08-27-2015, 03:15 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 358,535
|
|
تكذيب د. عبد العزيز الحربي لقصة مشهورة عن الإمام ابن حزم ... واعتراضي عليه
تكذيب د. عبد العزيز الحربي لقصة مشهورة عن الإمام ابن حزم ... واعتراضي عليه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد، قال د. عبد العزيز الحربي حفظه الله في كتابه ((خاطرات)) : من حِكَم الشعر ما جاء على لسان الشاعر حين قال:
وما آفةُ الأخبار إلّا رواتها
والرواة؛ منهم الصادقون، ومنهم دون ذلك، فمَن تبيَّن ولم يعجل فقد تَحَرَّى رشداً .. ودونكم مسائل أربعاً نُسِبَت إلى الإمام ابن حزم الظاهري، وهو منها براء، يردّدها بعض الخاصة ومَن دونهم من أهل العلم:
وإحدى المسائل: القول بأنه لم يطلب العلم إلّا بعد السادسة والعشرين من عمره، في قصّةٍ يُذْكَر فيها أنّه دخل المسجد فجلس، فأُمِرَ بالصلاة ركعتين .. إلخ. وهي قصة مشهورة يحكيها مَن يحكيها للحثِّ على طلب العلم، وأنّه لا بداية له. وبأدنى تأمُّلٍ وبحثٍ يدرك الطالب أنها مُنتَحَلَة، ليس لها خطام ولا زمام، ومَن قرأ سيرة هذا الإمام عرف أنّه نشأ في بيت علمٍ وعمل، وأنّه حفظ القرآن وعُلِّم مقدمات الشريعة والعربية في سن مبكرة، وأنه طلب الحديث والفقهَ وهو دون البلوغ، وأنّ من أشياخه في ذلك مَن مات وابنُ حزم لم يتجاوز السادسة عشر، ومِـمّن سمعته يحكيها الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله عام 1407 هـ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في محاضرة ألقاها علينا يوم ذاك. اهـ.
قال أبو معاوية البيروتي: لا بد من بيان مصدر وإسناد هذه القصة، فقد نقلها ياقوت ( ت 626 هـ ) في ترجمته لابن حزم في ((إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب))، قال: قرأت بخطّ أبي بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز بن بجكم – قلت: وهو التركي المحدّث الثقة ( ت 513 هـ ) – قال: قال لي الوزير أبو محمد ابن العربي – وهو والد القاضي ابن العربي المالكي، مات سنة 493 هـ، ووصفه الذهبي بأنه كان من كبار أصحاب ابن حزم - أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أنّ سبب تعلّمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والحفل فيه، فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه - يعني الذي رباه – بإشارة - أنْ قُمْ فصَلِّ تحية المسجد فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذه السنّ ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟! وكان قد بلغ حينئذ ستة وعشرين عاماً ... اهـ.
ونقل ياقوت نصوصاً أخرى عن ابن طرخان، منها نصٌّ سابقٌ لقصتنا يتعلَّق بها، قال ابن طرخان: وقال لي أبو محمد ابن العربي: إن أبا محمد ابن حزم ولد بقرطبة، وجده سعيد ولد بأونبه ثم انتقل إلى قرطبة وولي فيها الوزارة ( ابنه أحمد ) ثم ابنه علي الإمام، وأقام في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستًّا وعشرين سنة وقال: إنني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات. اهـ.
فالقصة صحيحة، رواتها ثقات، ويؤيّدها الفقرة الأخرى، وأوردها العلّامة الذهبي في عددٍ من كتبه غير معترضٍ عليها، فلا أوافق الشيخ الحربي حفظه الله في قوله ((أنها مُنتَحَلَة، ليس لها خطام ولا زمام))، بل القصة صحيحة، لكن يمكن للشيخ عبد العزيز أن يقول: لعلّ أحد رواتها وهم في سن الإمام ابن حزم، فبدلاً من أن يقول في القصة ((وكان قد بلغ حينئذ ستة عشر عاماً)) وهم وقال: ((ستة وعشرين عاماً))، ويؤيّد قول الحربي ما قاله الحميدي – تلميذ ابن حزم - عنه: ((أول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجَسور قبل الأربع مئة))، أي كان سماعه قبل بلوغه السادسة عشر من العمر.
وختاماً، ليس معيباً في حق الإمام ابن حزم إنْ كان بلغ السادسة والعشرين من العمر وكانت بضاعته قليلة في الفقه، فقد استلم الوزارة عند بلوغه وفيها أشغال كثيرة وملهاة عن طلب العلم، ونقل ياقوت في ((إرشاد الأريب)) أن ابن حزم اعتذر لأبي الوليد الباجي بعد مناظرته له قائلاً: وتعذرني أيضاً، فإنَّ أكثر مطالعتي كانت على منائر الذهب والفضة. وفسّرها ياقوت أنّ ابن حزم أراد أن الغنى أمنع لطلب العلم من الفقر.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
* كناشة البيروتي ( المجموعة الثالثة )
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|