02-10-2016, 05:49 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
فن الحوار والحديث في الاسلام
1- حسن الاستماع والنهي عن مقاطعة حديث المتكلم
يقول الغزالي: ".. اصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك من غير إظهار تعجب مفرط ولا تسأله إعادته" (1) وفي هذا الصدد يقول ابن المقفع: "تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ومن حسن الاستماع:
1- إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه.
2- وقلة التلفت إلى الجواب.
3- والإقبال بالوجه والنظر إلى المتكلم.
4- والوعي لما يقول.
5- وعدم مقاطعته أثناء حديثه قبل أن ينتهي منه.
وعن أهمية مراعاة هذا العامل الأخير في شروط حسن الاستماع ويؤكد ابن المقفع على عدم مقاطعة المتحدث أثناء الحديث حتى وإن كنت على علم بحديثه قائلاً: "ومن الأخلاق التي أنت جدير بتركها إذا حدَّث الرجل حديثا تعرفه ألا تسابقه إليه وتفتحه عليه وتشاركه فيه حتى كأنك تُظهر للناس أنك تريد أن يعلموا أنك تعلم مثل الذي يعلم وما عليك أن تهنئه بذلك وتفرده به (أي أنك تعرضه للحرج) بدلا من أن تمنحه الشعور بالتفرد بهذا الحديث وتسره وتهنئه عليه " (2).
والرسول (ص) خير قدوة لنا في هذا الأدب في تعاملنا مع المتحدث فعن أنس t قال: كان رسول الله r من أشد الناس لطفًا وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه..."(3).
- لكن ماذا تفعل مع من لا يصغون إليك؟ أو يقاطعونك أثناء حديثك؟
من الأفضل أن تتوقف عن الحديث وكما قال علي بن أبي طالب: "من لم ينشط لحديثك فارفع عنه مؤنة الاستماع منك"(4).
ويقول "المرادي الحضرمي": "اقطع كلامك عمن لا يقبل عليك ببصره ويصغي (ينصت) إليك بسمعه ويفهم عنك بذهنه وإياك أن تفعل ذلك بأحد مخاطبيك من أمير وغيره"(5)
- فيكف يمكن التعامل مع محتكري الحديث؟
"ومحتكر الحديث: هو من يسهب ويطنب في كلامه لا يعطيك فرصة للتحدث والإدلاء بدلوك وتعد أكثر الطرق فعالية لتحويل دفة الحديث الأحادي الجانب إلى الحوار الذي تبغيه هي: مقاطعته ببعض الأسئلة المحددة نحو: نعم (يا جعفر) ولكن هل يؤثر هذا على الميزانية التي نناقشها؟ وكلما كان السؤال أكثر تحديدًا وتركيزًا على الموضوع المطروح للنقاش أدرك هذا الفظ وجميع الحاضرين أيضًا أن الوقت يتم إهداره وأن هذه هي اللحظة المناسبة لتصحيح مسار الحديث".(6)
2- حسن الإجابة واللطف في الحديث
كان الرسول صلى الله عليه وسلم خير قدوة لنا في حسن ولطف حديثه وإجابته على كل شخص في لين وتعاطف حتى وإن كان خادما "عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله r: ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهله إلا قال: لبيك ولذلك أنزل الله U: ?وإنك لعلى خلق عظيم? [القلم: 4] وقيل: "لا تترفع بحيث تُستثقل ولا تتنازل بحيث تُستخس وتُستحقر"(7).
ولين الكلام هو السبيل إلى الفوز بمحبة الآخرين ونيل المراد يوضح ذلك قول معاوية: "عجبت لمن يطلب أمرًا بالغلبة وهو يقدر عليه بالحجة ولمن يطلبه بخرق وهو يقدر عليه برفق" وقيل: "من لانت كلمته وجبت محبته"(8).
ومما ذكره ابن أبي الدنيا عن بعض الحكماء قال: "الكلام الليِّن يغسل الضغائن المستكنة في الجوانح"(9).
وهذا شبيه بقول ابن المقفع: "إذا ناطقت فناطق بالحسنى؛ فإن المنطق الحسن يزيد في ود الصديق ويستلّ سخيمة الوَغِر"(10) وسخيمة: هي الحقد والموجدة في النفس والوغر: المحترق من الغيظ.
وفي "مجاني الأدب": "إياك الغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة؛ فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات ويصير القائل مستثقلاً "سكوته أشهى للسامع من كلامه ويثير النفوس على معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته"(11).
ومن اللطف في الحديث وجاذبيته أن يكون نائيًا عن الجدل في غير موضعه فالجدل قد يكون ممدوحًا في مواطن ومذمومًا في أخرى يوضحها المحاسبي حين يذكر أن الجدال الممدوح هو الجدال عن المظلوم عند الحاكم وكذلك الجدال عند المكذوب عليه والمظنون فيه السوء دون حق وأيضًا الجدال عن النفس في كل المواضع السابقة .
أما الجدال المذموم: فهو الإدعاء فوق الحق المعلوم أو شتم الظالم بما لا يجوز أو الاستعانة بشهود الزور وكذلك الجدال عن الظالم أو الكاذب أو المغتاب.
أما عندما لا يتضح الظالم من المظلوم فينبغي أن يكون الجدال محايدًا بلا ميل إلى قرابة أو صحبة أو هوى([12).
- وعن الحث على الكلام الحسن وبيان فضله:
يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن نكون على حذر مما نقول وألا نستهين بالكلام الذي نتحدث به فالكلمة الواحدة تحدد مصير الإنسان في الآخرة وربما لا يكون الإنسان على وعي بذلك ، عن بلال بن الحارث المزني قال: قال رسول الله r: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله U ما يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله U له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة"
وعن علي قال: قال رسول الله r: "إن في الجنة لغرفًا يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، فقال أعرابي لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله تعالي والناس نيام"(13).وقد قيل "لو لينت كلامك كثرت غاشيتك وأصحابك"(14).
وعن أم حبيبة زوج النبي r قال: كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرًا بمعروف، أو نهيًّا عن منكر أو، ذكر الله تعالى، فقال رجل لسفيان:ما أشد هذا الحديث قال سفيان:وما شدته؟قال: قال الله تعالي: ?لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس? [النساء: 114] وقال الله تبارك وتعالى:?وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر?[النصر
3- كراهية أن يتحدث اثنان دون أن يشركا في الحديث ثالثهما
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: "لا يتناجى اثنان دون الثالث"(15). وعن عبد الله قال: "كان رسول الله r ينهانا إذا كنا ثلاثة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما حتى يختلطا بالناس من أجل أنه يجزئه"(16). أما إن كانوا أربعة فيجوز أن يتحدث اثنان دون الآخرين. "فعن ابن عمر قال: قال رسول الله r: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما قيل: فإن كانوا أربعة؟ قال: لا بأس"(17).
4- كراهية السخافة في الحديث
وهي أن يكون حديثك مقترنًا بالهذر أو الضحك أو السكوت عن الكلام حين الحاجة إليه أو كثرة الكلام وهذا وضحه ابن مكانس في أرجوزته قائلاً: "إياك والهذر والكلام فيما لا يعني وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضيلة وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام..."(18).
وعند ابن حزم أن حد السخف هو العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا ولا حميد خلق مما ليس معصية ولا طاعة ولا عونًا عليهما ولا فضيلة ولا رذيلة مؤذية ولكن من هذر القول وفضول العمل فعلى قدر الاستكثار من هذين الأمرين أو التحلل منهما يستحق المرء اسم السخف وقد يسخف المرء في قصة ويعقل في أخرى ويحمق في ثالثة"(19).
ومن علامات السخافة عند المتكلم أيضًا قول ابن المقفع: "من الدليل على سخافة المتكلم أن يكون:
1- ما يُرى من ضحكه ليس على حسب ما عنده من القول.
2- أو الرجل يكلم صاحبه فيجاذبه الكلام ليكون هو المتكلم.
3- أو يتمنى أن يكون صاحبه قد فرغ وأنصت له فإذا أنصت له لم يحسن الكلام(20).
4- مراعاة عقول من تتحدث إليهم .
أي يجب ألا يتحدث مع الناس على اختلافهم بطريقة واحدة فما يستحسنه منك إنسان قد لا يلقى قبولا عند الآخر ويستهجنه، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" خاطبوا الناس على قدر عقولهم ..." ، ويقول ابن المقفع: "لا تجالس امرأً بغير طريقته فإنك إن أردت لقاء الجاهل بالعلم والجافي بالفقه والعيي بالبيان لم تزد على أن تضيِّع علمك وتؤذي جليسك بحملك عليه ثقل ما لا يعرف وغمك إياه ما يغتم به الرجل الفصيح من مخاطبة الأعجمي الذي لا يفقه عنه ، واعلم إنه ليس من علم تذكره عند غيره أهله إلا عابوه ونصبوا إليه ونقضوه عليك وحرصواعلى أن يجعلوه جهلاً حتى إن كثيرًا من اللهو واللعب الذي هو أخف الأشياء على الناس ليحضره من لا يعرفه فيثقل عليه ويغتم به"(21).
