتهدين فى هذه الامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فى أي عصر سواء كان المتفق عليه حكما شرعيا كحلية النكاح أو لغويا ككون الفاء للتعقيب أو عقليا كحدوث العالم أو دنيويا كتدبير الجيوش ولا يعتبر فيه وفاق العوام مع المجتهدين والمراد بالعوام من لم يبلغ درجة الاجتهاد فيدخل مجتهد الفتوى ومجتهد المذهب أى فيعتبر وفاقهم للمجتهدبن المطلقين ولا ينعقد الاجماع مع مخالفة امام معتبر كابن عباس من الصحابة أو الزهري من التابعين وكالاوزاعي من تابعى التابعين ولا بد فيه من مستند من كتاب أو سنة أو قياس ولا يشترط فيه انقراض عصر المجمعين ولا كونهم على عدد التواتر وهو حجة شرعية عند جميع أهل السنة لقوله تعالى : ((ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) وقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تجتمع أمتى على ضلالة )) وهو على قسمين : نطقي وسكوتي فالنطقي هو أن يكون اجتماع المجتهدين على الحكم بالنطق به من كل واحد منهم ، والسكوتي هو أن ينطق به بعضهم ويسكت
الباقون وهو حجة ظنية والنطقي على قسمين : قطعي وظني فالقطعي منه المشاهد أو المنقول بالتواتر
والظني هو المنقول بخبر الاحاد الصحيح وهو حجة ظنية والقطعي حجة قطعية وهو الذى يمنع خرقه لاحداث قول زائد والمجمع عليه على ثلاثة أقسام : ضروري ومشهور ونظري فالضروري هو الذى يكفر جاحده بلا خلاف كتحريم الزنا والمشهور يكفر صاحبه على المشهور ان كان منص%
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك