الحصن الحصين وعقد التأمين
محمد صديق
صَعِدتُ معه في السيارة، فقال لي: أستاذ، أريد آيات للحفظ، وهل هناك أذكار معيَّنة تحفَظ الإنسان؟ ثم سكتَ بُرهة ليقول: لكنِّي لا أصلي، وأرتكب بعض المعاصي، ولا أقرأ القرآن، فهل تفيدني هذه الأذكار والآيات...؟!
لم أَعرِف بمَ أجيبه سوى ببيان أن الإسلام دينٌ يُطالبنا بالعمل الصالح، وفتَح لنا باب التوبة، وطلب منا الإكثار من الدعاء.
نزلتُ من السيارة، وأنا أُفكِّر في طلبه "آيات للحفظ"، وانتقل بي فكري إلى تلك العقلية التي ترى في الدين مجرد "عقد تأمين"، تدفَع مقابل "الأمان" الذي تمنحه إياه بضع آيات وأذكار يقولها المُؤَمِّن - على حياته وماله - على عجل وهو خارج مِن منزله، أو هو مُتوجِّه إلى فراشه، وبعد أن يَحصُل على مُبتغاه، لا يَبقى داعٍ لدفع بدلِه "مِن الآيات والأذكار"، وبالتالي لا حاجة للإسلام، ولكنه لا يرميه؛ بل يَحتفِظ به في خزانة الأشياء القديمة؛ حتى إذا اضطر إليه يَنبش عنه في قاع الخزانة المليئة بالأغراض القديمة البالية.
ومثل هذه التصرُّفات تُوقِع صاحبَها في حيرة بين سلوكه ومعتقداته؛ أي: تُوقِعه في حيرة بين النظرية والواقعية، وهذا مردُّه إلى سوء التعليم، وسوء التربية الإسلامية، وفشل الخطاب الديني، الذي ركَّز ثقله على هذا الجانب، مُتناسيًا في الوقت ذاته الجوانبَ الأخرى مِن الإسلام والتي تُكمل "كل" الإسلام، الذي يُعطي الصورة الكاملة مِن غير تشويه.
ومِن شأن اختزال الإسلام في هذا الجانب: إخفاءُ معالمه الحضارية، وإضفاء صفة الشكلية والطقوسية، والإسلام أبعَدُ ما يكون عن هاتين الصفتين؛ لأنه دين يتَّسم بالفاعلية والعمل، فدعوته كانت تمزج بين العلمي والعمَلي، وهذا جليٌّ في وصفه للناجين بأنهم ﴿ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة: 25].
وكان الصحابة - عليهم رضوان الله - يَستفسِرون عن أمور الإسلام مِن النبي - عليه الصلاة والسلام - وكانت أسئلتهم واستفساراتهم تتمحوَر حول أمور تمسُّ مِحوَرَ الإسلام العملي أو الاعتقادي؛ أي: كانوا مهتمِّين بأن يكونوا ممثِّلين صادقين عن الإسلام، لا مجرَّد تكرار بضع آيات وأذكار، تُقال كحركة لسان لا تتوافَق معها حركات الجسد، وإيقاعات الفِكر، وتقلُّبات القلب.
إن الإسلام لم يكن يومًا منتجًا نستخدمه لمرة واحدة، ولم يكن يومًا "سوبر ماركت" نأخُذ منه ما نريد مِن الحاجيات، ونستفيد من "العروض"، و"تنزيلات آخِر الموسم"، بل هو كلٌّ مُتكامِل، لا يَحق لك اجتزاء جزء منه، والادِّعاء بأنك تُطبِّق الإسلام.
الإسلام منهج متكامل، وشِرعة ربانية، يَكفُل لك - بما أنه صادر عن الخالق - السعادة الأبدية، وذلك عندما تلتزم بتعاليمه كلِّها، وتلتزم بتطبيق أوامره ضمن الهيئات التي بيَّنَها.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك