02-24-2015, 10:37 AM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
|
|
لا يفرك مؤمن مؤمنة
لا يفرك مؤمن مؤمنة
الشيخ مقبل بن حمد المقبل
الحمدُ لله ربِّ العالمين، ذي العِزَّة والعظمة والجلال، أحْمَده - تعالى - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأعوذ به مِن حالِ أهْل الضلال، وأشهدُ أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ، عليه توكَّلْنا وإليه أنبنا، وليس لنا مِن دونه ناصِر، ولا والٍ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، أكرَمَه الله بأفضلِ الخِصال، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحْبه، خير صحْب وآل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله عبادَ الله، اتَّقوا الله - تعالى - وراقِبوه، وأطيعوا أمرَه سِرًّا وجهرًا؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
إخوة الإسلام:
البيوت أسرار، وللمآسِي والمشاكل الأُسرية صولات وجولات خَلْف الأسوار، وكم كانتْ هذه المشاكل بعدَ ظهورها سببًا في إعطاء تصوُّر كالِح عن الحياة الزوجيَّة، التي يُفترض أن تكون ناصعةَ البياض، وضَّاءة المُحيَّا كما هو منهجُ الإسلام فيها بتعاليمه السامية، وتوجيهاته السديدة، فالزواجُ سَكَن ومودة ورحمة - كما أخبر الله -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
فلنجعلْ هذا المبدأ الشرعي هو القاعِدة، ولتكن بيوتُنا أمانًا من الخِلافات، ومرفأًً للوِفاق، والسعادة والهناء.
عباد الله:
كم لدَى المحاكم والشُّرَط ولجان الإصلاح مِن حالاتِ نِزاع وشِقاق بين زوجين! وكم نسمع مَن يقول: لَمْ أُحبَّ زوجتي منذ دخلتُ عليها، أو فيها أخلاقٌ وصِفات لا تروق لي!
وكم هم الذين يُريدون المرأة كاملة من غير نقص! وكم مِن النساء من تستقصي عيوبَ زوجها، وتغفُل عن محاسنه! وكم سيواجه بعضُ المتزوِّجين حديثًا من الرجال والنساء من الحَيْرة والتردُّد ما قد يؤثِّر على مستقبل حياتهم!
فإلى هؤلاء وأمثالهم يتوجَّه خِطاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إذ يقول - بأبي هو وأمِّي -: ((لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كَرِه منها خُلُقًا، رَضِي منها خُلُقًا آخَرَ))؛ أي: لا يُبغض مؤمن مؤمنة.
إنَّه مِنهاج يجب اتِّباعُه في جميع العلاقات بيْن الناس، وأخَصُّ هذه العلاقات ما جاء هذا النصُّ فيه بخصوصه، وهو العلاقة بيْن الزوج وزوجته، فمَن ذا الذي سلِم من عيوب ونقص؟!
مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ
وَمَنْ لَهُ الْحُسْنَى فَقَطْ
فقابِل - أيها المبارك - النقصَ الذي تراه إمَّا في الخَلْق أو الخُلُق بكثير من الكمالات، تصفُ لك الحياة، وتزُلِ السَّوءات.
عباد الله:
إنَّ الخير العظيم قد يكون في طِيَّات الكُره والمضض، كما قال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]؛ قال ابن عبَّاس في هذه الآية: هو أن يَعْطِف عليها، فيُرزقَ منها ولدًا، ويكون في ذلك الولدِ خيرٌ كثير.
وقال السعدي - رحمه الله -: "أي: ينبغي لكم - أيها الأزواج - أن تُمسِكوا زوجاتكم مع الكراهة لهنَّ، فإنَّ في ذلك خيرًا كثيرًا، من ذلك: امتثال أمر الله، وقَبولُ وصيته التي فيها سعادةُ الدنيا والآخرة.
ومنها: أنَّ إجباره نفسَه - مع عدم محبته لها - فيه مجاهدةُ النَّفْس، والتخلُّقُ بالأخلاق الجميلة، وربما أنَّ الكراهة تزول وتخلُفُها المحبَّة، كما هو الواقِع في ذلك، وربما رُزِق منها ولدًا صالحًا نفعَ والديه في الدنيا والآخرة، وهذا كله مع الإمكان في الإمْساك وعدم المحذور، فإنْ كان لا بدَّ من الفراق، وليس للإمساك مَحلٌّ، فليس الإمساك بلازم"؛ انتهى.
عباد الله:
كونوا منصِفين مع أهليكم، بغضِّ الطَّرْف عن المساوئ التي تنصهِر، فلا تقوم لها قائمةٌ بجانب المحاسِن، وبهذا تدوم العِشْرة والصفاء والنقاء، الذي يعود أثرُه على المجتمع صلاحًا واستقرارًا وفلاحًا.
أسأل اللهَ أن يُديمَ المحبَّة والوِئام بيْن الأزواج، وأن يُوفِّق الجميع لما فيه صلاحُ نيَّاتهم وذرياتهم، إنَّه سميعٌ مجيب.
أقول ما تسمعون وأستغفرُ الله.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله ربِّ العالمين.
إخوة الإسلام:
لا يختصُّ دَمْحُ النقائص واستغفالُها، والنظرُ في الكمالات واستذكارُها بالزَّوجين فقط، بل هو منهجُ حياةٍ شاملٌ بيْن القرابات والأقران، والجيران وسائرِ الإخوان؛ قال السعدي - رحمه الله -: "وهذا الأدب الذي أرْشَد إليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينبغي سلوكُه واستعماله مع جميع المعاشَرِين والمعامَلِين؛ فإنَّ نفعه الدِّينيَّ والدنيويَّ كثيرٌ، وصاحبه قد سعَى في راحة قلْبه، وفي السبب الذي يُدرِك به القيامَ بالحقوق الواجِبة والمستحبَّة؛ لأنَّ الكمال في الناس متعذِّر، وحسْبُ الفاضلِ أن تُعدَّ معايبُه، وتوطينُ النفْس على ما يجيء من المعاشَرين مما يُخالِف رغبةَ الإنسان يُسهِّلُ عليه حُسنَ الخُلُق، وفِعْلَ المعروف، والإحسانَ مع الناس، والله الموفِّق"؛ انتهى كلامه.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|