وكان كُثير بن مرة بقول: "لا تحدث الحكمة عند السفهاء فيكذبوك ولا تحدث الباطل عند الحكماء فيمقتوك ولا تمنع العلم أهله فتأثم ولا تحدثه غير أهله فتجهل أن عليك في علمك حقًّا كما عليك في مالك حقًّا"(22).
5- لا تخلط الجد بالهزل
هذا أسلوب في طريقة الحديث يضجر منه كل شخص أيا ما كان مستوى تفكيره، ولأن الافتخار هو أكثر المواطن التي يتضح فيها هذا الأمر والذي قد يتساهل كثير من الناس فيه حيث الانزلاق إلى المبالغة والكذب والهزل لذا كان التحذير منه والحض على أن لا تفتخر إلا وأنت تقول الحقيقة وحديثك جاد، والبعد عنه أولى وأحسن من الناحية الدينية .
يقول ابن المقفع: "إن آثرت أن تفاخر أحدًا ممن تستأنس إليه في لهو الحديث فاجعل غاية ذلك الجد ولا تعتد أن تتكلم فيه بما كان هزلاً فإذا بلغه أو قاربه فدعه".
ولا تخلطن بالجد هزلاً ولا بالهزل جدًّا؛ فإنك إن خالطت بالجد هزلاً هجنته (قبحته) وإن خلطت بالهزل جدًّا كدرته".
- متى يستحسن الهزل في الحديث ؟
وابن المقفع الذي يحذر من مخالطة الجد بالهزل يذكر أن هناك موضعا واحدا يجوز فيه مقابلة الجد بالهزل وذلك حين تتعرض لأذى سفيه فهنا يكون رد فعلك المثالي عليه عند ابن المقفع هو الهزل وعدم مقابلته بمثل سوء فعله، وقد أشار ابن المقفع لذلك بقوله: "غير أني قد علمت موطنًا واحدًا إن قدرت أن تستقبل فيه الجد بالهزل أصبت الرأي وظهرت على الأقران (تغلبت على نظرائك) وذلك أن يتوردك متورد (يأتي إليك ويحضر) بالسفه والغضب وسوء اللفظ فتجيبه إجابة الهازل المداعب برحب من الذرع (السعة من القوة) وطلاقة من الوجه وثبات من المنطق"(23).
والغزالي ينهى عن المزاح مطلقًا عند الحديث لتوابعه السيئة على المتكلم والمستمع قائلاً: "ولا تمازح لبيبًا فيحقد عليك ولا سفيهًا فيجترئ عليك؛ لأن المزاح يخرق الهيبة ويسقط المنزلة ويذهب ماء الوجه ويعقب الحزن ويزيل حلاوة الود ويشين فقه الفقيه ويجرِّئ السفيه ويميت القلب ويباعد من الرب ويعقب الذم ويفسخ العزم ويظلم السرائر ويميت الخواطر ويكثر الذنوب ويبين العيوب"(24).
* أدب استماع الحديث .
- التوقير للمتحدث والنهي عن التطاول عليه:
والوقار كما يعرفه ابن حزم : وضع الكلام موضعه ومسايرة الناس بالمسالمة وهذه الأخلاق تسمى الرزانة(25)وقد حث عليها علماؤنا المستمعين للحديث فيقول ابن المقفع: "تحفّظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب وطب نفسًا عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي مداراة لئلا يظن أصحابك أن دأبك التطاول عليهم"(26). أي: لا تراجع كثيرًا الآخرين فيما يتحدثوا به؛ فإن لم تلن لهم وتتجاوز عن حديثهم ربما اعتقدوا أنك تسيء إليهم عند نقدهم أو مجادلتهم ، وبالتالي فإن الصمت في هذا الموضع هو الأفضل وخاصة عند الاستماع للعامة من الناس وفي هذا الصدد أيضًا يقول ابن المقفع: "إن أردت أن تلبس ثوب الوقار والجمال وتتحلى بحلية المودة عند العامة وتسلك الجدد (الأرض المستوية) الذي لا خيار فيه (ما سترخى من الأرض) ولا عثار فكن عالمًا كجاهل وناطقًا كعيي فأما العلم فيزينك ويرشدك وأما قلة ادعائه فتنفي عنك الحسد وأما المنطق (إذا احتجت إليه) فيبلغك حاجتك وأما الصمت فيكسبك المحبة والوقار"(27).
- الامتناع عن الكلام حين الجدال.
وكما يقول صاحب كتاب "السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة : "إذا تمارى (تجادل) قوم بحضرتك فاستقبلهم بصمتك وسايرهم بحسن وقارك فإنك إن ماريتهم كنت كأحدهم وإن صمت عنهم رجع الأمر إلى قولك واعتمد في الصواب على رأيك وتكلم حين تصيخ الأسماع إلى كلامك ولا تتحدث بكل ما سمعته ولا تكذِّب بكل ما أشكل عليك"، وكان ابن عمر يقول: "لن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء وهو يعلم أنه صادق ويترك الكذب في المزاحة"(28).
- لكن ماذا يفعل الإنسان حين يسمع كلامًا غير صواب ويخشى من تأثر السامعين به؟
هنا ينصح ابن المقفع بعدم الرد على المتكلم مكذبًا له لأنك بذلك تثير امتعاضه وإنما الأولى الصمت وإن كنت تخشى على أحد من المستمعين لهذا الكلام فلتنفض هذا الكلام له في ستر وفي هذا يقول: اعلم أنك ستسمع من جلسائك الرأي والحديث تنكره وتستجفيه من المتحدث به عن نفسه أو غيره فلا يكونن منك التكذيب ولا التسخيف لشيء مما يأتي به جليسك ولا يجرئنك على ذلك أن تقول: إنما حدَّث عن غيره فإن كل مردود عليه سيمتعض من الرد وإن كان في القوم من تكره أن يستقر في قلبه ذلك القول الخطأ تخاف أن يعقد عليه (يبنى عليه) أو مضرة تخشاها على أحد فإنك قادر على أن تنقض ذلك في ستر فيكون ذلك أيسر للنقض وأبعد للبغضة ثم اعلم أن البغضة خوف وأن المودة أمن فاستكثر من المودة صامتًا فإن الصمت سيدعوها إليك"([29).
3- لا تتكلم فيما لا يعنيك وإذا تكلمت فيما يعنيك فضع الكلام في موضعه:
وهذا من باب النأي بالنفس عن الوقوع في المعاصي التي يستدعيها كثرة الكلام فيما هو ليس بضرورة أو حاجة وإنما هو الفضول ولقد رُوي عن الرسول r الكثير من الأحاديث في هذا الصدد والتي توطد دعائم المودة والمحبة وضبط النفس حين يضبط اللسان بالصمت و يترك الإنسان الحديث فيما لا يعنيه .
فعن أبي ذر t قال: قال لي رسول الله r: "ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: هو الصمت وحسن الخلق وترك ما لا يعنيك".
يقول الشيخ محمد الغزالي ينبغي أن يسأل المرء نفسه قبل أن يتحدث إلى الآخرين هل هناك ما يستدعي الكلام؟ فإن وجد داعيًّا إليه تكلم وإلا فالصمت أولى به وإعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الأجر قال عبد الله ابن مسعود t "والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان"(30) وقال رسول الله r: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"(31) وأول مراحل هذه الاستقامة أن ينفض يديه مما لا شأن له به و ألا يقحم نفسه فيما لا يُسأل عنه قال رسول الله r: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(32).
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: خمس لهم أحسن من الدُهم الموقفة (الخيل الجيد) لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر...!
- ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعًا.
- ولا تمار حليمًا ولا سفيهًا فإن الحليم يقليك وإن السفيه يؤذيك!
- واذكر أخاك إذا تغيب بما تحب أن يذكرك به وأعفه مما تحب أن يعفيك منه.!
- واعمل عمل رجل يرى أنه مجازي بالإحسان مأخوذ بالإجرام(33).
ويعلق الشيخ الغزالي على هذا الحديث قائلاً: "والمسلم لا يستطيع هذا إلا إذا ملك لسانه وسيطر على زمامه بقوة فكبحه حيث يجب الصمت وضبطه حين يريد المقال أما الذين تقودهم ألسنتهم فإنما تقودهم إلى مصارعهم"(34).
ولقد أشار ابن حزم إلى أن صنف الناس الذي يضع الكلام في موضعه كما قيل: -لكل مقام مقال- هم فئة نادرة الوجود قائلاً: "رأيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقسامًا ثلاثة:
أحدها: من لا يبالي فيما أنفق كلامه فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس.
والثاني: أن يتكلم ناصرا لما وقع في نفسه أنه حق ودافعًا لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب حقيقة لكن لجاجًا فيما التزم وهذا كثير وهو دون الأول.
والثالث: واضع الكلام في موضعه وهذا أعز من الكبريت الأحمر(35).
.
والكلام هو معيار لإيمان الفرد يتضح ذلك حين نجد الإمام علي يفرق بين المنافق والمؤمن عن طريق كلامه فالمنافق يتكلم بكل شيء فيما يعنيه ولا يعنيه أما المؤمن فلا يتكلم إلا بخير وإن كان غير ذلك آثر الصمت وفي هذا يقول: "اجعلوا اللسان واحدًا وليخزن (ليحفظ) الرجل لسانه فإن هذا اللسان جموح بصاحبه والله ما أرى عبدًا يتقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه وإن لسان المؤمن من وراء قلبه وإن قلب المنافق من وراء لسانه؛ لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه فإن كان خيرا أبداه وإن كان شرا واراه وإن المنافق يتكلم بما أُتى على لسانه: لا يدري ماذا له وماذا عليه"(36)
كما أن الصمت هو الإجابة المثلى على من نقل إليك كلامًا يقتضي منك التثبت منه ولولا ذلك لحدثت فتن وقطيعة (بين الأفراد وذلك) لخطورة هذا الكلام وابن حزم يوضح هذا بقوله: "من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحق وذلك أن من نقل إليك كذبًا عن إنسان حرك طبعك فأجبته فرجع عنك بحق فتحفظ من هذا ولا تجب إلا عن كلام صح عندك قائله"(37).
والرسول (ص) وصحابته الكرام خير قدوة عملية لنا في حفظ اللسان بالصمت إلا عن كل خير ومعروف بل يعد من أفضل آداب مجالسة الآخرين بالصمت دلالة على حسن الاستماع لهم والترفع عن لغط القول أو الوقوع في إثم الغيبة والنميمة.
وحدث محمد بن سوقة (وهو أحد علماء الكوفة وعبّادها) جماعة من زواره قال: ألا أسمعكم حديثًا لعله ينفعكم كما نفعني؟ قالوا: بلى، قال: نصحني عطاء بن أبي رباح ذات يوم فقال: يا ابن أخي... إن الذين من قبلنا كانوا يكرهون فضول الكلام فقلت: وما فضول الكلام عندهم؟ فقال: كانوا يعدون كل كلام فضول ما عدا كتاب الله U أن يقرأ ويفهم... ..أو أمرًا بمعروف ونهيا عن منكر... أو أن تتكلم بحاجتك ومعيشتك التي لابد لك منها.
ثم حدق (حدد النظر) إلى وجهي وقال: أتنكرون ?إنَّ عليكم لحافظين كرامًا كاتبين?[الانفطار: 10- 11] وأن مع كل منكم ملكين ?عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد? [ق: 17- 18](38).
1- الرسائل، الغزالي كتاب: آداب الصحبة ص429.
2- الأدب الصغير والأدب الكبير، ص129- 130.
3- المرجع السابق، ص131 - 132.
4- أخرجه أبو نعيم في الدلائل ص57.
5- الإدارة في التراث الإسلامي، د/ محمد بن عبد الله، د/عدنان بن حمدي ص308.
6- السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة، ص121.
7- إدارة الخجل، ص83
8- أخرجه أبو نعيم في الدلائل، ص57، مجاني الأدب ج 2/66.
9- مجاني الأدب، ج1 /ص18-19
10- مداراة الناس، ص96.
11- الأدب الصغير والأدب الكبير، ص128.
12- مجاني الأدب، 2/66.
13- المسائل في أعمال القلوب والجوارح للحارث المحاسبي، علم النفس في التراث الإسلامي ج 1/102، عرض، د/أسامة سعد أبو سريع.
14- المرجع السابق، ص25.
15- لزهد، ص169- 387.
16- حديث حسن صحيح: مساوئ الأخلاق ومذمومها للخرائطي ص191.
17- أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه، المرجع السابق، ص192.
18- أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه، المرجع السابق، ص192.
19 مجاني الأدب، 2/65.
20- الأخلاق والسير في مداواة الناس، ص184.
21- الأدب الصغير والأدب الكبير، ص51.
22- الأدب الصغير والأدب الكبير، ص127.
23- الزهد، ص462.
24- الأدب الصغير والأدب الكبير، ص100.
26- مجموعة رسائل الغزالي، كتاب الأدب في الدين، ص447.
27- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص186.
(28) الأدب الصغير والأدب الكبير، ص100
([29) المرجع السابق، ص102.
(30) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة ص120- 121، الزهد ص439.
([31) الأدب الصغير والأدب الكبير، ص128.
(32) رواه الطبراني .
(33) رواه أحمد.
(34) رواه الترمذي.
(35) رواه ابن أبي الدنيا.
(36) خُلق المسلم، ص77- 79.
(37) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص189.
(38) نهج البلاغة، ص416.
للوصول الينا ومتابعة كل جديد اكتبي بمحرك البحث (منتدى عـدلات) او (3dlat)
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|