|
08-27-2015, 03:15 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 94)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 93)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=355456
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ
فِيهَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فُتُوحَاتٍ عَظِيمَةً فِي دَوْلَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , عَلَى يَدَيْ أَوْلَادِهِ وَأَقْرِبَائِهِ وَأُمَرَائِهِ , حَتَّى عَادَ الْجِهَادُ شَبِيهًا بِأَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
ففِيهَا غَزَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ أَرْضَ الرُّومِ , فَقِيلَ : إِنَّهُ فَتَحَ أَنْطَالِيَا .
وَغَزَا أَخُوهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَلَغَ غَزَالَةَ
وَبَلَغَ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيُّ أَرْضَ بُرْجِ الْحَمَامِ
وَبَلَغَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ أَرْضَ سُورِيَّةَ .
وَفِيهَا افْتَتَحَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنْدَرَةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ .
وَفِيهَا افْتَتَحَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ أَرْضَ الْهِنْدِ , وَغَنِمَ أَمْوَالًا لَا تُعَدُّ وَلَا تُوصَفُ
وَقَدْ وَرَدَ فِي غَزْوِ الْهِنْدِ حَدِيثٌ :
الجامع الصحيح للسنن والمسانيد , (2/ 490)
(س) , عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " عِصَابَتَانِ (1) مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا (2) اللهُ مِنْ النَّارِ , عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ , وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام " (3)
__________
(1) أي: جماعتان.
(2) أي: نجَّاهُمَا وحَفِظَهُمَا.
(3) (س) 3175 , (حم) 22449 , انظر الصَّحِيحَة: 1934
وَفِيهَا غَزَا قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ الشَّاشَ , وَفَرْغَانَةَ , حَتَّى بَلَغَ خُجَنْدَةَ , وَكَاشَانَ , مَدِينَتَيْ فَرْغَانَةَ , وَذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصُّغْدِ , وَفَتْحِ سَمَرْقَنْدَ , ثُمَّ خَاضَ تِلْكَ الْبِلَادَ يَفْتَحُ فِيهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَى كَابُلَ , فَحَاصَرَهَا وَافْتَتَحَهَا
وَقَدْ لَقِيَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي جُمُوعٍ هَائِلَةٍ مِنَ التُّرْكِ
فَقَاتَلَهُمْ قُتَيْبَةُ عِنْدَ خُجَنْدَةَ مِرَارًا , كُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ الظَّفَرُ لَهُ .
وَفِيهَا كَانَتِ الرَّجْفَةُ بِالشَّامِ ( زلزال ) .
وَاسْتَقْضَى الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الشَّامِ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ .
وَحَجَّ بِالنَّاسِ أَخُوهُ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ .
وَكَانَ عَلَى نِيَابَةِ مَكَّةَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ
وَعَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانُ بْنُ حَيَّانَ ,
وَعَلَى الْمَشْرِقِ بِكَمَالِهِ الْحَجَّاجُ ,
وَعَلَى خُرَاسَانَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ ,
وَعَلَى الْكُوفَةِ مِنْ جِهَةِ الْحَجَّاجِ زِيَادُ بْنُ جَرِيرٍ ,
وَعَلَى قَضَائِهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى ,
وَعَلَى إِمْرَةِ الْبَصْرَةِ مِنْ جِهَةِ الْحَجَّاجِ الْجَرَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ ,
وَعَلَى قَضَائِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ .
ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : كَانَ يُقَالُ لِهَذِهِ السَّنَةِ : سَنَةُ الْفُقَهَاءِ , لِأَنَّهُ مَاتَ فِيهَا عَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ
مَاتَ فِي أَوَّلِهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ
ثُمَّ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
ثُمَّ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ
وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ .
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَسَدِيُّ الْوَالِبِيُّ , مَوْلَاهُمْ , أَبُو مُحَمَّدٍ , الْكُوفِيُّ الْمَكِّيُّ
مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ
كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فِي التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَأَنْوَاعِ الْعُلُومِ , وَكَثْرَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ , رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَدْ رَأَى خَلْقًا مِنَ الصَّحَابَةِ , وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ , وَعَنْهُ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِينَ
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ أَتَاهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَسْأَلُونَهُ : أَلَيْسَ فِيكُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ؟
وَروى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَقَدْ مَاتَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى عِلْمِهِ .
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ قَدْ جَعَلَهُ عَلَى نَفَقَاتِ الْجُنْدِ حِينَ بَعَثَهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ إِلَى قِتَالِ رُتْبِيلَ
فَلَمَّا خَلَعَهُ ابْنُ الْأَشْعَثِ , خَلَعَهُ مَعَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
فَلَمَّا ظَفِرَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الْأَشْعَثِ وَأَصْحَابِهِ , هَرَبَ سَعِيدٌ إِلَى أَصْبَهَانَ , ثُمَّ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلَى مَكَّةَ مَرَّتَيْنِ , مَرَّةً لِلْعُمْرَةِ ، وَمَرَّةً لِلْحَجِّ , وَرُبَّمَا دَخَلَ الْكُوفَةَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَحَدَّثَ بِهَا .
وَكَانَ بِخُرَاسَانَ يَتَحَزَّنُ ( يتأسف ) لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ هُنَاكَ , وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ مِمَّا يُهِمُّنِي مَا عِنْدِي مِنَ الْعِلْمِ , وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوهُ .
فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى نَائِبِه على خراسان أَنْ يَبْعَثَهُ إِلَيْهِ
فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ سَعِيدٌ هَرَبَ مِنْهَا , ثُمَّ كَانَ يَعْتَمِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيَحُجُّ , ثُمَّ إِنَّهُ لَجَأَ إِلَى مَكَّةَ , وَاسْتَمَرَّ فِي هَذَا الْحَالِ مُخْتَفِيًا مِنَ الْحَجَّاجِ قَرِيبًا مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً , إِلَى أَنْ وَلِيَ مكة خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ
وَتَوَلَّى عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانُ بْنُ حَيَّانَ بَدَلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , فَجَعَلَ يَبْعَثُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْأَشْعَثِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الْحَجَّاجِ فِي الْقُيُودِ
فَتَعَلَّمَ مِنْهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ , فَعَيَّنَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ مَكَّةَ : سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ , وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ , وَمُجَاهِدَ بْنَ جَبْرٍ , وَعَمْرَو بْنَ دِينَارٍ , وَطَلْقَ بْنَ حَبِيبٍ .
فَأَشَارَ مَنْ أَشَارَ عَلَى سَعِيدٍ بِالْهَرَبِ مِنْهَا
فَقَالَ سَعِيدٌ : وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ , مِمَّ أَفِرُّ ؟ , وَلَا مَفَرَّ مِنْ قَدَرِهِ ؟
ثُمَّ عَفَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ , وَبَعَثَ بِأُولَئِكَ الثَّلَاثَةِ
فَأَمَّا طَلْقٌ ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ
وَأَمَّا مُجَاهِدٌ , فَحُبِسَ حَتَّى مَاتَ الْحَجَّاجُ ( بعد سنتين ) .
وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الْحَجَّاجِ قَالَ لَهُ : يَا سَعِيدُ , أَلَمْ أُشْرِكْكَ فِي أَمَانَتِي ؟ , أَلَمْ أَسْتَعْمِلْكَ ؟ , أَلَمْ أَفْعَلْ ؟ , أَلَمْ أَفْعَلْ ؟
كُلُّ ذَلِكَ وسعيد يَقُولُ : نَعَمْ .
حَتَّى ظَنَّ مَنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَيُخْلِي سَبِيلَهُ
حَتَّى قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ خَرَجْتَ عَلَيَّ وَخَلَعْتَ بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عبدِ الملك ؟
فَقَالَ سَعِيدٌ : إِنَّ ابْنَ الْأَشْعَثِ أَخَذَ مِنِّي الْبَيْعَةَ عَلَى ذَلِكَ , وَعَزَمَ عَلَيَّ .
فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَجَّاجُ غَضَبًا شَدِيدًا , وَانْتَفَخَ حَتَّى سَقَطَ أَحَدُ طَرَفَيْ رِدَائِهِ عَنْ مَنْكِبِهِ , وَقَالَ لَهُ : وَيْحَكَ , أَلَمْ أَقْدَمْ مَكَّةَ , فَقَتَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَخَذْتُ بَيْعَةَ أَهْلِهَا , وَأَخَذْتُ بَيْعَتَكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ ؟
قَالَ : بَلَى .
قَالَ : ثُمَّ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَالِيًا عَلَى الْعِرَاقِ , فَجَدَّدْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَيْعَةَ , فَأَخَذْتُ بَيْعَتَكَ لَهُ ثَانِيَةً ؟
قَالَ : بَلَى .
قَالَ : فَتَنْكُثُ بَيْعَتَيْنِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , وَتَفِي بِوَاحِدَةٍ لِلْحَائِكِ ابْنِ الْحَائِكِ ؟ , يَا حَرَسِيُّ , اضْرِبْ عُنُقَهُ .
قَالَ : فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ , فَنَدَرَ رَأْسُهُ ( سقط ) .
وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ غَرِيبَةٌ فِي صِفَةِ مَقْتَلِهِ , أَكْثَرُهَا لَا يَصِحُّ , وَقَدْ عُوقِبَ الْحَجَّاجُ بَعْدَهُ , وَعُوجِلَ بِالْعُقُوبَةِ , فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا ثُمَّ أَخَذَهُ اللَّهُ أَخَذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ , كَمَا سَنَذْكُرُ وَفَاتَهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ
فَقِيلَ : إِنَّهُ مَكَثَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا . وَقِيلَ : أَرْبَعِينَ يَوْمًا . وَقِيلَ : سِتَّةَ أَشْهُرٍ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ , قِيلَ : سَبْعًا وَخَمْسِينَ .
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنُ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ الْمَخْزُومِيُّ
سَيِّدُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ
وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا - وَقِيلَ : بَقِيَتَا - مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .
وَقَوْلُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعَشَرَةَ . وَهْمٌ مِنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَكِنْ أَرْسَلَ عَنْهُمْ كَمَا أَرْسَلَ كَثِيرًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَوَى عَنْ عُمَرَ كَثِيرًا ,
فَقِيلَ : سَمِعَ مِنْهُ . وَقِيلَ : لَمْ يَسْمَعْ .
وَروى عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَكَانَ زَوْجَ ابْنَتِهِ , وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِهِ , وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَحَدَّثَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ , وَخَلْقٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ ررر : كَانَ سَعِيدٌ أَحَدَ الْمُفْتِينَ .
قَالَ مَالِكٌ : وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُرْسِلُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَضَايَا عُمَرَ وَأَحْكَامِهِ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : إِرْسَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : هِيَ صِحَاحٌ . قَالَ : وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ . وَإِذَا قَالَ سَعِيدٌ : مَضَتِ السُّنَّةُ . فَحَسْبُكَ بِهِ , وَهُوَ عِنْدِي أَجْلُّ التَّابِعِينَ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : جَالَسْتُهُ سَبْعَ حِجَجٍ , وَأَنَا لَا أَظُنُّ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمًا غَيْرَهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ : طُفْتُ الْأَرْضَ كُلَّهَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ , فَمَا لَقِيتُ أَعْلَمَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : سُئِلَ الزُّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ : مَنْ أَفْقَهُ مَنْ لَقِيتُمَا ؟ , قَالَا : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ .
وَقَالَ قَتَادَةُ : مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْهُ .
وَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ : كَانَ سَعِيدُ رَجُلًا صَالِحًا فَقِيهًا , كَانَ لَا يَأْخُذُ الْعَطَاءَ , وَكَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ , أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ , وَكَانَ يَتَّجِرُ فِي الزَّيْتِ , وَكَانَ أَعْوَرَ .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ : مَدَّنِيٌّ ثِقَةٌ إِمَامٌ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : لَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَنْبَلُ مِنْهُ , وَهُوَ أَثْبَتُهُمْ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ .
طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ الْعَنَزِيُّ
تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ
رَوَى عَنْ أَنَسٍ , وَجَابِرٍ , وَابْنِ الزُّبَيْرِ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ , وَالْأَعْمَشُ وَطَاوُسٌ , وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي قِرَاءَتِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ , وَلَكِنْ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ .
وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ
وَكَانَ يَقُولُ : اتَّقُوهَا بِالتَّقْوَى .
فَقِيلَ لَهُ : صِفْ لَنَا التَّقْوَى .
فَقَالَ : التَّقْوَى : الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ , رَجَاءَ رَحْمَةِ اللَّهِ , وَالتَّقْوَى : تَرْكُ مَعَاصِي اللَّهِ , عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ , مَخَافَةَ عَذَابِ اللَّهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : إِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهَا الْعِبَادُ , وَإِنَّ نِعَمَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَلَكِنْ أَصْبِحُوا تَائِبِينَ , وَأَمْسُوا تَائِبِينَ .
وَقَدْ ذَكَرْنا فيما سَبَقَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ بَعَثَ مِنْ مَكَّةَ ثَلَاثَةً إِلَى الْحَجَّاجِ , وَهُمْ مُجَاهِدٌ , وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَطَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ , فَمَاتَ طَلْقٌ فِي الطَّرِيقِ , وَحُبِسَ مُجَاهِدٌ , وَكَانَ مِنْ أَمْرِ سَعِيدٍ مَا كَانَ .
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ , الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ , أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ
تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ
رَوَى عَنْ أَبِيهِ , وَعَنِ الْعَبَادِلَةِ , وَمُعَاوِيَةَ , وَالْمُغِيرَةِ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ , وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ , وَأُمِّ سَلَمَةَ
وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ , وَخَلْقٌ مِمَّنْ سِوَاهُمْ .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ : كَانَ عُرْوَةُ ثِقَةً , كَثِيرَ الْحَدِيثِ , عَالِمًا مَأْمُونًا ثَبَتًا .
وَقَالَ الْعِجْلِيُّ : مَدَّنِيٌّ , تَابِعِيٌّ , رَجُلٌ صَالِحٌ , لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفِتَنِ .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ : كَانَ فَقِيهًا , عَالِمًا , حَافِظًا , ثَبَتًا , حُجَّةً , عَالِمًا بِالسِّيَرِ , وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الْمَغَازِيَ
وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْمَعْدُودِينَ , وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ , وَكَانَ أَرْوَى النَّاسِ لِلشِّعْرِ .
وَكَانَ عُرْوَةُ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعَ الْقُرْآنِ , وَيَقُومُ بِهِ فِي اللَّيْلِ .
وَكَانَ أَيَّامَ الرُّطَبِ يَثْلِمُ حَائِطَهُ ( يهدم جزءا من سور بستانه ) ثُمَّ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ , فَيَدْخُلُونَ فَيَأْكُلُونَ وَيَحْمِلُونَ , فَإِذَا ذَهَبَ الرُّطَبُ أَعَادَهُ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : كَانَ عُرْوَةُ بَحْرًا لَا يُنْزَفُ
وَقَالَ مَرَّةً : كَانَ بَحْرًا لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ .
وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى قَوْلِهِمْ .
وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْفُقَهَاءِ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِمْ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْ عُرْوَةَ , وَمَا أَعْلَمُهُ يَعْلَمُ شَيْئًا أَجْهَلُهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى الْوَلِيدِ بِدِمَشْقَ , فَلَمَّا رَجَعَ أَصَابَتْهُ فِي رِجْلِهِ الْأَكِلَةُ ( الغرغرينا ) فَأَرَادُوا قَطْعَهَا , فَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَ شَيْئًا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَا يَحِسَّ بِالْأَلَمِ , وَيَتَمَكَّنُوا مِنْ قَطْعِهَا
فَقَالَ : مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ يَشْرَبُ شَيْئًا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَا يَعْرِفَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَلَكِنْ هَلُمُّوا فَاقْطَعُوهَا .
فَقَطَعُوهَا مِنْ رُكْبَتِهِ وَهُوَ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ , وَلَا يُسْمَعُ لَهُ حِسٌّ .
وَرُوِيَ أَنَّهُمْ قَطَعُوهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَشْعُرْ لِشُغْلِهِ بِالصَّلَاةِ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَوَقَعَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِي قُطِعَتْ فِيهَا رِجْلُهُ مِنْ سَطْحٍ بيتٍ وَلَدٌ لَهُ يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَمَاتَ , وكَانَ أَحَبَّ أَوْلَادِهِ
فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَزَّوْهُ فِيهِ
فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ , كَانُوا سَبْعَةً فَأَخَذْتَ وَاحِدًا , وَأَبْقَيْتَ سِتَّةً , وَكُنَّ أَطْرَافًا أَرْبَعًا , فَأَخَذْتَ وَاحِدَةً , وَأَبْقَيْتَ ثَلَاثًا , فَلَئِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ فَلَقَدْ أَعْطَيْتَ , وَلَئِنْ كُنْتَ قَدِ ابْتَلَيْتَ فَلَقَدْ عَافَيْتَ .
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ
أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ
قِيلَ : اسْمُهُ مُحَمَّدٌ . وَقِيلَ : اسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ , وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَهُ وَكُنْيَتَهُ وَاحِدٌ
وَلَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ كَثِيرٌ , وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ
وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ
وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : رَاهِبُ قُرَيْشٍ . لِكَثْرَةِ صَلَاتِهِ
وَكَانَ مَكْفُوفًا , وَكَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ
وَكَانَ مِنَ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالْفِقْهِ وَصِحَّةِ الرِّوَايَةِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ .
وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يُكْرِمُهُ وَيَعْرِفُ فَضْلَهُ , وَيَقُولُ : إِنِّي أَهُمُّ بِالشَّيْءِ أَفْعَلُهُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ لِسُوءِ أَثَرِهِمْ عِنْدَنَا , فَأَذْكُرُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَسْتَحِي مِنْهُ , وَأَتْرُكُ ذَلِكَ الْأَمْرَ مِنْ أَجْلِهِ .
وَلَهُ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ .
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ , الْمَشْهُورُ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ
وَأُمُّهُ أَمُّ وَلَدٍ , اسْمُهَا سَلَّامَةُ
وَهُوَ عَلِيٌّ الْأَصْغَرُ , فَأَمَّا عَلِيٌّ الْأَكْبَرُ , فَقُتِلَ مَعَ أَبِيهِ الحسين بكربلاء
وَكَانَ عَلِيٌّ الْأَصْغَرُ مَعَ أَبِيهِ بِكَرْبَلَاءَ أيضا , فَاسْتُبْقِيَ لِصِغَرِهِ , فَإِنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً . ( أظنه ثلاث عشرة سنة )
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ : كَانَتْ أُمُّهُ سَلَّامَةَ بِنْتَ يَزْدَجِرْدَ آخِرِ مُلُوكِ الْفُرْسِ .
وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي " رَبِيعِ الْأَبْرَارِ " : أَنَّ يَزْدَجِرْدَ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ سُبِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَحَصَلَتْ وَاحِدَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَأَوْلَدَهَا سَالِمًا , وَالْأُخْرَى لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، فَأَوْلَدَهَا الْقَاسِمَ , وَالْأُخْرَى لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَأَوْلَدَهَا عَلِيًّا زَيْنَ الْعَابِدِينَ هَذَا , فَكُلُّهُمْ بَنُو خَالَةٍ .
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ : وَلَمَّا قَتَلَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ فَيْرُوزَ بْنَ يَزْدَجِرْدَ ، بَعَثَ بِابْنَتَيْهِ إِلَى الْحَجَّاجِ
فَأَخَذَ إِحْدَاهُمَا , وَبَعَثَ بِالْأُخْرَى إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَأَوْلَدَهَا الْوَلِيدُ يَزِيدَ النَّاقِصَ ( كان من صلحاء بني أمية ، ولُقِّب بالناقص ، لأنه خَفَّض رواتب الجُنود لما تولى الخلافة ) .
وَكَانَ عَلِيٌّ بِالْمَدِينَةِ مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا .
قَالَ الزُّهْرِيُّ : مَا رَأَيْتُ قُرَشِيًّا أَفْضَلَ مِنْهُ .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ : كَانَ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ , وَأَعْبَدِهِمْ , وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَكَانَ إِذَا مَشَى لَا يَخْطُرُ بِيَدِهِ , وَكَانَ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ يُرْخِيهَا مِنْ وَرَائِهِ , وَكَانَت كُنْيَتَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ : كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا , كَثِيرَ الْحَدِيثِ , عَالِيًا , رَفِيعًا وَرِعًا .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ , وَمَالِكٌ , وَأَبُو حَازِمٍ : لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ مِثْلُهُ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَهُوَ أَفْضَلُ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ , فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُمْ حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَارًا . وَفِي رِوَايَةٍ : حَتَّى بَغَّضْتُمُونَا إِلَى النَّاسِ .
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : لَمْ يَكُنْ لِلْحُسَيْنِ عَقِبٌ إِلَّا مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ نَسْلٌ إِلَّا مِنَ ابْنَةِ عَمِّهِ الْحَسَنِ
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ : لَوِ اتَّخَذْتَ السِّرَارِيَّ ( الجواري ) حَتَّى يَكْثُرَ أَوْلَادُكُ . ( وإنما أشار عليه بالتسري لأنه لا يجرؤ أحد أن يزوجه ابنته لتكون ضرة بنت الحسن ررر , فكان الناس احتراما لها ولأبيها لا يعطون علي بن الحسين )
الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (16/ 18)
(حم) , وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ يَخْطُبُ ابْنَتِي، فَقُلْتُ لِلرَّسُولِ: قُلْ لَهُ: فَلْيَلْقَنِي فِي الْعَتَمَةِ، قَالَ: فَلَقِيَنِي، فَحَمِدْتُ اللهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ , وَقُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ، وَاللهِ مَا مِنْ نَسَبٍ وَلَا سَبَبٍ , وَلَا صِهْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَبَبِكُمْ وَصِهْرِكُمْ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي, يَقْبِضُنِي مَا قَبَضَهَا، وَيَبْسُطُنِي مَا بَسَطَهَا، وَإِنَّ الْأَنْسَابَ تَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ نَسَبِي وَسَبَبِي وَصِهْرِي " وَعِنْدَكَ ابْنَتُهَا , وَلَوْ زَوَّجْتُكَ لَقَبَضَهَا ذَلِكَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ عَاذِرًا لِي. (1)
__________
(1) (حم) 18927، (ك) 4747، صَحِيح الْجَامِع: 4189 , الصَّحِيحَة: 1995
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ : لَوِ اتَّخَذْتَ السِّرَارِيَّ ( الجواري ) حَتَّى يَكْثُرَ أَوْلَادُكُ .
فَقَالَ عَلِيُّ بْن الْحُسَيْنِ : لَيْسَ لِي مَا أَتَسَرَّى بِهِ .
فَأَقْرَضَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مِائَةَ أَلْفٍ , فَاشْتَرَى لَهُ السِّرَارِيَّ , فَوَلَدْنَ لَهُ , وَكَثُرَ نَسْلُهُ, فَجَمِيعُ الْحُسَيْنِيِّينَ مِنْ نَسْلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
ثُمَّ لَمَّا مَرِضَ مَرْوَانُ أَوْصَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ مَا كَانَ أَقْرَضَهُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا : الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ صصص .
وَكَانَ إِذَا تَوَضَّأَ يَصْفَرُّ لَوْنُهُ , فَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ارْتَعَدَ مِنَ الْفَرَقِ
فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ : أَلَا تَدْرُونَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ أُرِيدُ أَنْ أَقُومَ وَلِمَنْ أُنَاجِي ؟
وَقَالَ طَاوُسٌ : سَمِعْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ عِنْدَ الْحِجْرِ يَقُولُ : عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ , مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ , سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ , فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ .
قَالَ طَاوُسٌ : فَوَاللَّهِ مَا دَعَوْتُ بِهَا فِي كَرْبٍ قَطُّ إِلَّا كُشِفَ عَنِّي
وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ بِاللَّيْلِ , وَكَانَ يَقُولُ : صَدَقَةُ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ .
وَأَنَّهُ قَاسَمَ اللَّهُ تَعَالَى مَالَهُ مَرَّتَيْنِ . ( أنفق نصف ماله مرتين )
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : كَانَ نَاسٌ بِالْمَدِينَةِ يَعِيشُونَ , لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ يَعِيشُونَ وَمَنْ يُعْطِيهِمْ , فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَدُوا ذَلِكَ , فَعَرَفُوا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِمْ فِي اللَّيْلِ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ .
قِيلَ : إِنَّهُ كَانَ يَعُولُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ , وَلَا يَدْرُونَ بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَ .
وَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَعُودُهُ
فَبَكَى ابْنُ أُسَامَةَ
فَقَالَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟
قَالَ : عَلَيَّ دَيْنٌ .
قَالَ : وَكَمْ هُوَ ؟
قَالَ : خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ .
فَقَالَ : هِيَ عَلَيَّ .
وَخَرَجَ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ , فَسَبَّهُ رَجُلٌ
فَابْتَدَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ( يضربونه )
فَقَالَ : دَعُوهُ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا سُتِرَ عَنْكَ مِنْ أَمْرِنَا أَكْثَرُ , أَلَكَ حَاجَةٌ نُعِينُكَ عَلَيْهَا ؟
فَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ , فَأَلْقَى إِلَيْهِ خَمِيصَةً كَانَتْ عَلَيْهِ , وَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ
فَكَانَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَعَنْ مَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؟
فَقُلْتُ : مَا تَصْنَعُ بِهِ ؟
قَالَ : أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ يَنْفَعُنَا اللَّهُ بِهَا , إِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا مَا يَرْمِينَا بِهِ هَؤُلَاءِ , وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْعِرَاقِ ( يقصد أنه ليس عنده علم الغيب ، أو العلم الكامل ، أو العصمة كما تدعي الرافضة ).
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : كَانَ أَكْثَرُ مُجَالَسَتِي مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَمَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ , وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ , وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَحْسَنِهِمْ طَاعَةً , وَأَحَبِّهِمْ إِلَى مَرْوَانَ , وَابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ , وَكَانَ يُسَمِّيهِ : زَيْنَ الْعَابِدِينَ .
وَقَالَ جُوَيْرِيَّةُ بْنُ أَسْمَاءَ : مَا أَكَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْهَمًا قَطُّ , رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ : بَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِمِائَةِ أَلْفٍ
فَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَهَا , وَخَافَ أَنْ يَرُدَّهَا , فَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ , فَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ : إِنَّ الْمُخْتَارَ بَعَثَ إِلَيَّ بِمِائَةِ أَلْفٍ , فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْبَلَهَا , وَكَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّهَا , فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهَا .
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ : يَا ابْنَ عَمٍّ , خُذْهَا , فَقَدْ طَيَّبْتُهَا لَكَ .
فَقَبِلَهَا .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : سَادَةُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الْأَسْخِيَاءُ الْأَتْقِيَاءُ , وَفِي الْآخِرَةِ أَهْلُ الدِّينِ ، وَأَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ , لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ .
وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْبُكَاءِ
فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ : إِنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَكَى حَتَّى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ عَلَى يُوسُفَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَاتَ , وَإِنِّي رَأَيْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُذْبَحُونَ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ , أَفَتَرَوْنَ حُزْنَهُمْ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِي أَبَدًا ؟
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : سَكَبَتْ جَارِيَةٌ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ مَاءً لِيَتَوَضَّأَ , فَسَقَطَ الْإِبْرِيقُ مِنْ يَدِهَا عَلَى وَجْهِهِ فَشَجَّهُ
فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا
فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } آل عمران : 134
فَقَالَ : قَدْ كَظَمْتُ غَيْظِي .
