02-12-2016, 12:31 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,532
|
|
فن التعامل مع الأحمق في الاسلام
- معني الحمق :
عرفه ابن حزم بقوله :" حد الحمق استعمال المعاصي والرذائل وهو ضد العقل " وهو يفرق بينه وبين العقل والجنون " فالعقل هو استعمال الطاعات والفضائل واجتناب المعاصي والرذائل وقد نص الله تعالي في غير موضع من كتابه علي أن من عصاه لا يعقل فقال تعالي حاكيا عن قوم : {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }الملك:10 ثم قال تعالي مصدقاً لهم : {فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ }الملك:11كما أنه ينفي صفة العاقل عمن يحتالون بالباطل لبلوغ ما يشتهون حتى وإن اعتلوا أرقى المناصب فإنهم بأساليبهم الدنيئة ليسوا بأصحاب العقل السليم قائلاً :" وأما إحكام أمر الدنيا والتودد إلي الناس بما وافقهم وصلحت عليه حال المتودَّد من باطل أو غيره أو عيب أو ما عداه والتحيّل في إنماء المال وبُعْد الصوت وتسبيب الجاه بكل ما أمكن من معصية ورذيلة فليس عقلاً ولقد كان الذين صدقهم الله في أنهم لا يعقلون وأخبرنا بأنهم لا يعقلون سائسين لدنياهم مثمرين لأموالهم مدارين لملوكهم حافظين لرياستهم لكن هذا الخُلق يسمي الدهاء وضده العقل والسلامة ."
كما جعل " السخف " واسطة بين العقل والحمق " وحد السخف عند ابن حزم هو : العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا مما ليس معصية ولا طاعة ولا عونا عليهما ولكنه من هَذَر القول وفضول العمل " ([1]) ثم أبان عن سمات السخيف بقوله:" من الدليل علي سخافة المتكلم أن يكون ما يرى من ضحكه ليس علي حسب ما عنده من القول أو الرجل يُكلم صاحبه فيجاذبه الكلام ليكون هو المتكلم أو يتمنى أن يكون صاحبه قد فرغ وأنصت له فإذا أنصت له لم يُحْسِن الكلام " ([2])
وأما سلمة بن دنيار فإنه يعرف الأحمق بالعاصي لله تعالى والعاقل بالعامل في طاعة الله وذلك حين سأله الخليفة سليمان بن عبد الملك قائلاً له: من أكيس الناس يا أبا حازم ؟ فقال رجل ظفر بطاعة الله تعالي فعمل بها ثم دل الناس عليها، فقال الخليفة: فمن أحمق الناس ؟ فقال: رجل انساق مع هوى صاحبه وصاحبه ظالم فباع آخرته بدنيا غيره " ([3])
ولقد خصص ابن الجوزي كتابا لهذا الموضوع نقل فيه أقوال الكثيرين، يقول ابن الجوزي ناقلاً ما ذكر ابن الأعرابي بأن : "الحماقة مأخوذة من " حمقت السوق " إذا كسدت فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يُشاور ولا يُلتفت إليه في أمر حرب . وقال أبو بكر المكارم : إنما سُميت البقلة الحمقاء لأنها تنبت
في سبيل الماء وطريق الإبل وقال ابن الأعرابي : وبها سُمي الرجل أحمقا لأنه لا يميز كلامه من رعونته "
ثم أبان ابن الجوزي عن رأيه في معنى الحمق حين ساوى بين الأحمق والمغفل وفرق بين الأحمق والمجنون قائلا بأن الحمق هو:الغلط في الوسيلة والطريق إلي المطلوب مع صحة المقصود بخلاف الجنون فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً فهو يختار ما لا يختار فأصل إشارته فاسد فالأحمق مقصوده صحيح ولكن سلوكه الطريق فاسد ورؤيته في الطريق للوصول إلى الفرض غير صحيحة من ذلك أن طائراً طار من أمير فأمر أن يغلق باب المدينة ! فمقصود هذا الرجل حفظ الطائر " ([4])
* صفات الأحمق عند ابن الجوزي، أو علامات الحمق عنده .
