07-24-2015, 05:25 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
(0157) الجهاد في سبيل الله-المبحث الثاني: ذل المسلمين واستضعافهم. المبحث الثاني: ذل المسلمين واستضعافهم.
وفيه فروع:
الفرع الأول: فقد المسلمين عرش الخلافة.
الفرع الثاني: تسلط العدو على المسلمين.
الفرع الثالث: إلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين.
الفرع الرابع: فقد المسلمين الحرية
الفرع الخامس: رضا المسلمين بالدون.
الفرع السادس: استحقاق المسلمين العذاب الأخروي
الفرع الأول: فقد المسلمين عرش الخلافة
ومن عواقب ترك المسلمين الجهاد في سبيل الله، فقدهم منصب قيادتهم للبشرية:
أرأيت رجلاً أتيح له أن يتعلم ويحوز أعلى شهادة في العالم، في علم من العلوم التي تسوغ له ارتقاء أعلى منصب في العالم، كرئيس دولة عظمى ومُنِح هذه الثقة ونصب على العرش.. ثم فوجئ الناس به بعد تنصيبه، وقد نزل مع الخدم الذين يكنسون الشوارع تاركاً ذلك المنصب الكبير.. أرأيت رجلاً كهذا، أو سمعت أنه وجد في العالم؟.
هذا أمر غريب أم مألوف؟ إنه غريب حقاً.
ولكنه وقع لأمة، وليس لفرد وليست أمة عادية، وإنما هي خير أمة أخرجت للناس، إنها الأمة الإسلامية. لقد اختارها الله لقيادة الناس، وعلمها المنهج الذي تقود به وسلمها مقاليد الأمور، وسادت العالم فعلاً، وسعد العالم بتلك السيادة وقتاً ليس بالقصير..
وشرط عليها شروطاً لتبقى على عرش الخلافة:
الإيمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الجهاد في سبيل الله. كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110]. لقد كانت هذه الأمة التي وصفها الله بأنها خير أمة أخرجت للناس قبل قيامها بالجهاد في سبيل الله، طائفة ذليلة مهانة خائفة ولم تنل السيادة والتمكين إلا بعد أن جاهدت وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر.. قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26].
وبعد أن أيدهم الله ونصرهم وأصبحوا خير أمة أخرجت للناس، حذرهم الله سبحانه من عدم الوفاء بالشروط التي سلمهم الخلافة والسيادة عليها.. وأخبرهم سبحانه بأن ترك الجهاد في سبيله يترتب عليه إنزال العذاب بالمؤمنين أنفسهم، كما أن قيامهم بالجهاد في سبيله يترتب عليه تعذيب أعدائهم الكافرين.. كما قال تعالى: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39].
قارن بين الآية السابقة وقوله تعالى في آية سابقة: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:14-15]. إن في الجهاد عذاباً للكفار، وفي القعود عنه عذاباً للمؤمنين.. بل وفيه – أيضاً - القضاء عليهم وذوبانهم في الأرض، حتى كأنهم قد محوا من الوجود، وهو يعني فقدهم عرش الخلافة والسيادة والتوجيه، وذوبان شخصيتهم في شخصية غيرهم.
وحذرهم الله سبحانه وتعالى من أن يُقَدِّموا على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله قريباً أو مالاً أو متعة من متع الحياة الدنيا، وأمرهم بانتظار جزائهم، إن هم فعلوا ذلك، وهو شامل لجزاء الدنيا والآخرة. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].
ومن أمره سبحانه الذي يأتي به لمن قعد عن الجهاد في سبيله أن يفقده قيادة البشر التي منحها الله إياه وأمره بحمايتها والحفاظ عليها، فإذا فرط فيها نزعها الله منه لأنه لم يعد يستحقها.
والله سبحانه وتعالى حكيم لا يضع الأمور في غير موضعها، ولا يعطي زمام الأمر لأمة تدعي أنها على هديه وهي بعيدة عنه، لضعف إيمانها وسوء إدارتها وإقرارها المنكر في الأرض الذي ما كانت خير أمة إلا لإزالته وإقرار المعروف الذي تسعد به الخليقة.
ولهذا قال سيد قطب رحمه الله وهو يتفيأ ظلال هذه الآية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} [آل عمران: من الآية110] قال: "وفي أول مقتضيات هذا المكان أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد، وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي خير أمة أخرجت للناس لا عن مجاملة، ولا عن مصادفة أو جزاف - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً -.. وليس توزيع الاختصاصات والكرامات، كما كان أهل الكتاب يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُه} [المائدة: من الآية18] كلا إنما هو العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر وإقامتها على المعروف، مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}". [في ظلال القرآن (4/447)].
وقال المودودي رحمه الله: "وإذا فقدت الأمة الإسلامية منصب القيادة هذا، فإنه لا يبقى شاغراً بل لا بد أن يتربع عليه من توافرت لديه أسس الزعامة المادية..وهي: قوة الإرادة والمضاء في الأمر والعزم والإقدام..والصبر والثبات والأناة ورباطة الجأش.. وتحمل الشدائد والهمة والشجاعة والبسالة والنشاط، والشدة والبأس والولوع بالغاية والاستعداد للتضحية بكل شيء في سبيل تحقيقها والحزم والحيطة وإدراك العواقب.. والقدرة على العمل المنظم والشعور بالواجب والإحساس بالمسؤولية.. والقدرة على تقدير المواقف المختلفة.. والقدرة على صوغه وإفراغه في قوالب مناسبة حسب الظروف المتبدلة.. والقدرة على تدبير الشؤون وفق تلك الأحوال والظروف.. وكان ملاكاً لعواطفه ورغباته ونزعاته النفسية.. و كان قادراً على استمالة أهواء الناس والأخذ بمجامع قلوبهم وتحبيب نفسه إليهم - مع التحلي بالأخلاق التي تضمن له الوقار في هذه الدنيا - كالإباء والسخاء والرأفة والمواساة وسعة القلب والنظر والصدق والأمانة والنزاهة والوفاء بالعهد وكمال الرزانة والاعتدال والتهذيب والطهارة والنظافة وضبط النفس والذهن.. هذه الصفات التي إذا حازها واستوعبها معظم أفراد أمة من الأمم أو جماعة من الجماعات، فكأنها عندها ثروة الإنسانية ورأس مالها فإن هذه الثروة هي التي تتكون على أثرها قوة جماعية قوية فعالة. [انظر الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية ص21 وما بعدها..].
فإذا اتفق أفراد تلك الأمة أو الجماعة على غاية مشتركة محبوبة عند الجميع، حباً يجعلهم يضحون في سبيلها بكل شيء وأسندوا أمرهم إلى قائد متميز عنهم في حسن التدبير وبقية الصفات المؤهلة للقيادة.. فإن هذه الأمة أو تلك الجماعة تتسلم زمام قيادة البشرية، ولو كانت غير مسلمة ما دامت تحلت بهذه الصفات ولم توجد أمامها أمة أخرى متحلية بهذه الصفات مع التمسك بالدين الذي ارتضاه الله لعباده..
وإذا قاد الأمم في الأرض أهل الكفر والإجرام، فحدث عن البلاء والشر والفساد الذي ينتشر في الأرض بسبب ذلك ولا حرج. قال المودودي رحمه الله: "وكل من له أدنى بصيرة بمسائل الحياة الإنسانية لا يخفى عليه أن المسألة التي تتوقف عليها قضية صلاح الشؤون البشرية وفسادها إنما هي مسألة زعامة الشؤون البشرية ومن بيده زمام أمرها-إلى أن قال-: وأما إذا كانت هذه السلطة سلطة الزعامة والقيادة والإمامة بأيدي رجال انحرفوا عن الله ورسوله واتبعوا الشهوات وانغمسوا في الفجور والطغيان فلا محالة أن يسير نظام الحياة بقضه وقضيضه على البغي والعدوان والفحشاء ويدب دبيب الفساد والفوضى في الأفكار والنظريات والعلوم والآداب والسياسة والمدنية والثقافة والعمران والأخلاق والمعاملات والعدالة والقانون برمتها وتنمو السيئات ويستفحل أمرها وتأبى الأرض أن ترحب بالحسنات ويضن الماء والهواء أن يفيضا عليها شيئاً من القوت وتمتلىء الأرض ظلماً وفجوراً". [الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية ص8-9].
وهذا ما يعيشه الناس اليوم بسبب فقد الأمة الإسلامية منصب القيادة والتوجيه واستيلاء أمم الكفر على ذلك المنصب.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|