قَالَتْ : { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } آل عمران : 134 .
فَقَالَ : قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْكِ .
فَقَالَتْ : { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (آلِ عِمْرَانَ : 134) .
قَالَ : فَاذْهَبِي , أَنْتِ حُرَّةٌ .
وَروى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ : عَنْ عَلِيٍّ بن الحسين قَالَ : جَلَسَ إِلَيَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَذَكَرُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ , فَنَالُوا مِنْهُمَا , ثُمَّ ابْتَدَءُوا فِي عُثْمَانَ
فَقُلْتُ لَهُمْ : أَخْبِرُونِي , أَنْتُمْ مِنَ { الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ } إِلَى قَوْلِهِ : { أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } الحشر : 8
قَالُوا : لَا , لَسْنَا مِنْهُمْ .
قُلْتُ : فَأَنْتُمْ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } إِلَى قَوْلِهِ : { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الحشر : 9
قَالُوا : لَا , لَسْنَا مِنْهُمْ .
قَالَ : فَقُلْتُ لَهُمْ : أَمَّا أَنْتُمْ فَقَدَ تَبَرَّأْتُمْ وَأَقْرَرْتُمْ وَشَهِدْتُمْ أَنَّكُمْ لَم تَكُونُوا مِنْهُمْ , وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ , الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } الحشر : 10 قُومُوا عَنِّي لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ , وَلَا قَرَّبَ دُورَكُمْ , أَنْتُمْ مُسْتَهْزِئُونَ بِالْإِسْلَامِ , وَلَسْتُمْ مِنْ أَهْلِهِ .
وَجَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ : مَتَى يُبْعَثُ عَلِيٌّ ؟ , فَقَالَ : يُبْعَثُ وَاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَهُمُّهُ نَفْسُهُ .
وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ : عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَعْظَمُ النَّاسِ عَلَيَّ مِنَّةً .
وَذَكَرُوا أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَةً مِنْ مَوْلًى لَهُ , وَأَعْتَقَ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَلُومُهُ فِي ذَلِكَ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ } الأحزاب : 21 وَقَدْ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ فَتَزَوَّجَهَا , وَزَوَّجَ مَوْلَاهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مِنِ ابْنَةِ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ .
ومن مأثور قوله رحمه الله : فَقْدُ الْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ .
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَقُولُ : لَا يَقُولُ رَجُلٌ فِي رَجُلٍ مِنَ الْخَيْرِ مَا لَا يَعْلَمُ , إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَقُولَ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ مَا لَا يَعْلَمُ , وَمَا اصْطَحَبَ اثْنَانِ عَلَى مَعْصِيَةٍ , إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَفْتَرِقَا عَلَى غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ .
وَقَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ , لَا تَصْحَبْ فَاسِقًا , فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِأَكْلَةٍ وَأَقَلِّ مِنْهَا , يَطْمَعُ فِيهَا ثُمَّ لَا يَنَالُهَا , وَلَا بَخِيلًا , فَإِنَّهُ يَخْذُلُكَ فِي مَالِهِ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ , وَلَا كَذَّابًا , فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ , يُقَرِّبُ مِنْكَ الْبَعِيدَ , وَيُبَاعِدُ عَنْكَ الْقَرِيبَ , وَلَا أَحْمَقَ , فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ , وَلَا قَاطِعَ رَحِمٍ , فَإِنَّهُ مَلْعُونٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } محمد : 22 .
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ تَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى يَجْلِسَ فِي حَلْقَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
فَقَالَ لَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ , أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ , تَأْتِي تَخَطَّى حَتَّى تَجْلِسَ مَعَ هَذَا الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ حَيْثُ يَنْتَفِعُ , وَإِنَّ الْعِلْمَ يُبْتَغَى وَيُؤْتَى , وَيُطْلَبُ مِنْ حَيْثُ كَانَ .
وروى الزهري عن زين العابدين هذه الموعظة :
وَفِي ذِكْرِ هَوْلِ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ وَالْبِلَى . . . عَنِ اللَّهْوِ وَاللَّذَّاتِ لِلْمَرْءِ زَاجِرُ
كَمْ مِنْ ذِي مَنَعَةٍ وَسُلْطَانٍ , وَجُنُودٍ وَأَعْوَانٍ , تَمَكَّنَ مِنْ دُنْيَاهُ , وَنَالَ فِيهَا مَا تَمَنَّاهُ , وَبَنَى فِيهَا الْقُصُورَ وَالدَّسَاكِرَ , وَجَمَعَ الْأَعْلَاقَ , وَالذَّخَائِرَ , أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يُرَدُّ , وَنَزَلَ بِهِ مِنْ قَضَائِهِ مَا لَا يُصَدُّ , فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْجَبَّارُ , الْمُتَكَبِّرُ , الْقَهَّارُ قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ , وَمُبِيدُ الْمُتَكَبِّرِينَ .
فَهَلْ يَحْرِصُ عَلَيْهَا لَبِيبٌ , أَوْ يُسَرُّ بِهَا أَرِيبٌ ؟ , وَهُوَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَنَائِهَا , وَغَيْرُ طَامِعٍ فِي بَقَائِهَا , أَمْ كَيْفَ تَنَامُ عَيْنَا مَنْ يَخْشَى الْبَيَاتَ , وَتَسْكُنُ نَفْسُ مَنْ يَتَوَقَّعُ الْمَمَاتَ .
أَلَا لَا , وَلَكِنَّا نَغُرُّ نُفُوسَنَا . . . وَتَشْغَلُنَا اللَّذَّاتُ عَمَّا نُحَاذِرُ
وَكَيْفَ يَلَذُّ الْعَيْشَ مَنْ هُوَ مُوقِنٌ . . . بِمَوْقِفِ عَدْلٍ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
كَأَنَّا نَرَى أَنْ لَا نُشُورَ وَأَنَّنَا . . . سُدًى مَا لَنَا بَعْدَ الْمَمَاتِ مَصَائِرُ
وَمَا عَسَى أَنْ يَنَالَ صَاحِبُ الدُّنْيَا مِنْ لَذَّتِهَا , وَيَتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ بَهْجَتِهَا , مَعَ صُنُوفِ عَجَائِبِهَا وَكَثْرَةِ تَعَبِهِ فِي طَلَبِهَا , وَمَا يُكَابِدُ مِنْ أَسْقَامِهَا وَأَوْصَابِهَا وَآلَامِهَا ؟ ,
أَمَا قَدْ تَرَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . . . يَرُوحُ عَلَيْنَا صَرْفُهَا وَيُبَاكِرُ ؟ ,
تُعَاوِرُنَا آفَاتُهَا وَهُمُومُهَا . . . وَكَمْ قَدْ تُرَى يَبْقَى لَهَا الْمُتَعَاوِرُ
فَلَا هُوَ مَغْبُوطٌ بِدُنْيَاهُ آمِنٌ . . . وَلَا هُوَ عَنْ تَطْلَابِهَا النَّفْسَ قَاصِرُ
كَمْ قَدْ غَرَّتِ الدُّنْيَا مِنْ مُخْلِدٍ إِلَيْهَا , وَصَرَعَتْ مِنْ مُكِبٍّ عَلَيْهَا , فَلَمْ تُنْعِشْهُ مِنْ عَثْرَتِهِ , وَلَمْ تُقِمْهُ مِنْ صَرْعَتِهِ , وَلَمْ تَشْفِهِ مِنْ أَلَمِهِ , وَلَمْ تُبْرِهِ مِنْ سَقَمِهِ .
بَلَى أَوْرَدَتْهُ بَعْدَ عِزٍّ وَمَنْعَةٍ . . . مَوَارِدَ سُوءٍ مَا لَهُنَّ مَصَادِرُ
فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَا نَجَاةَ وَأَنَّهُ . . . هُوَ الْمَوْتُ لَا يُنْجِيهِ مِنْهُ التَّحَاذُرُ
تَنَدَّمَ إِذْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ نَدَامَةٌ . . . عَلَيْهِ وَأَبْكَتْهُ الذُّنُوبُ الْكَبَائِرُ
بَكَى عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَطَايَاهُ , وَتَحَسَّرَ عَلَى مَا خَلَفَ مِنْ دُنْيَاهُ , حِينَ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِغْفَارُ , وَلَا يُنْجِيهِ الِاعْتِذَارُ , عِنْدَ هَوْلِ الْمَنِيَّةِ وَنُزُولِ الْبَلِيَّةِ .
أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وَهُمُومُهُ . . . وَأَبْلَسَ لَمَّا أَعْجَزَتْهُ الْمَعَاذِرُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كُرْبَةِ الْمَوْتِ فَارِجٌ . . . وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا يُحَاذِرُ نَاصِرُ
وَقَدْ جَشَأَتْ خَوْفَ الْمَنِيَّةِ نَفْسُهُ . . . تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللَّهَا وَالْحَنَاجِرُ
هُنَالِكَ خَفَّ عُوَّادُهُ , وَأَسْلَمَهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ , وَارْتَفَعَتِ الرَّنَّةُ بِالْعَوِيلِ , وَقَدْ أَيِسُوا مِنَ الْعَلِيلِ , فَغَمَّضُوا بِأَيْدِيهِمْ عَيْنَيْهِ , وَمَدَّ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ رِجْلَيْهِ .
فَكَمْ مُوجَعٍ يَبْكِي عَلَيْهِ وَمُفْجَعٍ . . . وَمُسْتَنْجِدٍ صَبْرًا وَمَا هُوَ صَابِرُ
وَمُسْتَرْجِعٍ دَاعٍ لَهُ اللَّهَ مُخْلِصًا . . . يُعَدِّدُ مِنْهُ خَيْرَ مَا هُوَ ذَاكِرُ
وَكَمْ شَامِتٍ مُسْتَبْشِرٍ بِوَفَاتِهِ . . . وَعَمَّا قَلِيلٍ كَالَّذِي صَارَ صَائِرُ
فَشَقَّت جُيُوبَهَا نِسَاؤُهُ , وَلَطَمَت خُدُودَهَا إِمَاؤُهُ , وَأَعْوَلَ لِفَقْدِهِ جِيرَانُهُ , وَتَوَجَّعَ لِرُزْئِهِ إِخْوَانُهُ , ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى جَهَازِهِ , وَشَمَّرُوا لِإِبْرَازِهِ .
وَظَلَّ أَحَبُّ الْقَوْمِ كَانَ لِقُرْبِهِ . . . يَحُثُّ عَلَى تَجْهِيزِهِ وَيُبَادِرُ
وَشَمَّرَ مَنْ قَدْ أَحْضَرُوهُ لِغَسْلِهِ . . . وَوَجَّهَ لَمَّا قَامَ لِلْقَبْرِ حَافِرُ
وَكُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَاجْتَمَعَتْ لَهُ . . . مُشَيِّعَةً إِخْوَانُهُ وَالْعَشَائِرُ
فَلَوْ رَأَيْتَ الْأَصْغَرَ مِنْ أَوْلَادِهِ , وَقَدْ غَلَبَ الْحُزْنُ عَلَى فُؤَادِهِ , وَغُشِيَ مِنَ الْجَزَعِ عَلَيْهِ , وَخَضَّبَتِ الدُّمُوعُ خَدَّيْهِ , وَهُوَ يَنْدُبُ أَبَاهُ وَيَقُولُ : يَا وَيْلَاهُ .
لَعَايَنْتَ مِنْ قُبْحِ الْمَنِيَّةِ مَنْظَرًا . . . يُهَالُ لِمَرْآهُ وَيَرْتَاعُ نَاظِرُ
أَكَابِرُ أَوْلَادٍ يَهِيجُ اكْتِئَابُهُمْ . . . إِذَا مَا تَنَاسَاهُ الْبَنُونَ الْأَصَاغِرُ
وَرَنَّةُ نِسْوَانٍ عَلَيْهِ جَوَازِعٍ . . . مَدَامِعُهُمْ فَوْقَ الْخُدُودِ غَوَازِرُ
ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِهِ إِلَى ضِيقِ قَبْرِهِ , فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي اللَّحْدِ وَهَى عَلَيْهِ اللَّبِنُ , وَحَثَوْا بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْهِ التُّرَابَ , وَأَكْثَرُوا التَّلَدُّدَ عَلَيْهِ وَالِانْتِحَابَ , ثُمَّ وَقَفُوا سَاعَةً عَلَيْهِ , وَأَيِسُوا مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ .
فَوَلَّوْا عَلَيْهِ مُعْوِلِينَ وَكُلُّهُمْ . . . لِمِثْلِ الَّذِي لَاقَى أَخُوهُ مُحَاذِرُ
كَشَاءٍ رِتَاعٍ آمِنِينَ بَدَا لَهَا . . . بِمُدْيَتِهِ بَادِي الذِّرَاعَيْنِ حَاسِرُ
فَرِيعَتْ وَلَمْ تَرْتَعْ قَلِيلًا وَأَجْفَلَتْ . . . فَلَمَّا نَأَى عَنْهَا الَّذِي هُوَ جَازِرُ
عَادَتْ إِلَى مَرْعَاهَا , وَنَسِيَتْ مَا فِي أُخْتِهَا دَهَاهَا , أَفَبِأَفْعَالِ الْبَهَائِمِ اقْتَدَيْنَا ؟ , أَمْ عَلَى عَادَتِهَا جَرَيْنَا ؟ , عُدْ إِلَى ذِكْرِ الْمَنْقُولِ إِلَى دَارِ الْبِلَى وَالثَّرَى , وَاعْتَبِرْ بِمَوْضِعِهِ تَحْتَ الثَّرَى , الْمَدْفُوعِ إِلَى هَوْلِ مَا تَرَى .
ثَوَى مُفْرَدًا فِي لَحْدِهِ وَتَوَزَّعَتْ . . . مَوَارِيثَهُ أَرْحَامُهُ وَالْأَوَاصِرُ
وَأَحْنَوْا عَلَى أَمْوَالِهِ يَقْسِمُونَهَا . . . فَلَا حَامِدٌ مِنْهُمْ عَلَيْهَا وَشَاكِرُ
فَيَا عَامِرَ الدُّنْيَا وَيَا سَاعِيًا لَهَا . . . وَيَا آمِنًا مِنْ أَنْ تَدُورَ الدَّوَائِرُ
كَيْفَ أَمِنْتَ هَذِهِ الْحَالَةَ وَأَنْتَ صَائِرٌ إِلَيْهَا لَا مَحَالَةَ ؟ , ! أَمْ كَيْفَ تَتَهَنَّأُ بِحَيَاتِكَ , وَهِيَ مَطِيَّتُكَ إِلَى مَمَاتِكَ ؟ , ! أَمْ كَيْفَ تَسِيغُ طَعَامَكَ وَأَنْتَ مُنْتَظِرٌ حِمَامَكَ ؟ .
وَلَمْ تَتَزَوَّدْ لِلرَّحِيلِ وَقَدْ دَنَا . . . وَأَنْتَ عَلَى حَالٍ وَشِيكًا مُسَافِرُ
فَيَا لَهْفَ نَفْسِي كَمْ أُسَوِّفُ تَوْبَتِي . . . وَعُمْرِيَ فَانٍ وَالرَّدَى لِي نَاظِرُ
وَكُلُّ الَّذِي أَسْلَفْتُ فِي الصُّحْفِ مُثْبَتٌ . . . يُجَازِي عَلَيْهِ عَادِلُ الْحُكْمِ قَادِرُ
فَكَمْ تُرَقِّعُ بِآخِرَتِكَ دُنْيَاكَ ؟ , وَتَرْكَبُ فِي ذَلِكَ هَوَاكَ ؟ , أَرَاكَ ضَعِيفَ الْيَقِينِ , يَا مُؤْثِرَ الدُّنْيَا عَلَى الدِّينِ , أَبِهَذَا أَمَرَكَ الرَّحْمَنُ ؟ , أَمْ عَلَى هَذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ ؟ ,
تُخَرِّبُ مَا يَبْقَى وَتَعْمُرُ فَانِيًا . . . فَلَا ذَاكَ مَوْفُورٌ وَلَا ذَاكَ عَامِرُ
وَهَلْ لَكَ إِنْ وَافَاكَ حَتْفُكَ بَغْتَةً . . . وَلَمْ تَكْتَسِبْ خَيْرًا لَدَى اللَّهِ عَاذِرُ
أَتَرْضَى بِأَنْ تَفْنَى الْحَيَاةُ وَتَنْقَضِيَ . . . وَدِينُكَ مَنْقُوصٌ وَمَالُكَ وَافِرُ
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|