وسأكتفي هنا بما يتعلق بالخصال والأفعال للحمقى ومنها كما ذكر :
1- ترك نظره في العواقب وثقته بمن لا يعرفه ولا يخبُره ومنها أنه لا مودة له ومنها العُجب وكثرة الكلام ومن دلائل ذلك عند ابن الجوزي قوله: "قال أبو الدرداء : لا يغرنكم ظرف الرجل وفصاحته وإن كان مع ذلك قائم الليل صائم النهار إذا رأيتم فيه ثلاث خصال : العُجب وكثرة المنطق فيما لا يعنيه وأن يجد على الناس فيما يأتي مثله فإن ذلك من علامة الجاهل"
" وقال عمر بن عبد العزيز : ما عدمت من الأحمق فلن تعدم خلتين: سرعة الجواب وكثرة الالتفات " وعن كثرة الكلام " رُوي أن رجلاً تكلم عند معاوية فأكثر الكلام فضجر معاوية فقال : اسكت فقال: وهل تكلمت ؟
2- خلوه من العلم أصلاً فإن العقل لابد أن يحرك إلي اكتساب شيء من العلم وإن قل فإذا غلب السن ولم يحصّل شيئا من العلم دلَّ علي الحمق وفي هذا يقول الأعمش : إذا رأيت الشيخ ليس عنده شيء من العلم أحببت أن أصفعه .
3- من خصال الأحمق: فرحه بمن يمدحه كذباً وتأثره بتعظيمه وإن كان غير مستحق لذلك وحكي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعامر بن مرة: من أحمق الناس ؟ قال: من ظن أنه أعقل الناس قال: صدقت فمن أعقل الناس ؟ قال من لم يتجاوز الصمت في عقوبة الجهَّال " ([5])
4- وقال بعض الحكماء من أخلاق الحمق : العجلة والخفة والجفاء والغرور والفجور والسفه والجهل والخيانة والظلم والتفريط والغفلة والمكر إن استغني بطر وإن افتقر قنط وإن فرح أشر وإن قال فحش وإن سُئل بخل وإن سأل ألح وإن قال لم يحسن وإن قيل له لم يفقه وإن ضحك نهق وإن بكي خار .
5- وقال بعض الحكماء : يعرف الحمق بست خصال: الغضب من غير شيء والإعطاء في غير حق
والكلام من غير منفعة والثقة بكل أحد وإفشاء السر وأنه لا يفرق بين عدوه وصديقه ويتكلم ما يخطر علي قلبه ويتوهم أنه أعقل الناس.
6- وقال أبو حاتم بن حيان الحافظ : علامة الحمق سرعة الجواب وترك التثبت والإفراط في الضحك وكثرة الالتفات والوقيعة في الأخيار والاختلاط بالأشرار والأحمق إن عرضت عنه اغتم وإن أقبلت عليه اغتر وإن حلمت عنه جهل عليك وإن جهلت عليه حلم عليك وإن أحسنت إليه أساء إليك وإن أسأت إليه أحسن إليك وإذا ظلمته أنصفت منه ويظلمك إذا أنصفته " ([6])
وأعتقد أن من أفضل ما ذُكر في معنى الحمق هو قول الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان:" ومن أكبر الأدلة علي حمق الإنسان وغباوته وجهله أنه يكد ويشقى من أجل مستقبل مهما طال فلن يجاوز الثمانين غالباً وإن تجاوزها فهو كالمعدوم ومع هذا فيهمل إهمالاً كلياً أو جزئياً العمل من أجل مستقبل لا نهاية له مستقبل الأبد مستقبل الخلود فيا لها من خسارة لا عوض لها ولا جبر منها ولا أمل في تلافيها حين نشتغل بالدنايا والأمور التافهة من شئون الدنيا ونغفل عما يقربنا إلي الله قبل أن يفاجئنا الموت فيفوت زمن الإمكان ولا ينفع ندم " ([7])
* التعامل مع الأحمق عند ابن الجوزي
1- النهي عن صحبته
قيل: لا تؤاخ الأحمق فإنه يشير عليك ويجهد نفسه فيخطئ وربما يريد أن ينفعك فيضرك وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وموته خير من حياته "
وقال ابن أبوزياد:"قال لي أبي:يا بُني الزم أهل العقل وجالسهم واجتنب الحمقى فإني ما جالست أحمقا فقمت إلا وجدت النقص في عقلي" وعن الحسن قال: "هجران الأحمق قربة إلى الله عز وجل"([8])
ويتشابه هذا مع رأي الغزالي في معارضته لصحبة الأحمق ناصحا بأن تكون أول صفة فيمن يختاره الإنسان صديقاً له وشريكه في أمر دينه ودنياه هي الاتصاف بالعقل فيقول : " لا خير في صحبة الأحمق فإلى الوحشة والقطيعة يرجع آخرها وأحسن أحواله أن يضرك وهو يريد أن ينفعك والعدو العاقل خير من الصديق الأحمق قال علي رضي الله عنه :
