قدوة لا منافسة
عبير النحاس
عندما كنت في المدرسة الإعدادية كنت أحصل دائما على الدرجة الثانية في الترتيب، وكانت صديقتي المقربة تحول دائما بيني وبين الدرجة الأولى، وفي الحقيقة لم أكن لأهتم بالأمر كثيراً، ولم تكن الدرجة الأولى شيئاً مهماً بالنسبة لي، فقد كنت سعيدة أن وجدت بين ثلة الأوائل وكان هذا كافياً لإسعادي.
ولكن في المنزل كان لا بد من مقارنات دائمة، وسؤال أهلي الدائم عن منافِسَتي تلك، وعن العلامات التي تفوقت بها علي، ووصل بي الأمر إلى أن ابتعدت عن تلك الصديقة زمناً، وشعرت أنها من يهز مكانتي لدى عائلتي ولكن.
كانت صديقتي تلك محببة.. لطيفة المعشر.. متواضعة.. ولم تكن لتتكبر.. أو تؤذي بتفوقها أحداً.
وقد جعلني تواضعها ومساعدتها للجميع أعود بحب لصداقة جمعتنا طويلا، وأتجاهل كل تلك المقارنات التي تحدث بيننا من قبل الآخرين.
وقد كبرنا الآن، وغاب كل منا في هموم الدنيا ومشاغلها، ولم نعد نفكر في تلك الأيام مطلقاً، لقد انتهت تلك المرحلة وعدنا صديقات بعيداً عن تلك المنافسة.
يغيب عن بالنا ونحن في سن الصبا أن الأيام تمضي مسرعة، وأن ما نعيشه لا يتعدى مرحلة من العمر لا تلبث أن تمضي، وأننا نتغير وتتغير اهتماماتنا معها، وأننا نسيء لأنفسنا وصحة مشاعرنا كثيرا عندما نضع أنفسنا في ميزان ما ونقارنها بأي كان.
أذكر تماما أن منافسة أخرى كانت تجري بين زميلتين لنا في المدرسة الثانوية، وكان محور التنافس هو الجمال والأناقة، وأذكر أنه قد حيكت مؤامرات، ودبرت مكائد، وأن كلتا الصديقتين لم تسعد مطلقاً في المرحلة الثانوية من حياتنا، لقد شغلن ببعضهن عن كل ما كان يسعد من هن خارج نطاق تلك الحرب الباردة.
ما الصحيح إذن؟
حدثني الشاعر والطبيب الأديب (عبد المعطي الدالاتي) يوماً عن الأمر وأخبرني أن المنافسة تستهلك الطاقة بلا فائدة، وأن من يريد السير في دروب النجاح والتفوق لا يجعل بينه وبين غايته عوائق من منافسين، بل هي القدوة والقدوة والقدوة.
كان كلام أستاذنا حكمة رائعة وقد غيرت بها حياتي ونظرت بأسف نحو سنوات مضت كنت فيها طرفاً من منافسة.
لماذا القدوة؟
إحدى معارفي كانت لا تتوقف عن النقد والتجريح والبحث عن عيوب الآخرين، وكانت ترهقنا بالحديث عن مزاياها والتقليل من شأن المنافسين، وفي صدفة عجيبة وجدت لها من العيوب ما لا يوازيه عيوب من ذكرتهم مجتمعة، فكانت نهاية صداقة وعلاقة آلمتني طويلاً.
وهنا تأتي خطورة المنافسة وأستطيع أن أوجزها ببعض الأمور:
· سوف تهدر وقتك وجهدك في التفكير في من لا يجعل لك هذه المساحة من وقته وفكره.
· ستبحث عن عيوبهم بلا شك لتكسب درجة في تلك المنافسة.
· وربما سيتطور الأمر إلى اختلاق العيوب أو تدبير المكائد.
· وفي النهاية سيسبقونك لأنك اشتغلت بهم عن هدفك.
نافس نفسك بداية.
لعلنا نعلم ونوقن أن كلا منا يحتاج إلى ما نسميه هدفا.
وأننا بحاجة لتقسيم هذا الطريق إلى مراحل تشجعنا على المتابعة والمسير.
وفي الحقيقة يجب أن ننافس أنفسنا أولا ونتفوق على إمكانياتنا بتطويرها، ومن ثم نضع أمامنا قدوة قد وصل إلى ما وصل إليه من نجاح يعجبنا، ونغذ السير في طريقنا دون التفات للأنداد.
وهنا فقط يصبح الطريق أسهل وأجمل.
أين يكون التنافس؟
طريق واحد فقط سيسعدنا أن نجلس فيه بين المتنافسين والمتسابقين وهو بعكس كل ما سواه لن يتعب قلوبنا، ولن يستنزف طاقتنا ووقتنا، ولن يؤرق منا العيون، ولن يلهينا عن نهايته الجميلة.
وهو طريق الطاعات والخيرات والتسابق في طلب رضا الخالق ومرضاته، وقد قال سبحانه: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) 26- المطففين.
فلنتنافس هنا بحب ولنسعد بعملنا، وفي أمور الدنيا فلننافس أنفسنا فقط، ولنضع أمامنا قدوتنا الرائعة.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك