07-16-2015, 02:25 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
(0151)الجهاد في سبيل الله-المبحث الرابع: هداية المجاهدين وتسديد خطواتهم
وفيه فرعان:
الفرع الأول: عناية الله العامة بالمجاهدين وتسديدهم
الفرع الثاني: تسديد المجاهدين في قتال العدو وأساليبه.
الفرع الأول: عناية الله العامة بالمجاهدين وتسديدهم
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. وعد الله تعالى من جاهد فيه أن يهديه سبله - أي الطرق الموصلة إلى مرضاته وأنه تعالى مع المحسنين، والمحسنون هم الذين أحسنوا كل أعمالهم التي أمرهم الله تعالى به، ومنها الجهاد في سبيله تعالى..
والجهاد في الآية عام شامل لجهاد النفس على طاعة الله وترك معصيته، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله وإعداد العدة لجهاد الأعداء بالقتال، ومقارعة الأعداء في ساح القتال، وغير ذلك مما يدخل تحت طاعة الله تعالى..
والسبل التي يهدى الله تعالى المجاهد إليها شاملة كذلك لكل أمر يرضيه سبحانه من طاعته وترك معصيته وتبليغ جناته. قال القرطبي رحمه الله: "وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين، وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر، وقال سفيان بن عينية لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا، فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول: {لنهدينهم !}. [الجامع لأحكام القرآن (13/364)].
وقال ابن جرير: {لنهدينهم سبلنا} يقول: لنوفقنهم لإصابة الطرق المستقيمة، وذلك إصابة دين الله الذي هو الإسلام الذي بعث الله به محمداً صَلى الله عليه وسلم. [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (21/15)].
وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه). [البخاري رقم 6502 ، فتح الباري (11/340)].
ففي هذا الحديث بيان لتوفيق الله وتسديده لمن جاهد في الله، فلزم طاعته فيما افترضه عليه وما شرع له من الطاعات غير المفروضة حيث يوفق الله كل جوارحه فلا تتحرك ولا تسكن إلا في مرضاته. [راجع فتح الباري (11/344)].
الفرع الثاني: بيان تسديد الله للمجاهدين في قتال العدو، وفي هذا الفرع مسائل:
المسألة الأولى: ذكر أمثلة من غزوة بدر:
المسألة الثانية: تسديد الله للمجاهدين في غزوة أحد
المسألة الثالثة: تسديد للمجاهدين في غزوة الأحزاب:
المسألة الرابعة: تسديد الله للمجاهدين في مقتل مسيلمة
المسألة الخامسة: تسديد الله لمجاهدي الأفغان ضد الغزاة الملحدين
المسألة الأولى: ذكر أمثلة من غزوة بدر: وفي هذه المسألة أربعة أمثلة:
المثال الأول: هدايتهم لذات الشوكة واختيارها لهم.
فقد خرج الرسول صَلى الله عليه وسلم وأصحابه لأخذ عير أبي سفيان التي كانت محملة بالأموال التي جاء بها من الشام، ولكن الله سبحانه وتعالى صرفها عنهم، ووضعهم أمام الأمر الواقع لقتال قريش الذي كان فيه فتحاً مبيناً ونصراً عظيما، وجمع الله لهم فيه بين الغنائم الكثيرة وبين إذلال الكفار وإهانتهم بقتلهم وأسرهم وإرهاب أهل الكفر كلهم بتلك الغزوة، قال تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال:8].
المثال الثاني: إغراء الله المشركين بمواصلة السير إلى بدر
فقد جعل الشيطان يزين لهم عملهم، على الرغم من أن العير التي خرجوا لنجدتها قد نجت، وحض بعض زعماء قريش الناس على الرجوع ما دامت العير قد نجت، أراد الله تعالى أن يقطع دابرهم، فجعل أبا جهل يصر على ورود بدر بفخر وخيلاء ليلقى هو وقومه حتفهم. قال الله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:42].
المثال الثالث: تقليل الله كل فريق من المسلمين والكفار في عين الآخر
أي إن الله تعالى قلل [في أول الأمر] عدد المسلمين، في أعين المشركين، وقلل عدد المشركين في أعين المسلمين، ليغري كل فريق من الطائفتين بقتال الأخرى، و ليحقق نصر أوليائه المؤمنين، وهزيمة أعدائه الكافرين، كما قال تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور} [الأنفال (44)]
ثم كثر عدد المؤمنين في أعين المشركين عند التحام القتال، لينزل الرعب في قلوبهم وينزل بهم الهزيمة النفسية، والاضطراب الذي يجعلهم ينكصون على أعقابهم، وأيدهم بملائكته. قال ابن كثير رحمه الله: "قال مجاهد أراهم الله إياه في منامه قليلا، وأخبر النبي صَلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتا لهم، وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد .. وقوله {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم} أي لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم، ولكن الله سلم أي من ذلك بأن أراكهم قليلا، {إنه عليم بذات الصدور} أي بما تجنه الضمائر وتنطوي عليه الأحشاء، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وقوله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا} وهذا أيضا من لطفه تعالى بهم إذ أراهم إياهم قليلا في رأي العين، فيجرؤهم عليهم ويطمعهم فيهم، قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رَضي الله عنه، قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: لا بل هم مئة، حتى أخذنا رجلا منهم، فسألناه؟ فقال: كنا ألفا .. ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر وقلله في عينه ليطمع فيه، وذلك عند المواجهة.
فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين، بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضِعْفَيْه، كما قال تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين فإن كلا منهما حق وصدق ولله الحمد والمنة" [تفسير القرآن العظيم (2/216)]
المثال الرابع: تسديد الله نبيه لاختيار أسلوب الصف في قتال أعدائه
وهو أسلوب لم تكن العرب تعرفه، وإنما كانوا يعرفون أسلوب الكر والفر وفرق بين الأمرين، فإن أسلوب الصف يمتاز بالانضباط وسيطرة القائد فيه على جيشه وتوجيههم للتقدم والتأخر.. بخلاف أسلوب الكر والفر، فإنه يتسم بالفوضى وعدم الانضباط، وعدم قدرة القائد على السيطرة فيه على جنده. وقد أثنى الله على هذا الأسلوب بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4]. وكان في هذا الأسلوب الذي هدى الله رسوله وجنده المؤمنين، مباغتة للعدو بأسلوب غير معروف لديه، وهو من عوامل النصر.
قال ابن خلدون رحمه الله: "وقتال الزحف أوثق وأشد من قتال الكر والفر، وذلك لأن قتال الزحف ترتب فيه الصفوف وتسوى كما تسوى القداح، أو صفوف الصلاة، ويمشون بصفوفهم إلى العدو قدماً. فلذلك يكون أثبت عند المصارع وأصدق في القتال وأرهب للعدو، لأنه كالحائط الممتد والقصر المشيد لا يطمع في إزالته. وفي التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} أي يشد بعضهم بعضاً بالثبات.،وفي الحديث الكريم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ومن هنا يظهر لك حكمة إيجاب الثبات وتحريم التولي في الزحف، فإن المقصود من الصف في القتال حفظ النظام". [المقدمة ص271]
وقال القائد المؤمن اللواء الركن محمود شيت خطاب رحمه الله: "إن تطبيق الرسول صَلى الله عليه وسلم لأسلوب الصفوف في معركة بدر، عامل مهم من عوامل انتصاره على المشركين، والتاريخ العسكري يحدثنا بأن سر انتصار القادة العظام كالإسكندر وهينبال قديماً، ونابليون ومولتكه ورومل ورونشتد حديثاً، هو أنهم طبقوا أسلوباً جديداً في القتال غير معروف، أو قاتلوا بأسلحة جديدة غير معروفة. [الرسول القائد ص105].
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|