02-15-2016, 08:06 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
أدلة عقلية نقلية على وجود الروح والملائكة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
1- الدليل على وجود الملائكة
الحركات الموجودة في العالم ثلاثة: قسرية وطبيعية وإرادية
ووجه الحصر أن مبدأ الحركة إما أن يكون من المتحرك أو من سبب خارج
فإن لم تمكن حركته إلا بسبب خارج عنه كصعود الحجر إلى فوق فهذه الحركة القسرية.
وإن كانت بسبب منه فإما أن يكون المتحرك له قدرة على التحرك وإما أن لا يكون:
فإن كان له قدرة فهي الحركة الإرادية
وإلا فهي الطبيعية كحركة الحجر إلى أسفل
والحركة الطبيعية في العنصار لا تكون الا عند خروج الجسم عن مركزه الطبيعي وإلا فالتراب إذا كان في مركزه لم يكن في طبعه الحركة فالمتولدات من العناصر لا تتحرك إلا بقاسر يقسر العناصر على حركة بعضها إلى بعض.
وإذا كانت الحركات الطبيعية والقسرية مفتقرة إلى محرك من الخارج علم أن أصل الحركات كلها الإرادة. لأن الحركة الطبيعية أصلها السكون، وإنّما يتحرّك الجسم إذا خرج عن مستقرّه ومركزه الطبيعي ، فهو يتحرك للعود إليه وإن تحرك إلى غير جهة مركزه فحركته قسرية. وخروجه عن مركزه ومستقره إنما هو بتحريك القاسر المحرِّك له. فله حركة قسرية بمحرِّكه وقاسره، وحركة طبيعية بذاته يطلب بها العود إلى مركزه كالتراب إذا سقط على الأرض والماء إذا وصل إلى مقره ونحو ذلك . وكلا حركتيه تابعة للقاسر المحرِّك، فهو أصل الحركتين. والحركة الاختيارية الإرادية هي فعل القاسر فهي أصل الحركتين الأخريين. فيلزم من هذا أن يكون مبدأ جميع الحركات من العالم العلوي والسفلي هو الإرادة.
وإذا كان كل حركة في الوجود فلا تخلو من أن تكون إرادية أو طبعية أو قسرية
وتبين أن الطبيعة والقسرية فرع وتبع للإرادية
فثبت أن جميع الحركات ناشئة عن الإرادة والاختيار
وذلك يبطل أن يضاف خلق شيء من المخلوقات إلى الطبع الذي في الأجسام
مثل أن يكون الخالق للأجنة في الأرحام هو طبع
أو الخالق للنبات هو طبع
لأن الطبع لا يكون مبدءا لحركة الجسم وانتقال أصله إلا إذا أخرج عن طبعه بغير طبعه كما يجمع بين الأجسام بالمزج والخلط فتنتقل عن مراكزها ومحالها المخالف لمقتضي طبعها وعند التحقيق يعود الطبع إلى أنه ليس فيها سبب للحركة عن حالها وسكونها فيكون الطبع بمنزلة السكون وعدم الحركة أو أمرا وجوديا منافيا للحركة.
وبما أن الخالق خلق الأشياء بالأسباب فعلم أن سبب تدبير العالم العلوي والسفلي (من الكواكب والنجوم والرياح والسحاب والجبال والأشجار والأرض والبراكين والبحار والأنهار حتى إنزال الماء وإخراج الثمرات والمولودات على مختلف الألوان والأشكال...) هو من فعل وارادة ذوات او اعيان او اشخاص لها . فحركة أو صنعة او تغيير او فعل...كل ما ليس له إرادة وقدرة على الحركة أو الصنع او التغيير او الفعل... بطبعه، هو بفعل وارادة ذوات لها. وهذه الأشخاص هي الملائكة.
فحركة كل ما ليس له حركة بطبعه هو بتدبير الملائكة العاملة بأمر الله ربها كما قال تعالى عن الملائكة: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) وكما قال تعالى اخبارا عنهم: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) وكما أقسم سبحانه بطوائف ووظائف الملائكة المنفّذين لأمره في الخليقة فقال تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) النازعات .وقال تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) الذاريات. وقال تعالى :وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) الصافات. وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5). وان كان يمكن ارجاع الفعل الى المخلوق مثل الرياح وغيرها ولكن في الأصل هم الملائكة الذين يحركونها اذ المخلوقات خلقت من عناصر لا تتحرك إلا بقاسر يقسرها كالتراب والماء والحديد... ويستثنى من ذلك الملائكة والإنس والجن والحيوانات كما سيأتي بيانه..
فالملائكة هم الوسائط فيما يخلقه أو يدبره الله تبارك وتعالى. والله تعالى هو الخالق لكل شيء لا يوجد خالق غير الله ، قال عز وجل : وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ( الفرقان 2) ، وقال سبحانه : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (الزمر 62) ، وقال سبحانه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (فاطر 3) وقال تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( البقرة117)
ولا يلزم من تفرد الله جل جلاله بالخلق أن يباشر ذلك بذاته العلية ، من غير توسط ملك من ملائكته ، أو خلق من خلقه ، بل هو على ما يشاؤه سبحانه قدير ، بل هذا شأن الملوك : أنه ربما تولى أمرا بنفسه مباشرة ، وربما ولى ذلك بعض جنوده أو وزرائه أو بطانته ، ثم الأمر في ذلك أمره . قال تعالى: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7 الفتح)
وروى الدرامي واللالكائي والآجري وغيرهم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : ( خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش والقلم وعدن وآدم ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان ) .
وروى الدارمي بسند حسن عن ميسرة أبي صالح مولى كندة ، أحد التابعين أنه قال : ( إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده ). "نقض الدارمي" ص 99، وقال محققه الشيخ منصور السماري في مقدمته : " وقد روي عن غيره من التابعين مثل حكيم بن جابر ، ومحمد بن كعب القرظي بأسانيد صحيحة ذكرتها عند التعليق على الأثر في موضعه من الكتاب .
فهذه أربعة أشياء خلقها الله بيده : العرش والقلم وجنة عدن وآدم ، وأما سائر الخلق ، فهم مخلوقون بالكلمة ( كن) فكانوا .
المهم أن نصوص الكتاب والسنة الدالة على وظائف الملائكة كثيرة ولكن بإختصار:
وكّل الله بالرحم ملائكة، وبالقَطْر ملائكة، وبالنبات ملائكة، وبالرياح، وبالأفلاك، وبالشمس والقمر والنجوم.
ووكّل بكل عبد أربعة من الملائكة: كاتبَين على يمينه وشماله، وحافظَين من بين يديه ومن خلفه. ووكّل ملائكةً بقبض روحه وتجهيزها إلى مستقرّها من الجنّة أو النار، وملائكةً بمسألته وامتحانه في قبره وعذابه هناك أو نعيمه، وملائكةً تسوقه إلى المحشر إذا قام من قبره، وملائكة بتعذيبه في النار أو نعيمه في الجنّة.
ووكّل بالجبال ملائكة، وبالسحاب ملائكةً تسوقه حيث أُمِرَتْ به، وبالقَطْر ملائكة تُنزله بأمر الله بقدر معلوم كما شاء الله، ووكّل ملائكةً بغرس الجنّة وعمل آلتها وفرشها وبنائها والقيام عليها، وملائكةً بالنار كذلك.
فأعظم جند الله الملائكة. ولفظ "الملَك" يُشعِر بأنّه رسول منفّذ لأمر غيره وليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كلّه لله. وهم يدبّرون الأمر، ويقسّمونه بأمر الله وإذنه.
ويجب التنبه هنا الى أمر عظيم وهو أنه إذا كانت جميع الحركات هي عن إرادات
والإرادات وقودها المحبة
تبين ان جميع الحركات في العالم اصلها المحبة
وبما انه لا بد للمريد من غاية هي مراده لأنه من المعلوم بالبديهة أن المتحرك لا يكون متحركًا إلى نفسه، ولا يكون متحركا بإرادته إلى لا شيء
فتعيين أنه لا بد من مقصود محبوب هو معبوده فلا بد للموجودات من إلهٍ هو إلهها ومعبودها وهذا هو الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
وقال تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
وقال تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
فجميع الحركات الخارجة عن مقدور بني آدم والجن والبهائم فهي من عمل الملائكة وتحريكها لما في السماء والأرض وما بينهما
وجميع تلك الحركات والأعمال عبادات لله متضمنة لمحبته وإرادته وقصده
وجميع المخلوقات عابدة لخالقها إلا ما كان من مردة الثقلين وليست عبادتها إياه قبولها لتدبيره وتصريفه وخلقه فإن هذا عام لجميع المخلوقات حتى كفار بني آدم فلا يخرج أحد عن مشيئته وتدبيره.
فأما كثير من الناس وأهل الطبع المتفلسفة وغيرهم فيعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ويأخذون بظاهر من القول
يرون ظاهر الحركات والأعمال التي للموجودات ويرون بعض أسبابها القريبة وبعض حكمها وغاياتها القريبة أن ذلك هو العلة لها فاعلا وغاية كما يذكرونه في تشريح الإنسان وأعضائه وحركاته الباطنة والظاهرة وما يذكرونه من القوي التي في الأجسام التي هي تكون بها الحركة وما يذكرونه من كل شيء
ومن ذلك ذكرهم الطبيعة التي في الإنسان والقوة الجاذبة والهاضمة الغاذية والدافعة والمولدة وغير ذلك وأن الرئة تروح على القلب لفرط حرارته وأن الدماغ أبرد من القلب إلى غير ذلك من الأسباب والحكم التي فيها من شهود ما في مخلوقات الله من الأسباب والحكم ما هو عبرة لأولي الأبصار
لكن يقع الغلط من إضافة هذه الآثار العظيمة إلى مجرد قوة في جسم ولا يشهدون الحكمة الغائية من هذه المخلوقات وأن ذلك هو عبادة ربها سبحانه وتعالى
وقد يعارضهم كلهم طوائف من أهل الكلام فينكرون طبائع الموجودات وما فيها من القوي والأسباب ويدفعون ما أرى الله عباده من آياته في الآفاق وفي أنفسهم مما شهد به في كتابه من أنه خلق هذا بهذا كقوله {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} وقوله {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}
وكلا الطائفتين قد لا يعلمون ما فيها من الحكمة التي هي عبادة ربها وهذا هو المقصود الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب بل إنما يتنازعون في فاعل هذه الأمور وما يتعلق بتوحيد الربوبية
وأما شهادة غاية هذه الأمور وما يتعلق بتوحيد الإلهية فقد لا يهتدون له ولهذا كان في طرقهم من الضلالات والجهالات ما هو مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول
لكن أهل العلم النافع والإيمان الصالح في إضافة جميع الحوادث إلى خلق الله ومشيئته وربوبيته أصح عقلا ودينا ومن أدخل في ذلك كل شيء حتى أفعال الحيوان فهو المصيب الموافق للسنة والعقل وهم متكلمة أهل الإثبات الذين يقررون أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه.
بخلاف القدرية الذين أخرجوا عن ذلك أفعال الحيوان وبخلاف أهل الطبع والفلسفة الذين يخرجون عن ذلك عامة الكائنات من العلل المولدات وكلاهما باطل .
ولهذا تجد هؤلاء إذا تكلموا في الحركات التي بين السماء والأرض مثل حركة الرياح والسحاب والمطر وحدوث المطر من الهواء الذي بين السماء والأرض تارة ومن البخار المتصاعد من الأرض تارة كما ذكر ذلك أيضا غير واحد من السلف وهو حق مشهود بالأبصار كما يخلق الولد في بطن أمه من المني وكما يخلق الشجر من الحب والنوى فشهدوا بعض الأسباب المرئية وجهلوا أكثر الأسباب وأعرضوا عن الخالق المسبب لذلك كله وعما جاء في ذلك من عبادته وتسبيحه والسجود له الذي هو غاية حكمته
فإن خلق الله سبحانه للسحاب بما فيه من المطر من هذا البحر وبخار الأرض كخلقه للحيوان والنبات والمعدن من هذه الأمور ومعلوم أن المني جسم صغير مشابه لهذا الذي في الحيوان من الأعضاء المكسوة والمتنوعة في أقدارها وصفاتها وحكمها وغاياتها هل يقول عاقل إن هذا مضاف إلى عرض وصفة حال في جسم صغير أو يضاف هذا إلى ذلك الجسم الصغير هذا من أفسد الأمور في بديهة العقل
ومعلوم أنه لا نسبة إلى خلق هذا من هذا وإلي ما يصنعه بنو آدم من الصور التي يصنعونها من المداد مثل الكتابة بالمداد ونسيج الثياب من الغزل وصنعة الأطعمة والبنيان من موادها وهم مع ذلك لم يخلقوا المواد ولا يفنونها وإنما غايتهم حركة خاصة تعين على تلك الصورة ثم لو أضاف مضيف هذه الكتابة إلى المداد لكان الناس جميعا يستجهلونه ويستحمقونه فالذي يضيف خلق الحيوان والنبات إلى مادتها أو ما في مادتها من الطبع أليس هو أحمق وأجهل وأظلم وأكفر
وكذلك خلق السحاب والمطر من الهواء والبخار هو كذلك إضافة الزلزلة إلى احتقان البخار وإضافة حركة الرعد إلى مجرد اصطكاك أجرام السحاب إلى غير ذلك من الأسباب التي ضلوا فيها ضلالا مبينا حيث جعلوها هي العلة التامة فاعلا ولم يعرفوا الغاية فجهلوا الوضعين ونازعهم طوائف من الناس فيما يوجد من الأسباب والقوي التي في الطباع وذلك أيضا جهل.
فثبت حتى الان وجود الملائكة وضف عليه اخبار الأنبياء وفطرة الناس التي فطرهم الله عليها وشهادة بعض الناس برؤيتها فلم يبقى الا الإقرار.
2- أما الدليل على وجود الروح فسبق وذكرت انه يستثنى من المخلوقات المقسورة الملائكة والإنس والجن والحيوانات وقد يكون غيرهم والله اعلم ذلك لأنه لا يوجد قاسر يقسرهم على الحركة بل كلنا نتحرك ونفعل ونتكلم ونسمع ونرى ونشعر.. بإرادة ومشيئة وقدرة منا طبعا هي تابعة لإرادة ومشيئة الله تعالى كي لا يحصل في ملكه الا ما يشاء سبحانه. ونكتفي هنا بالكلام عن اطوار الإنسان. علما أننا خلقنا من عناصر لا تتحرك إلا بحركة القاسر فلماذا اذا نتحرك ؟ السبب هو وجود خلقا آخر في هذه الأجساد يحركها، ليس من جنسها ولا مركب من عناصرها والا كان جامدا بل هو خلق آخر لطيف خفيف حي قادر متحرك... وهذا هو الروح .
قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون.
ويفسر هذا حديث عبد الله بن مسعود حيث قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات...(صحيح مسلم)
فذكر الله في هذه الآيات أطوار الآدمي وتنقلاته، من ابتداء خلقه إلى آخر ما يصير إليه، فذكر ابتداء خلق أبي النوع البشري آدم عليه السلام، وأنه
{مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} أي: قد سلت وأخذت من جميع الأرض، ولذلك جاء بنوه على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك... ولذلك سمي آدم لأنه خلق أديم الأرض.
{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ} أي: جنس الآدميين {نُطْفَةً} تخرج من بين الصلب والترائب، فتستقر {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} وهو الرحم، محفوظة من الفساد والريح وغير ذلك.
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ} التي قد استقرت قبل {عَلَقَةً} أي: دما أحمر، بعد مضي أربعين يوما من النطفة،
{فخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ} بعد أربعين يوما {مُضْغَةً} أي: قطعة لحم صغيرة، بقدر ما يمضغ من صغرها.
{فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ} اللينة {عِظَامًا} صلبة، قد تخللت اللحم، بحسب حاجة البدن إليها،
{فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} أي: جعلنا اللحم، كسوة للعظام، كما جعلنا العظام، عمادا للحم، وذلك في الأربعين الثالثة،
{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} نفخ فيه الروح!!! فانتقل من كونه جمادا، إلى أن صار حيوانا متحركا بارادة، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ} أي: تعالى وتعاظم وكثر خيره {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} كما قال تعالى في سورة السجدة: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) فخلقه كله حسن، والإنسان من أحسن مخلوقاته، بل هو أحسنها على الإطلاق، كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ولهذا كان خواصه أفضل المخلوقات وأكملها.
وينبغي أن نفرق هنا بين نوعين من الحياة :
الحياة النباتية ، التي يخالف بها الجماد ؛ فينمو ويزيد بوجودها ، أو يذبل ويموت بفقدها ، وهذه حياة خاصة ، لا ترتبط بوجود الروح فيه .
والحياة الحيوانية : وهي التي ترتبط بنفخ الروح فيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والحياة نَوْعَانِ : حَيَاة الْحَيَوَان ، وحياة النَّبَات ؛ فحياة الْحَيَوَان خاصتها الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية ، وحياة النَّبَات النمو والاغتذاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/98) .
إذا تبين ذلك : فالحياة الحيوانية هي الحياة التي تختص بنفخ الروح ،
وأما الحياة النباتية فليس فيها نفخ للروح .
والجنين في بطن أمه حياته من جنس حياة النبات ، فهو ينمو ، ويتغذى ، ويتحرك حركة لا إرادية ، من جنس حركة بعض النباتات ، كدوار الشمس ، أو تفتح البراعم ، ونحو ذلك .
وأما بعد نفخ الروح ، فإنه يتحرك الحياة الحيوانية الإرادية .
فالحركات اللاإرادية تدل على وجود نمو للجنين ، لكنها ليست دليلاً على نفخ الروح فيه ، بخلاف الحركات الإرادية فإنها لا تكون إلا بعد وجود الروح في بدنه .
كما أنه ليس هناك علاقة بين نبض قلب الجنين والخلاف القائم بين العلماء في وقت نفخ الروح في الجنين ؛ لأن نبض قلب الجنين يبدأ في اليوم الثاني والعشرين من التلقيح ! والذين يخالفون الجمهور في وقت نفخ الروح في الجنين يقولون إنه تُنفخ الروح في اليوم الأربعين فما بعده ، وهذا يؤكد ما قلناه من أن نبض قلب الجنين هو من الحركات اللاإرادية ، وهي التي تدل على النمو لا على وجود الروح ، والعلماء والأطباء يستدلون على حياة الجنين بالحركات الإرادية فحسب .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " فإن قيل : الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركة وإحساس أم لا ؟ قيل : كان فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات , ولم تكن حركة نموه واغتذائه بالإرادة , فلما نُفخت فيه الروح انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه " انتهى من " التبيان في أقسام القرآن " ( ص 218 )
وهذا الذي قاله ابن القيم رحمه الله يؤكده الأطباء المعاصرون .
قال الدكتور محمد علي البار – وفقه الله - : " الجنين قبل نفخ الروح فيه كانت فيه حركة النمو والاغتذاء ، بل إن القلب ينبض ويعمل منذ اليوم الثاني والعشرين منذ التلقيح ! وتبدأ الدورة الدموية عملها منذ تلك اللحظة ، ومع هذا لم يقل أحد من علماء الإسلام إن الروح قد نفخت في هذا الجنين في هذه الفترة ... .
وما يهمنا ها هنا هو التأكيد على أن الفقهاء لم يجعلوا الحركة الاضطرارية دليلا على وجود الروح ، بل على العكس من ذلك ، كما أنهم لم يجعلوا انتظام نظم القلب وضرباته ووجود الدورة الدموية في الجنين دليلاً على نفخ الروح فيه ، بل اعتبروا ذلك كله بمثابة النبات أو الحيوان وليس فيه أي دليل على نفخ الروح في الجنين ... .
وهذا دليل قوي على عدم اعتبارهم للدورة الدموية كدليل على وجود الروح ؛ إذ يمكن أن تكون هناك دورة دموية كاملة والقلب ينبض دون وجود الروح ، وهذا بالضبط ما يقوله الأطباء حيث إن القلب يمكن أن يستمر في النبض والدورة الدموية بمساعدة العقاقير والأجهزة وبوجود منفسة تقوم بعملية التنفس ، ولا يعد الشخص في تلك الحالة حيّاً بل هو ميت إذا مات دماغه بشروط معينة لا بد من توافرها في تشخيص موت الدماغ " انتهى من بحث بعنوان " ما الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي ؟ ".
فالحركة الإرادية في الجسد المؤلف من العناصر الطبيعية دليل على وجود الروح واما كيفيتها وحقيقتها فقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) الإسراء. ويمكن التوسع في الموضوع بقراءة كتاب الروح لإبن القيم وغيره.
والحمدلله رب العالمين.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|