الإصلاح بين الناس
أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
الحمد لله الذي نزَّل الكتاب، وهو يتولى الصالحين، أحمده - سبحانه - أمر بالإصلاح وبشَّر، فقال: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: 170]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم المفسد من المصلح، ولا يصلح عمل المفسدين؛ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المصلحين، وقدوة العاملين المخلصين، صلى الله عليه وعلى آله، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
، وذلك بسوء التصرف والتطاول بالكلام وفاحش القول، بل والاعتداء بالأيدي، وإما أن يقيض الله للسفينة قائدًا محنَّكًا، فيخوض البحر رغم الرياح العاتية، ويصل بها - بإذن الله - إلى شاطئ السلامة بدل أن تلعب بها الرياح يَمْنة ويَسْره، فيحدث الضرر العاجل، ومن ثَمَّ العقاب يوم اللقاء بالحكم العدل.
معشر المسلمين، إذا كان الاختلاف بين أفراد المجتمع المسلم، بل بين أفراد الأسرة الواحدة ينتج عنه الهجر والقطيعة، والإثم وسوء الظن والكذب، والبهتان واستحلال الحرمات وانتهاك العورات، وذهاب الحسنات وانتظار العقوبة - إذا كانت هذه آثار الخلاف والخصومة، فمن الذي يعلم ذلك، ولا يسعى بالإصلاح قدر جهده وطاقته، إن من يؤمن بالله واليوم الآخر يجب عليه السعي قدر استطاعته، وليس ذلك تفضُّلاً منه أو نافلة، بل هو من أوجب الواجبات عليه، لاسيما إذا كان من أهل العلم والفَهْم، والعقل والقدرة على لَمِّ الشمل، وتوحيد الصف، وتدارك الأمر.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - أيها المؤمنون - وأصلحوا بين إخوانكم عند الاختلاف وتواسطوا بينهم عند النزاع والبغي، ولا سيما قرابتكم، ولا تتركوهم للشيطان وقرناء السوء يضلونهم عن سواء السبيل، ويهودونهم طريق الجحيم، أصلحوا بينهم تحفظوا عليهم دينهم، وتصونوا حقوقهم، وتزرعوا المودة والأُلْفة في قلوبهم.
3- الإصلاح بين الشركاء، فكم من شركاء دخلوا وهم أصدقاء متصافون مالهم كأنه مال واحد يتصرف الواحد في مال أخيه، وكأنه يتصرف في ماله، ثم عصفت بهم المشكلات، حتى تأزمت فكادت توصلهم إلى عتبات المحاكم، فهؤلاء من أحق الناس بالإصلاح، فعلى من بلغه خبر أحد منهم أن يفزع للإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعلى المتخاصمين أن يتَّقِيَا الله، ويُنصفا من أنفسهما وألا يكذبا؛ لأنهما سيقفان في يوم عصيب أمام حَكَمٍ عدْلٍ، يجازيهما بما كسبت جوارحهما، ووالله أيها الأحباب ما تدخلت في قضية وصدق أطرافها، إلا يلتقون في النهاية ويتسامحون؛ لأن رائدهم الحق وهدفهم الوصول إلى ما لهم، دون تعدٍّ على حقوق الغير.
4- الإصلاح بين الجيران ومعظم خلافاتهم حول النوافذ أو عبث الأطفال، أو يكون أحدهم متكاسلاً عن طاعة الله هو وأولاده، والآخر يؤدي واجب النصيحة فينفر منه، لكن ينبغي أن يتذكر أنه غلب في الدنيا بقوة حُجته، فلن يفلت في الآخرة أمام الجبار - جل وعلا - وهنا اقتراح على كل أهل حي أن يكون لهم لقاء شهري أو على الأقل سنوي - يتدارسون فيه شؤون الحي وقضاياه، وخصوصًا الأولاد ومشكلاتهم، ومن يأتي إليهم ويذهبون معه، وبهذا تتسع دائرة المشورة، وتتلاقح الآراء والأفكار، ونصل - بإذن الله - إلى مستوى أفضل في توجيه الناشئة ورعايتهم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والقدوة المجتبى؛ فقد أمركم الله بذلك، فقال - جل من قائل عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك، وأنعم وتفضل على الحبيب المصطفى.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك