الرد على شبهة تفريق أيام الحج
أ. د. محمد المختار محمد المهدي
إجابة على سؤال: يقول تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴾ (البقرة: 197)، في هذه الآية إشارة إلى أشهر للحج غير محددة، مما جعل بعض المعاصرين يقترحون تفريق أيام الحج على مدار السنة، ثم أن المؤمن مطالب بعدم الفسوق والجدال، وبفعل الخير والتقوى في كل حين، فلماذا خص الله الحاج في هذه الآية بتلك النواهي والأوامر؟
فأجاب الدكتور محمد المختار المهدي: بالنسبة للشق الأول من السؤال:
فشكر الله لهذا السائل اللبق، وإني أعود اليه بسؤال أرجو أن يتأمل في إجابته ثم ينزلها عن ما نحن فيه الآن، نعلم أن يوم الجمعة إجازة أسبوعية، فإذا قيل عنه يوم الإجازة انصرف الذهن مباشرة إلى أنه يوم الجمعة، وإذا قيل إننا في يوم الجمعة انصرف الذهن إلى أنه راحة، فلو قال لك أحد: إن هذا هو يوم الجمعة وهو يوم الإجازة، ألا ترى في ذلك ثرثرة وإطنابًا لا داعى له من حيث إنه من المعلوم لدى الجميع أن يوم الجمعة راحة؟!
إذا فهمنا هذا وفهمنا أن القران الكريم قد بلغ الذروة في البلاغة، فهل تنتظر منه أن يفصل لك أشهر الحج فيقول لك: إنها شهر شوال وذو القعدة وذو الحجة، مع ما توافر لهذه المعلومة من أسباب الذيوع والرسوخ في دنيا الواقع من أيام إبراهيم وإسماعيل، وما تعارف عليه المجتمع العربي على مدار الحقب والقرون؟! وهل إذا فعل ذلك يكون بليغاً - مع أن البلاغة الايجاز -؟ فحين يدعى جاهل بأن أشهر الحج غير محددة في القران الكريم وحين يقترح تفريق الأشهر من أجل تفادي الزحام، نقول له تعلّم اولاً لغة الفصحاء وطبائع المخاطبين تجد كلمة (معلومات) تصفح كل دعيّ جهول.
أما عن الشق الثاني:
فإن الله عز وجل جعل للأمة في عبادتها تربية وتدريبًا على الفضائل والأخلاق الكريمة، وتخير لهذا التدريب أوقاتًا تكون فيه الروح صافية مستعدة للتغيير إلى الأفضل، ففي أشهر الحج، ومع الإحرام، ومع رجاء العبد أن يقبل الله منه حجّه، يكون التدريب الأمثل على تعبيد النفس للالتزام بالأوامر واجتناب النواهي.. فمن أحرم وفرض على نفسه القيام بتلك الفريضة، فليتجرد من الشهوات، وليبدأ بمنع نفسه مما أحله الله له منها، وهو الرفث إلى النساء، فمنذ الإحرام بالحج يمتنع منه ليلاً ونهارًا، وإذا امتنع عن الحلال إرضاء لله، كان اقتناعه عن الحرام وهو الفسوق والمراء والمشاحنات أطوع وأقرب، ثم يأمره الله بمزيد من فعل الخير في هذه المواسم التي يضاعف الله فيها الأجر، فكلما جعل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، جعل الخير مضاعفًا في هذه المواسم.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك