02-12-2016, 12:31 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
فن التعامل بين العالم والمتعلم والعلماء والحكام في الاسلام
- صفات العالم وفضل مصاحبته :
عن ابن عمر t قال: لا يكون الرجل من العلم بمكان حتى:
1- يحسد من فوقه .
2- ولا يحقر من دونه .
3- ولا يبتغي بالعلم ثمنًا ([1]) (والمقصود ألا يجعل التكسب المادي هدفًا له )
في حكم الشبراوي:" من صاحب العلماء وقُر ومن عاشر السفهاء حقُر ومن الجهل صحبة الجهّال" وكان وهب بن منبه يقول: طوبى لمن جالس أهل العلم والحلم والحكمة ووسعته السنة ولم يتعداها إلى البدعة " وعن أنه لا شيء أولى بالفخر إلا لأهل العلم يقول علي رضي الله عنه :
الناس مـن جهة التَمثال أكفاء أبـوهـم آدم وأمـهـم حــواء
فإن يكن لهم في أصلهم شرف يـفاخرون بـه فـالطين و المــاء
مـا الفخر إلا لأهل العلم إنهم عـلى الهدى لمــن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهـل الـعلـم أعـداء
وإن أتيت بجودٍ في ذوى نسب فـإن نسبتنا جــودٌ و عـلـيـاء
فـفـز بعلم تعش حيًا به أبداً الـنـاس مـوتي وأهـل العلم أحياء
وعن فوائد تحصيل العلم قيل : " اعلم أن العلم شرف للإنسان وفخر له في جميع الأزمان وهو العز الذي لا يبلى جديده والكنز الذي لا يفنى مزيده وقدره عظيم وفضله جسيم " ([2])
وكان أبو الدرداء يقول :"اطلبوا العلم فإن لم تطلبوه فحبوا أهله فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم " ([3])
* فضل العلم وشرفه وإن كان صاحبه فقيرًا
في هذا يقول ابن مكانس: " لا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا ولو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل وقلما يتعلق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جدا وإني لا أقول : إن الدنيا تُعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجوهها فإذا أغفل عن أسبابها لم تأته وأيضًا فإن طالب العلم تشُرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم ولبعض إخواننا بيت :
من جد في طلب العلوم أفاته شرف العلوم دناءة التحصيل ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهرته خُطب من كل جهة وعُرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة فأخذ ما أهدته وماء وجهه موفور وعرضه ودينه مصون " وفي هذا إشارة إلى أن الثراء قد يأتي من قبل العلم إذا كان صاحبه متمكنًا فيه.
" ([6])
* التعامل بين العالم والمتعلم عند علماء الإسلام
- وعن آداب الطالب مع أستاذه يقول الإمام علي t: إن من حق العالم:
1- أن لا تكثر عليه السؤال وألا تسأله في مجلسه .
2- ولا تعنته في الجواب .
3- و أن لا تلح عليه إذا أعرض .
4- ولا تأخذ بثوبه إذا كسل .
5- ولا تشير إليه بيدك و ألا تغمزه بعينيك .
6- و أن لا تطلب زلته، و إن زل تأنيت أوبته،وقبلت فيئته و أن لا تقول: قال فلان خلاف قولك .
7- و أن لا تفشي له سرًا و أن تحفظه شاهدًا و غائبًا .
8- و أن لا تغتاب عنده أحدًا .
9- و أن تعم القوم بالسلام و أن تخصه بالتحية .
10- و أن تجلس بين يديه و إن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته . 11- و أن لا تمل من طول صحبته إنما هو النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها منفعة وأن العالم بمنزلة الصائم المجاهد في سبيل الله، فإذا مات العالم انثلمت في الإسلام ثلمة لا تُسد إلى يوم القيامة وطالب العلم يشيعه سبعون ألفًا من مقربي السماء ([8])
* آداب طالب العلم مع استاذه عند الغزالي
لقد تعرض الغزالي لهذا الأمر وجعل من جملة آداب السلوك لطالب العلم منها ما يتعلق بالجلوس وآدابه، وطريقة مناقشته لمعلمه، والآداب التي ينبغي الالتزام بها عند انصراف معلمه من المحاضرة، وفي هذا يقول: " إن كنت متعلما فآداب المتعلم مع العالم :
1- أن يبدأه بالتحية والسلام وأن يقلل بين يديه الكلام ولا يتكلم مالم يسأله أستاذه ولا يسأل جليسه في مجلسه ولا يلتفت إلى الجوانب بل يجلس مطرقًا عينه ساكنًا متأدبًا كأنه في الصلاة
2- لا يسأل مالم يستأذن أولاً ولا يُكثر عليه السؤال عند ملله ولا يقول في معارضة قوله قال فلان بخلاف ما قلت ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب من أستاذه .
3- وإذا قام قام له ولا يتبعه بكلامه وسؤاله ولا يسأله في طريقه إلى أن يبلغ إلى منزله ولا يسئ الظن به في أفعال ظاهرها منكرة عنده فهو أعلم بأسراره وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر عليهما السلام: ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا ) الكهف : 71 وكونه مخطئا في إنكاره اعتمادا على الظاهر ([9])
- وعن أدب تعامل الطالب مع أصدقائه :
يقول النووي : " وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة ولا يحسد أحدا ولا يحتقره ولا يعجب بفهمه "([21])
- أدب الدخول على مجلس العلماء عند السمعاني
حيث يعرض السمعاني لقواعد السلوك عند الدخول على العالم أو المدرس ومنها :
1- طلب الاستئذان وتقديم الأسن في الدخول أي الأكبر سنًا وخلع النعلين .
2- عدم تقدم الطالب إلى الصفوف الأولى القريبة من الأستاذ إلا إذا استدناه ( قربه ) إليه .
3- وأن يجلس في الحلقة الدراسية بشكل يظهر الإجلال والخشوع وإظهار أقصى ما يمكن من التقدير والطاعة للمعلم .
4- من مبادئ السلوك المثالي أن يكني الطالب أستاذه لا أن يسميه .
5- ومن المستحبات عند دخول الأستاذ كما يشير السمعاني: النهوض ثم التوسيع له وإلى ضرورة توقير المجلس بالتزام الصمت أثناء الدرس .
6- ضرورة اقتران الأدب بطلب العلم حيث إن العلم بلا أدب كنار بلا حطب وإن الأدب بلا علم كروح بلا جسم ([24])
- كيف يتعامل العالم مع تلامذته ؟ أو المعلم مع طلابه ؟
وهي جملة من آداب العلماء و واجباتهم نحو طلابهم قد ذكرها الصحابة رضي الله عنهم وعلماؤنا على تنوعهم ونحاول جمعها. فمن أخلاق العلماء التي ذكرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : " تعلّموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وتواضعوا لمن تعلمون وليتواضع لكم من تعلمون ولا تكونوا من جبابرة العلماء ولا يقوم علمكم مع جهلكم ( وفي رواية أخرى ) كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم وسلوا الله رزق يوم بيوم ولا يضركم أن لا يكثر لكم " ([27]) أي لا يحزنكم أن لا تكونوا أغنياء .
كذلك فرض على العالم تعليم غير المتعلم هذا ما أوصى به سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: " لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر فإذا ذهب الأول قبل أن يتعلم الآخر فذاك حين هلكوا " ([28])
من أخلاق العالم أن لا يكون منكبًا على متع الدنيا طامعا في الكسب المادي "عن بن عبد الله ابن شميط قال: سمعت أبي يقول : يعمد أحدهم فيقرأ القرآن ويطلب العلم حتى إذا علم أخذ الدنيا فضمها إلى صدره وحملها فوق رأسه فنظر إليه ثلاثة ضعفاء: امرأة ضعيفة وأعرابي جاهل وأعجمي
فقالوا: هذا أعلم بالله منا لو لم ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا فرغبوا في الدنيا وجمعوها فكان أبي يقول: فمثله كمثل الذي قال الله عز وجل :( ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) النحل :25 ([29])
وتتعدد الروايات التي تؤكد وعيد الله للعلماء الذين لا يعملون بعلمهم من ابتلائهم بالفتن وتركهم حيارى فيها لا يهتدون سبيلا.
وكان وهب بن منبه يحدث أن الرب عز وجل قال لعلماء بني إسرائيل: تفقهون لغير الدين وتعلمون لغير العمل وتبتغون الدنيا بعمل الآخرة تلبسون مسوك الضأن وتخفون أنفس الذئاب وتنقون القذاء من شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من المحارم وتثقلون الدين على الناس أمثال أجبال ولا تعينوهم برفع الخناصر تبيضون الثياب وتطيلون الصلاة ، تنتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي وحكمة الحكيم " ([31])
" عن الربيع بن أنس قال : أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام: ما بال قومك يلبسون مسوك الضأن ويتشبهون بالرهبان، كلامهم أحلى من ا لعسل وقلوبهم أمر من الصبر أبي يفترون؟ أم إياي يخادعون؟ وعزتي لأتركن العالم منهم حيرانًا، ليس مني من تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ، من آمن بي فليتوكل عليّ ومن لم يؤمن بي فليتبع غيري" ([32])
وقد ذكر الغزالي جملة من آداب المعلم منها : الاحتمال والحزم والهيبة والتواضع وترك الهزل والرفق بالمتعلم والتأني بالمتعجرف وإرشاد البليد وعدم الأنفة من قول لا أدري وتشجيع السائل وفهم سؤاله والانقياد للحق ومنع المتعلم عن كل ما يضره وصده عن شغل نفسه بفرض الكفاية قبل أن يفرغ من فرض العين ([33])
- صلاح الأمة بصلاح العلماء وفسادها بفسادهم
يوضح هذا المعنى الحارث المحاسبي حين يقارن بين عالم الدنيا الذي يتكالب عليها، والعالم الذي يتقي الله ولا يخشي فيه لومة لائم قائلاً: " اعلموا أن صلاح الأمة وفسادها بصلاح العلماء وفسادهم "
وعن العلماء الصالحين وأثرهم يقول : " وإن من العلماء رحمة على الناس يسعد من اقتدى بهم ... فالعالم إذا كان عاملاً برضوان الله مؤثرًا للآخرة على الدنيا فأولئك خلفاء الرسل عليهم السلام والنصحاء للعباد والدعاة إلى الله تعالى وأولئك رفقاء الأنبياء على منابر من نور في الحلي والحلل يكرمون ويجبرون وفي الأقارب والأباعد يشفعون إذ الخلائق ببعثهم مشغولون أولئك رحمة الله على الأمة وبركته عليهم يدعون إلى سبيل النجاة فسعد من أجابهم وفاز من اقتدى بهم ولهم مثل أجر المتأسين بهم "
وعن علماء السوء وأثرهم يقول المحاسبي :" وإن من العلماء فتنة على الأمة يهلك من تأسى بهم ... إلا أن صنفًا من العلماء رضوا بالدنيا عوضا عن الآخرة فآثروها على جوار الله تعالى ورغبوا في الاستكثار منها وأحبوا العلم فيها فتأسى بهم عالم من الناس وافتتن بهم خلق كثيرًا أولئك أسوأ فتنة على الأمة " والمحاسبي يشير إلى الأسباب التي جعلتهم من أسوأ فتن الأمة وهي أنهم:
1- تركوا النصح للناس كيلا يفتضحوا عندهم.
2- وشروا العلم ثمنًا قليلا فاحتملوا أوزارهم مع أوزار المتأسين بهم فهلكوا وأهلكوا أولئك خلفاء الشيطان ودعاة إبليس أقل الله في البرية مثلهم ([35])
وفي هذا الصدد أيضًا نجد ابن الجوزي يقارن بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة حين يتعرض للكشف عن الصفات النفسية لكل منهما وأثرها جاعلاً معيار ذلك هو حب الدنيا فيقول " تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حب الدنيا فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون والأمر الفارق بين الفئتين :
1- إن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة ويحبون كثرة الجمع والثناء .
2- وعلماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك ([36])
- ومن الآداب العامة التي ينبغي أن يلتزم بها العلماء في حديثهم:
ينبغي للعالم السكوت عن الحديث إذا وجد فتورًا أو عدم رغبة في سماعه لدى طلابه و كما يقول الخطيب البغدادي: " حق الفائدة أن لا تساق إلاّ إلى مبتغيها ولا تُعرض إلاّ على الراغب فيها فإذا رأى المحدث بعض الفتور من المستمع فليسكت فإن بعض الأدباء قال: " نشاط القائل على قدر فهم المستمع" ثم ساق بسنده عن زيد بن وهب قال: " قال عبد الله: حدث القوم ما رمقوك بأبصارهم
(أي نظروا إليك منتبهين) فإذا رأيت منهم فترة فانزع" ([44])
وفي هذا الصدد يقول الآجري أيضًا : " فأما أخلاقه مع مجالسيه :
1- فصبور على من كان ذهنه بطيئًا عن الفهم حتى يفهم عنه، صبور على جفاء من جهل عليه حتى يرده بحلم .
2- لا يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله ولا يزجره فيضع من قدره ولكن يبسطه في المسألة ليجبره فيها ، يقبل على من يعلم أنه محتاج إلى علم ما يسأله عنه ويترك من يعلم أنه يريد الجدل و المراء ويسكت عن الجاهل حلمًا وينشر الحكمة نصحًا .
3- و إذا سئل عن علم لا يعلمه لا يستحي أن يقول: لا أعلم و إذا سئل عن مسألة اشتبه القول عليه فيها قال: سلوا غيري ولم يتكلف ما لا يتقرر عليه.
4- و إذا سئل عن مسألة فعلم أنها مما يورِّث بين المسلمين الفرقة استعفى منها ورد السائل إلى ما هو أولى به على أرفق ما يكون .
5- و إن أفتى بمسألة فعلم أنه أخطأ لم يستنكف أن يرجع عنها .
6- و إن قال قولاً فرده عليه غيره ممن هو أعلم منه أو مثله أو دونه فعلم أن القول كذلك رجع عن قوله وحمده على ذلك وجزاه خيرًا.
7- يتواضع للفقراء و الصالحين ولا يقرب أبناء الدنيا ويباعد الفقراء .
* ماذا يفعل العالم إذا وجد من جلسائه من لا يحسن الأدب فكيف يؤدبه؟
هنا يكشف لنا الآجري "عن جملة من الأساليب أو السلوك اللفظي التي ينبغي التعامل بها مع من يرتكب حماقة أثناء مجلس العلم فيقول :على العالم "أن يؤدب جلساءه بأحسن ما يكون من الأدب لا يدعهم يخوضون فيما لا يعنيهم و يأمرهم بالإنصات مع الاستماع إلى ما ينطق به من العلم فإن تخطى أحدهم إلى خلق لا يحسن بأهل العلم لم يجبه في وجهه على جهة التبكيت له ولكن يقول: لا يحسن بأهل العلم والأدب كذ وكذا وينبغي لأهل العلم أن يتجافوا كذا وكذا فيكون الفاعل لخلق لا يحسن قد علم أنه المراد بهذا فيبادر برفقه به وإن سأله منهم سائل عما لا يعنيه رده عنه و أمره أن يسأل عما يعنيه و إذا علم أنهم فقراء إلى علم أعلمهم شدة فقرهم إليه"
والخلاصة إن كان له مجلس قد عرف بالعلم ألزم نفسه حسن المداراة لمن جالسه و الرفق بمن ساء له و استعمال الأخلاق الجميلة ويتجافى عن الأخلاق الدنية ([45])
بالإضافة إلى ذلك فعليه أن يأخذ بالتدريج في التخلص من العادات السيئة المستحكمة عند بعض طلابه وهذا ما أكد عليه الشاعر بقوله:
قـل للفقيه مقالاً ليس يعـدم من حـلو العتاب ومر العتب تمزيجًا
إذا فطمت امرءًا عن عادة قدمت فاجعل له يا عقيد الفضل تدريجًا
ولا تعـنف إذا قـومت ذا عوج فـربما أعـقـب التقويم تعويجًا
وعن الرفق بمن أخطأ وعدم تعجل تهذيبه وإقلاعه عن الخطأ مرة واحدة وإنما يستمر في إصلاحه بتأني قال آخر:
خـذ الأمور برفق واتئد أبـدًا إيـاك مـن عجل يدعـو إلى وصب
الرفق أحسن ما تؤتى الأمور به يصيب ذو الرفق أو ينجو مـن العطب
وعن العفو مع المسيء حتى تعطيه الأمل بالعودة للرشاد دون تيأسه منه ينصح الشاعر بقوله:
إن الـمسيء إذا جـازيته أبـدًا بفعله زدتـه في غيه شططًا
العفو أحسن مـا يجزي المسيء به يهينه أو يـريـه أنه سقطا ([46])
* أسلوب تعامل العالم مع العلماء مثله ومع غيره من الناس
1- على العالم أن يلزم نفسه التواضع للعالم وغيره فأما تواضعه لمن هو مثله في العلم فإنها محبة تنبت له في قلوبهم فأحبوا قربه و إذا غاب عنهم حنت إليه قلوبهم .
2- ترك مناظرة العلماء و إن كان لابد فلها شروط أو آداب ينبغي الالتزام بها قد ذكرها الآجري و كذلك الغزالي في نصيحته لتلميذه قائلاً:" إن المناظرة هي منبع كل الأخلاق الذميمة كالرياء و الحقد و الكبر و العداوة و المباهاة فإن وقعت بينك وبين غيرك مسألة و أنت تريد بالمناظرة أن ينكشف الحق جاز لك البحث في تلك المسألة بهذه النية ولصدق هذه النية علامتان:إحداها : ألا تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك أو لسان خصمك بل تحب أن تنكشف الحقيقة على يد خصمك ليكون ذلك أدعى له إلى قبولها لأن قبوله من نفسه أقرب إلى قبوله منك.
ثانيهما: أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك منه في الملأ و ينصح الغزالي عند الاختلاف مع آخر في مسألة وأنت تعلم أن الحق بيدك وهو يستهزئ فاترك الكلام لأنه يؤدي إلى الوحشة ولا تكون له فائدة وهنا نجد الغزالي يشبه التعامل مع الجاهل بالمرض الشديد الذي يكون من مهارة الطبيب عدم الاشتغال بمداواته فيقول: " اعلم أن مرض الجهل أربعة أقسام: ثلاث لا علاج لها وواحد يمكن علاجه:
- فالأول: أن يكون السؤال أو الاعتراض ناشئًا عن حسد فكلما أجبته لا يزيده جوابك إلا حسدًا وتكبرًا فينبغي ألا تشتغل بجوابه([47])
- الثاني: أن تكون العلة من الحماقة وهذا هو الذي إذا اشتغل يومين أو ثلاثة بتحصيل العلم ولم يشرع في العلوم العقلية أصلاً ومع هذا يعترض على العلماء الذين صرفوا عمرهم في تحصيل العلوم لأنه لم يعرف قدر نفسه ولا قدر هذا العالم من حماقته فينبغي أن تُعرض عن هذا أيضًا ولا تشتغل بجوابه.
- الثالث: أن يكون السائل مسترشدًا ليس فيه أهلية لفهم كلام الأكابر لقصور فهمه عنه ولا يرى قصور فهمه فلا تشتغل بجوابه لأن النبي r قال: " نحن معاشر الأنبياء أُمرنا بأن نكلم الناس على قدر عقولهم"
- الرابع: أن يكون مسترشدًا ذكيًا لبيبًا عاقلاً ليس مغلوب الغضب و الشهوة و الحسد و حب المال والجاه بل طالبًا لطريق الحق ...فهذا المريض يمكن علاجه فالاشتغال بجوابه لائق بل واجب ([48])
3- العالم الحق لا يجادل العلماء ولا يماري السفهاء
ولقد أبان الغزالي في كتابه" بداية الهداية" عن فوائد ترك الجدال و المراء مستشهدًا بالأحاديث النبوية التي تنهي عنه إلى جانب كشف الأثر السيء الذي يتركه في نفوس المعارضين وفي هذا يقول: " المراء و الجدال ومناقشة الناس في الكلام فذلك إيذاء للمخاطب وتجهيل له وطعن فيه وفيه ثناء على النفس وتزكية لها بمزيد من الفطنة و العلم فإنك لا تماري سفيهًا إلاّ و يؤذيك ولا تماري حليمًا إلاّ ويقليك ويحقد عليك فقد قالr : " من ترك المراء وهو مبطل بني الله له بيتًا في رياض الجنة ومن ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتًا في أعلى الجنة"
ثم ينبه الغزالي على أن لا نستسلم للوساوس الشيطانية التي تلح علينا بإظهار الحق الذي ندعيه و ذلك لأن نتائج ذلك وخيمة يذكرها بقوله:" ولا ينبغي أن يخدعك الشيطان و يقول لك أظهر الحق ولا تداهن فيه فإن الشيطان أبدًا يستجر الحمقى إلى الشر في معرض الخير فلا تكن ضحكة للشيطان فيسخر منك فإظهارك الحق الحسن مع من يقبله منك وذلك بطريق النصيحة في الخفية لا بطريق المماراة والنصيحة يحتاج فيها إلى تلطف و إلاّ صارت فضيحة و كان فسادها أكثر من صلاحها"
ثم يذكر الغزالي أنه مهما كانت دواعي الجدال ملحة خاصة مع علماء السوء فإنه ينبغي تركها لأنهم يبغون من وراء ذلك الشهرة و المدح فلا تعطهم هذه الفرصة حيث يقول: " ومن خالط متفقهة العصر غلب على طبعه المراء و الجدال وعُسر عليه الصمت إذ ألقى إليه علماء السوء أن ذلك هو الفضل و القدرة على المحاجة و المناقشة هو الذي يمتدح به ففر منهم فرارك من الأسد و اعلم أن المراء سبب المقت عند الله وعند الخلق" ([49])
* تعامل العالم مع سائر الخلق
وهي مجموعة من الأخلاق المحمودة التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن فضلاً عن كونه عالمًا وكذلك التخلي عن أخلاق مذمومة تسيء لكل من يتصف بها ولقد فصَّل الآجري الحديث عن هذا الشأن قائلاً عن صفات هذا العالم في تعامله مع الآخرين وتحت هذا العنوان السابق بأنه هو الذي:
1- في تعامله مع أعدائه أو مخالفية " لا يؤاخذ بالعثرات ولا يشيع الذنوب عن غيره ولا يقطع بالبلاغات ولا يفشي سر من عاداه ولا ينتصر منه بغير حق ويعفو ويصفح عنه ذليل للحق عزيز عن الباطل كاظم للغيظ عمن آذاه شديد البغض لمن عصى مولاه .
2- يجيب السفيه بالصمت عنه و العالم بالقبول منه لا مداهن ولا مشاحن و لا مختال ولا حسود ولا حقود ولا سفيه و لا جاف و لا فظ و لا غليظ و لا طعّان ولا لعّان ولا مغتاب ولا سباب سليم القلب للعباد من الغل و الحسد يغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين في كل ما أمكن فيه لا يحب زوال النعم عن أحد من العباد.
3- يخالط من الإخوان من عاونه على طاعة ربه ونهاه عما يكره مولاه و يخالق بالجميل من لا يأمن شره إبقاءً على دينه....يداري جهل من عامله برفق، إذا تعجب من جهل غيره ذكر أن جهله أكثر فيما بينه وبين ربه عز وجل لا يخاف منه غائلة ، الناس منه في راحة ونفسه منه في جهد ([54])
* كيف يتعامل العلماء مع الحكام؟
في عصور الإسلام الزاهية كان العلماء ينصحون الحكام و الحكام يستضيئون برأيهم وينفذونه وإذا أخطأ الحاكم كان العالم لا يتورع عن مواجهته ومحاكمته و كم سجل لنا التاريخ من محن ومآس تعرض لها العلماء حين صدعوا بكلمة الحق وتحملوا في سبيلها كل عذاب و ذلك حين كانوا على قدر مسئولية حمل أمانة العلم وإعزازه وحين تخلوا عن ذلك وغرّتهم الحياة الدنيا انتُقص قدرهم عند الحكام فلم يأبهوا لهم ولم يثق الناس فيهم فانصرفوا عنهم لأنهم صاروا كما قال تعالى:{يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً}وبالتالي كان تعامل العلماء الصالحين مع حكامهم دعائمه:
1- الحث على الكرامة وعزة النفس و البعد عن الذل
يقول الفضيل ابن عياض: " لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم وشدوا على دينهم و أعزوا العلم وصانوه و أنزلوه حيث أنزله الله لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس و كانوا لهم تبعًا وعز الإسلام و أهله و لكنهم أذلوا أنفسهم و لم يبالوا بما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهم فبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا بذلك ما في أيدي الناس فذلوا وهانوا على الناس" ([55])
ومن الصور العملية لسلوك العالم الحق مع الحاكم والتي فيها معاني العزة و عدم الذل و الخنوع وإنما قوة الشخصية والثقة بالنفس والإيمان الذي لا يتزعزع و واليقين بالله الذي ملأ جوانحهم فلم يجد الخوف إلى قلوبهم سبيلاً فهم كمثل الذين قال الله تعالى فيهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران:173
فلم يأبهوا لبطش الحكام بهم إذا كان الجور مستفحلاً والعدل غائبًا فمن غير العالم حامل سلاح الكلمة يستطيع أن يقوم مقامه و سأكتفي على سبيل المثال لا الحصر ([56]) بموقف عن سعيد بن المسيب وهو من التابعين t مع الخليفة فذكر الإمام أحمد في الزهد عن عمر بن عبد الله قال:" إن سعيد ابن المسيب دُعي للوليد بن سليمان بعد عبد الملك بن مروان فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل و النهار قال: قيل ادخل من باب و اخرج من الباب الآخر قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس قال: فجلدوه مائة وألبسوه المسوح"
2- دخول العلماء إلى مجالس الحكام و أحكامها
أ- بالنسبة للحكام العادلين المقيمين لشعائر الإسلام وحدوده فإنه لا خلاف بين العلماء في جواز مواجهتهم وغشيان مجالسهم لما يترتب عليها من إقامة العدل و استمراره .
ب- بالنسبة للحكام الظلمة الذين أعرضوا عن أحكام الإسلام كليًا أو جزئيا و نشروا الجور و الفساد في الرعية فهؤلاء للغزالي في مواجهتهم ثلاث أحوال :
- الحالة الأولى وهي الدخول عليهم: وهو مذموم جدًا في الشرع لقوله r :" فمن نابذهم نجا ومن اعتزلهم سلم أو كاد أن يسلم ومن وقع معهم في دنياهم فهو منهم ([58]) وقوله r: " سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه ولم يرد على الحوض ([59])
الحالة الثانية: أن يدخل عليهم السلطان الظالم زائرًا فجواب السلام لا بد منه و أما القيام و الإكرام له فلا يحرم مقابلة له على إكرامه ثم يجب على العالم بعد أن وقع اللقاء أن ينصحه و يرشده إلى طريق المصلحة .
الحالة الثالثة: أن يعتزلهم فلا يراهم ولا يرونه وهو الواجب إذ لا سلامة إلا فيه فعليه أن ينتقد بعضهم على ظلمهم ولا يحب بقاءهم ولا يثني عليهم([60])
والعلماء الصادقون لا يفرقون في التعامل في مجالس العلم بين أبناء الحكام أو الأمراء و أبناء الشعب و قد روى سفيان بن عيينة قال: جاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاووس فلم يلتفت إليه فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه قال: أردت أن يعلم أن لله عبادًا يزهدون فيما في يديه" ([61])
3- النهي عن قبول هدايا الحكام للعلماء فقد رفض طاووس بن كيسان* هدية محمد بن يوسف الثقفي حتى قال وهب ابن منبه الذي كان مصاحبًا له : " والله لقد كنا في غنى عن إثارة غضبه علينا فماذا كان يضرك لو أخذت الطيلسان منه ثم بعته وتصدقت بثمنه على الفقراء و المساكين؟ فقال طاووس: هو ما تقول......لولا أني خشيت أن يقول العلماء من بعدي نأخذ كما أخذ طاووس... ثم لا يصنعون فيما أخذوه ما تقول"
وروي أن محمدا بن يوسف الثقفي اختار رجلاً حاذقًا من حاشيته ووعده بإجزال العطاء له إن أقنع طاووس بقبول صرة بها سبعمائة دينار فلما صار عند طاووس حياه وقال له هذه نفقة بعث بها الأمير إليك فقال: مالي بها حاجة فاحتال عليه بكل طريق ليقبلها فأبى و أدلى له بكل حجة فرفض ([62])
([1]) الحلية، ج 1 / 306
([2]) مجاني الأدب، ج3 / ص130 وما بعدها, الزهد، ص 445
([3]) الزهد، ص 170
([6]) مجاني الأدب، ج2 , ص65
([8]) الكنز، ج2/ 242 حياة الصحابة المجلد الثاني / ص 301
([9]) مجموعة الرسائل، للغزالي، ص 422 من كتاب آداب الصحبة والمعاشرة
([21]) آداب العالم والمتعلم والمفتي والمستفتي وفضل طالب العلم، للنووي ص45-49
([24]) المذهب التربوي عند السمعاني، ص 22 : 50
([27]) الزهد: للإمام أحمد ص 149
([28]) المرجع السابق، ص 189
([29]) الزهد، ص267
([31]) الزهد، ص 68, 69
([32]) المرجع السابق، ص 68, 69
([33]) علم النفس في التراث الإسلامي : من كتاب بداية الهداية للغزالي عرض د. أسامة سعد , ج2 / 199
([35]) الوصايا : ص36 – 37
([36]) صيد الخاطر، ص17
([39]) تذكرة السامع و المتكلم في أدب العالم و المتعلم، ابن جماعة: ص 128 – 138 عرض د. معتز سيد عبد الله في كتاب علم النفس في التراث الإسلامي ج3 / 125 - 126
([44]) حلية طالب العلم، ص 28 نقلاً عن الجامع ج1 / 330
([45]) مكارم الأخلاق : للآجري : ص 161 - 163
([46]) مجاني الأدب، ج4 / 83 و مابعدها
([47]) أخلاق العلماء، للآجري من كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص 162 وما بعدها
([48]) مجموعة الرسائل، الغزالي: ص 189 ، 190
([49]) المرجع السابق، ص 342 ، 415 من كتاب بداية الهداية، إلجام العوام عن علم الكلام .
([53]) أخلاق العلماء، ص 165
([54]) المرجع السابق، ص 166 ، 167 من كتاب مكارم الأخلاق
([55]) إرشاد العباد: للشيخ عبد العزيز المحمدي ص 42
([56]) لمزيد في هذا الصدد ينظر إلى كتاب الإسلام بين العلماء و الحكام دار الصفوة - القاهرة
([57]) الزهد : ص 459
([58]) رواه الطبراني
([59]) رواه الترمذي و النسائي والحاكم
([60]) الإسلام بين العلماء و الحكام : عبد العزيز البدري نقلاً عن إحياء علوم الدين – الباب السادس: فيما يحل من مخالطة السلاطين الظلمة و حكم غشيان مجالسهم ج 5
([61]) إرشاد العباد، ص 63
* اسمه ذكوان ولُقّب طاووس لأنه كان طاووس الفقهاء والمقدم عليهم في عصره وهو من أشهر التابعين.
([62]) صور من حياة التابعين، ص 283 وما بعدها
للوصول الينا ومتابعة كل جديد اكتبي بمحرك البحث (منتدى عـدلات) او (3dlat)
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|