فـلا تصحب أخـا الجهلوإيـاك وإيـاه
فـكم من جاهل أرديحليماً حين وأخـاه
يـقاس المرء بالمـرءإذا مـا لمـرء مـاشاه
كـحذو النعل بالنعل إذا مـا النعـل حاذاه
وللشيء مـن الشيء مقـايـيس وأشـبـاه
وللـقـلب عـلى الـقلب دليل حين يلقـاه ([9])
وقيل: " مصاحبة الأحمق الجاهل كمصاحبة الحية لا تدري متى تلدغك "
مالي أري الشمع يبكي في مواقدهمـن حرقـة النار أم فرقة العسل
مـن لا تـجانسه احـذر تجالسهمـا ضر بالشمع إلا صحبة الفَتَل([10])
لأن الفتيلة من قطن، والشمع من دهن، فهما متباينان فلهذا احترق الشمع لما صاحبته الفتيلة وكذلك الأحمق بعيد عن العاقل في المعني فلا ينبغي له صحبته "
وقال الخليل بن أحمد: الناس أربعة : رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناسٍ فذكروه ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالب فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه "
2- النهي عن الغضب منه
" أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام:لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك"
3- ترك معاقبة الأحمق أو الانتصاف منه
عن سلمان بن موسى قال: ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض: حليم من أحمق وشريف من دنيء وبر من فاجر "
4- المماطلة في التعامل معه
قال حكيم :" ليس كل أحد يحسن يعامل الأحمق وأنا أحسن أعامله قيل له كيف ؟ قال : أبخسه حتى يطلب الحق بعينه إذ متى أعطيته حقه طلب ما هو أكثر منه "
5- ترك معاتبته لأنه لا فائدة بذلك :
عن الأعمش أنه قال: "معاتبة الأحمق نفخ في تليسه" ومما أُنشد في الطريقة التي ينبغي التعامل بها مع الأحمق بإجمال:
اتــق الأحمق أن تصحبـه إنـمـا الحمق كالثوب الخلـق
كـلما رقعت مـنه جانبـاً خـرقته الريح وهـناً فـانخـرق
أو كصدعٍ في زجاج فاحش هل ترى صدع زجـاج يـرتتق
كحمـار السوق إن أقضمته رمـح الناس وإن جـاع نـهـق
أو غــلام السوء إن أسغبته سرق الـنـاس وإن يشبع فسـق
وإذا عـاتبه كـي يرعـوي أفسد المجلس منه بـالـخـرق ([11])
* صفات الأحمق وطريقة التعامل معه عند المتخصصين الغربيين
أ- الفظاظة في القول والفعل :
ولقد وضع صاحبا كتاب " 201 طريق للتعامل مع ذوي الطباع الصعبة " أسسا لمواجهة هذه الفظاظة منهم بكل يسر دون إثارة عداواتهم فآلان اكسيلرود وجيم هولتج " يوضحان الكيفية التي يتم بها إفحام الحمقى عند وجودهم معك في مكان ما بقولهما: "حين تتعامل مع من يتسمون بالفظاظة فلسوف يقاطعونك أثناء الحديث ويقحمون أنفسهم فيه ويتجاهلونك ويسخرون منك ويضايقونك وعلي الرغم من أن الإغراء بالرد عليهم كبير فلا تعاملهم بنفس السلوك وأفضل رد على السلوك الفظ هو أن تنسحب بأدب وتغادر المكان وتعرض العودة في وقت لاحق وسيعمل هذا علي نزع فتيل التوتر وإفهام هذا المتبجح أنك لا تريد تعريض نفسك للإهانة كما أنه سيترك الباب مفتوحاً لكي تتواصلا وتبحثا الحلول "
كما أن من أفضل الطرق للتعامل مع الفظاظة هي أن تكون نموذجاً للياقة فلسوف تجني ثماراً علي المدى البعيد من وراء تأدبك مع الآخرين من خلال عبارات مثل " من فضلك " أو " شكراً" أو " على الرحب والسعة " وليمنح الإنسان الفظ فرصة للرد والتوضيح فقد تكون الفظاظة علامة علي الكثير من الإحباطات المتأصلة في نفسية هذا الشخص وقد يكون السلوك الفظ وسيله ليجذبك للحديث معه ولتتقبل المشاكل بصدر رحب وعلي الأقل امنحه فرصة لكي ينفس عما بداخله وهذا أبسط شيء تقدمه له .
ب- احتكار الحديث
وهو الذي يهب ويطنب في كلامه كي لا يعطيك فرصة التحدث وهنا أكثر الطرق فاعليه لتحويل دفة الحديث إلي الحوار الذي تبغيه هو أن تقاطعه ببعض الأسئلة المحددة والمركزة علي الموضوع المطروح للنقاش وهنا يدرك أن الوقت تم إهداره وهذه هي اللحظة المناسبة لتصحيح مسار الحديث .
ج – كما أن العبارات التي ظاهرها المدح وباطنها الذم لاذعة ومؤلمة للغاية
وكالمعتاد تجنب الرد بالمثل ولتبق فوق مستوى النقد واتجه إليه وتحدث معه علي انفراد ولتقل له
شيئاً من هذا القبيل :" شكرا بيل إنني أبذل قصارى جهدي في هذا الموضوع ولكنني لست متأكداً من فهمي لما ترمي إليه بقولك تتحسن ...فهل ثمة شيء نحتاج إلي مناقشته ؟ وإذا أخبرك أنك تبالغ في رد الفعل عليه وأنه لا يعني شيئاً وراء هذه الملاحظة فليكن ردك " حسناً لقد سرني هذا القول وإن كنت أزعجتك بفعل ما فلسوف أعمل علي تصحيحه في أقرب وقت ممكن "
د- تعلم كيف تتجاهل تعليقاته السلبية التي قد تحط من شأنك
فإذا سمحت لكلامه السيئ لك أن يحرجك فإنك تمنحه انتصارا فأنت تعرف قدرنفسك ولا تجعل أي شخص يحدده لك وركز طاقتك علي إنجاز المهام التي من شأنها أن تعينك علي المزيد من التألق .
هـ- لتمعن النظر في طريقة تعاملك مع الآخرين
فقد يكون السلوك الفظ للآخرين نتيجة ما يصدر منك ولو بدون وعي فلتسأل نفسك هل تسمح لهم بالانتهاء من كلامهم ؟هل تشكرهم علي ما يتقنونه من أعمال ؟ هل تتأدب في طلب النهوض ببعض المهام المحددة ؟ ولتطلب من صديق صدوق ومحل ثقة لديك أن يُقَيَّمك بأمانة فهل تتصرف على النحو الذي تريد من الآخرين أن يكونوا عليه .
و – حاول أن تحبط السلوك الفظ بإظهار أنه لا يؤثر عليك
ولتبتسم ولو صادفتك ملاحظه تثير ريبتك فلتبتسم ثم راقب الموقف بهدوء " ([12])
([1]) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، لابن حزم: صـ183 وما بعدها .
([2]) الأدب الصغير والأدب الكبير: لابن المقفع: صـ51 .
([3]) صور من حياة التابعين، صـ189 .
([4]) أخبار الحمقى والمغفلين : لابن الجوزي صـ9 دار الدعوة الإسلامية .
([5]) أدب الدنيا والدين : للماوردي صـ186 .
([6]) أخبار الحمقى والمغفلين : لابن الجوزي صـ16-18 .
([7]) إرشاد العباد للاستعداد ليوم الميعاد : للشيخ عبد العزيز المحمد السلمان صـ110بتصرف
([8]) أخبار الحمقى والمغفلين، صـ19 .
([9]) مجموعة رسائل الغزالي، صـ424 من كتاب آداب الصحبة والمعاشرة .
([10]) إرشاد العباد للاستعداد ليوم الميعاد،ص149
([11]) أخبار الحمقى والمغفلين، صـ19 – 20 .
([12])201 طريقه للتعامل مع ذوي الطباع الصعبة، صـ46-50 .
للوصول الينا ومتابعة كل جديد اكتبي بمحرك البحث (منتدى عـدلات) او (3dlat)
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|