القاعدة الفقهية:
الضرر يزال[1]
أبو الكلام شفيق القاسمي المظاهري
معنى القاعدة:
الضرر: إلحاق المفسدة بالغير مطلقًا، لا يجوز الإضرار ابتداءً، كما لا يجوز انتهاءً، فيُزالُ الضررُ سواءٌ قبل وقوعه أو بعده.
وقال ابن نجيم: لا يضر الرجل أخاه ابتداءً ولا جزاءً.
وبعض العلماء جعلوا قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار" من القواعد الخمسة الكبرى مكان قاعدة: "الضرر يزال"، ومعنى القاعدتينِ متقارب، وإن كان الثاني حديثًا نبويًّا.
دليلها: من القرآن الكريم:
1 - قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 231].
2 - قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [الطلاق: 6].
3 - قوله تعالى: ﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233].
من الحديث:
4 - عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا ضررَ ولا ضرار، من ضارَّ ضرَّه الله، ومن شاقَّ شق الله عليه))[2].
قال الخشيني: الضرر: الذي لك فيه منفعة، وعلى جارك فيه مضرة، الضرار: الذي ليس لك فيه منفعة، وعلى جارك فيه مضرة، شمول حديث "لا ضرر ولا ضرار" على حُكمين:
الحكم الأول:
أنه لا يجوز الإضرار ابتداءً؛ أي: لا يجوز للإنسان أن يضر شخصًا آخرَ في نفسه وماله ابتداءً؛ لأن الضرر ظلم، والظلم ممنوع في كل دين ومذهب، وجميع الكتب السماوية قد منعت الظلم.
أمثلة الحكم الأول:
1 - لو كان لزيد حق المرور بطريق عمرو، فلا يجوز لعمرو أن يمنع زيدًا عن المرور في تلك الطريق.
2 - كما أنه لا يجوز لشخص أن يبيع مالاً مَعِيبًا لشخص آخر بدون أن يذكر العيب الموجود فيه، وإن إخفاء عيب المبيع عن المشتري إضرارٌ به، وهو حرام وممنوع شرعًا.
3 - كذا لا يجوز لأهل قرية أن يمنعوا شخصًا أن يسكن في قريتهم بداعي أنهم لا يريدون أن يساكنوه؛ لأن عملهم هذا إضرر، والإضرار ممنوعٌ كما قلنا.
4 - إن الصيد مباح، إلا أن كيفية الصيد إذا كانت موجبة لنفور الحيوانات، أو مسببة لخوف واضطراب الأهلين، يمنع الصيادون من الصيد.
5 - يجوز للإنسان أن يفتح الشباك في جدرانه، ولكن لو كشف به نساء الجيران، يمنع عن فتح الشباك.
أمثلة الحكم الثاني: أنه لا تجوز مقابلة الضرر بمثله، وهو الضرار.
1 - كما لو أضر شخص شخصًا في ذاته وماله، لا يجوز للشخص المتضرر أن يقابل ذلك الشخص بضرر، بل يجب عليه أن يراجع الحاكم، ويطلب إزالة ضرره بالصورة المشروعة.
يقول الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو في كتابه: "الوجيز": وعلى هذه القاعدة يبنى كثير من أبواب الفقه؛ كالرد بالعيب إنه ضرر والضرر يزال، وجميع أنواع الخيارات، والحجر بسائر أنواعه، والشفعة؛ لأن الشفيع يتضرر بالآخر، والقِصاص، وإن لم يؤخذ القِصاص يتضرر الأحياء والورثة، والحدود، والكفارة، وضمان المتلفات، ونصب الأئمة، والقضاة، ودفع الصائل، وقتال المشركين؛ لأنهم لو تركوا لكان ضررهم يعود عليهم وعلى الأمة بأجمعها.
5 - عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ((يا عبادي، إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا))[3].
6 - عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ملعونٌ مَن ضارَّ مؤمنًا أو مكَر به))[4].
7 - سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدث عن سمرة بن جندب، أنه كانت له عضد[5] من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله، فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه، فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: ((فهَبْه له ولك كذا وكذا)) أمرًا رغبه فيه فأبى، فقال: ((أنت مضار))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: ((اذهَبْ فاقلَعْ نخله))[6].
8 - عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك: لمَ تمنَعُني، وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلَّم فيه الضحاك عمرَ بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: "لمَ تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافع، تسقي به أولًا وآخرًا، وهو لا يضرك؟ فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمُرَّن به، ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به، ففعل الضحاك"[7]، فدفع عمر رضي الله عنه الضرر عن الضحاك.
القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة:
1 - الضرر يدفع بقدر الإمكان.
2 - الضرر لا يزال بالضرر.
3 - يتحمل الضرر الخاص؛ لأجل دفع ضرر العام.
4 - إذا تعارض مفسدتان، روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما.
وقيل: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
وقيل: يختار أهون الشرين.
5 - درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
الأمثلة:
1- لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع، تبقى الأرض في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد؛ دفعًا لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أوانه.
2- يجوز حبس المشهورين بالدعارة والفساد حتى تظهر توبتهم؛ دفعًا لشرهم، ولو لم يثبت جرمٌ معين بطريق قضائي.
3- ولو باع شيئًا مما يسرع إليه الفساد، كالفواكه، وغاب المشتري قبل دفع الثمن، فيجوز للبائع أن يفسخ البيع، وأن يبيعه من غيره دفعًا للضرر.
[1] شرح مجلة الأحكام: م: 19، الأشباه ابن نحيم: 83.
[2] المستدرك للحاكم: 2/ 57.
[3] مسلم: رقم الحديث: 2677.
[4] الترمذي: 1864.
[5] عضد: نخل يتناول من ثمره باليد.
[6] أبو داود: رقم الحديث: 3152.
[7] الموطأ للإمام مالك: 529.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك