07-10-2015, 05:41 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
(0144) ومن أمثلة إمداد المجاهدين بأسباب النصر غزوة حنين:
قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة:26].
كان عدد المسلمين في هذه المعركة اثني عشر ألفاً: عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار الذين فتح بهم الرسول صَلى الله عليه وسلم مكة، وألفان من الطلقاء من أهل مكة، وقد أثرت هذه الكثرة في نفوسهم، كما ذكر الله: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}.
وعبر عن ذلك أحدهم كما قال الحافظ ابن حجر: "روى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن الربيع بن أنس قال: قال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبي صَلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة". [فتح الباري (8/29)].
ولقد ولىَّ أكثر الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صَلى الله عليه وسلم، في أول المعركة عندما فاجأتهم هوازن فرشقتهم بالنبال، وأصلتوا عليهم السيوف، وحملوا عليهم حملة رجل واحد في غلس الصبح، ولم يبق مع الرسول صَلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل اختلف فيه، فقيل اثنا عشر، وقيل ثمانون، وقيل أقل من مائة..
قال الحافظ ابن حجر: "وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن، قال: لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين". [هكذا هو في الفتح.. وقد راجعت الحديث في متن سنن الترمذي (4/200) بتحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى البابي الحلبي ـ الطبعة الثانية سنة1395هـ فوجدته هكذا: (وإن الفئتين لموليتين) وفيه إشكال، والأصل أن يكون: (لمولون) أو (موليتان) لأنه خبر إن وهو مرفوع، ثم رجعت إلى تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي للمبارك فوري، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة (5/336) فوجدته هكذا: (وإن الفئتين لموليتان) وهو يوافق القاعدة النحوية المشار إليها سابقاً. وقال الشارح: (كذا في النسخ الحاضرة وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح نقلاً عن الترمذي، وفيه: (وإن الناس لمولين) مكان: (وإن الفئتين لموليتان..) أ.هـ. قلت: قال الترمذي عقب سياقه هذا الحديث في المتن المشار إليه سابقاً: (قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث عبيد الله إلا من هذا الوجه). أما لفظه في كتاب تحفة الأحوذي فهو: (هذا حديث حسن صحيح غريب..) بزيادة (صحيح). وقد راجعت الطبعة الهندية فوجدت هذه الزيادة فيها أيضاً..].
وما مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم مائة رجل. وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين.. وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، قال: كنت مع النبي صَلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة... وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين.
وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه ثبت معه اثنا عشر رجلاً، فكأنه أخذ بما ذكره ابن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث، وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن بن أم أيمن ومن المهاجرين أبو بكر وعمر، فهؤلاء تسعة.. وقد تقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم فهؤلاء عشرة ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط... ولعل هذا هو الثبت ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم. [فتح الباري (8/29-30)].
وسواء كان العدد الذي ثبت مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم هو أقل من مائة وأكثر من الثمانين أو كان ثمانين فقط، أو اثني عشر أو عشرة فإن ذلك يدل أن القوة المادية التي حصل الإعجاب بها قد ضعفت وانهزمت.. كما عبر عنها سبحانه وتعالى بقوله: {فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}. فكانت في ميزان النظرة البشرية الصرفة هزيمة، عاقبتها أن يتبع العدو المنتصر الجيش المنهزم، فيقتل من يقتل منه ويأسر من يأسر، وترتفع راية الكفر في هذه المعركة، ويبدأ الناس يفكرون في تجمع قوى الشرك ورفع لوائه لسحق المسلمين.
ولكن الأمر لم يسر على هذا الميزان، وإنما سار على ميزان آخر هو نزول المدد على جيش الإسلام، بعد أن تلقى درساً في إعجابه بكثرته ونسيانه أن النصر الحقيقي ليس بالكثرة العددية ولا بالقوة وإن كانا مطلوبين، وإنما النصر الحقيقي من عند الله وحده. لذلك عقب سبحانه على الإدبار الذي حصل لأصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم بقوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة:26]. عقّب بثم التي فصلت فصلاً كاملاً بين القوة المادية المنهزمة وبين ما منحه الله لحزبه من أسباب النصر الخارقة للأسباب المادية: إنزال السكينة على المجاهدين من عنده، وإنزال الجنود السماوية، وظهر أثر ذلك في الأوبة السريعة، والتلبية العالية والالتفاف العظيم حول رسول الله صَلى الله عليه وسلم، والاستبسال الرفيع والشجاعة النادرة.. كما ظهر في إيصال الحصيات التي رماها رسول الله صَلى الله عليه وسلم إلى وجوه القوم وقال بعدها: (انهزموا ورب محمد)..
ففي حديث العباس بن عبد المطلب رضِي الله عنه قال: "شهدت مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب رسول الله صَلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صَلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي.. فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صَلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صَلى الله عليه وسلم أكفها إرادة ألا تسرع.. وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (أي عباس ناد أصحاب السمرة)..
فقال عباس وكان رجلاً صيتاً فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال:"فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها".. فقالوا: "يا لبيك يا لبيك".. قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر النبي صَلى الله عليه وسلم، وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى إقبالهم. فقال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (هذا حين حمي الوطيس) قال: ثم أخذ رسول الله صَلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه القوم ثم قال: (انهزموا ورب محمد).. قال فذهبت أنظر وإذا القتال على هيئته قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً. [جامع الأصول (8/392) وقال أخرجه مسلم،برقم (1575)].
وفي حديث سلمة بن الأكوع، قال: "غزونا مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم، فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النبي صَلى الله عليه وسلم، فولى صحابة النبي صَلى الله عليه وسلم، وأرجع منهزما، وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله صَلى الله عليه وسلم منهزما، وهو على بغلته الشهباء. فقال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (لقد رأى بن الأكوع فزعا) فلما غشوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم، نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: (شاهت الوجوه) فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل" [صحيح مسلم، برقم (1777)]
كما ظهر ذلك فيما رآه المشركون الذين بعثهم مالك بن عوف رئيس هوازن عيوناً على رسول الله صَلى الله عليه وسلم وأصحابه.. قال ابن إسحاق: "وحدثنا أمية بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان أنه حدث أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم، فقال ويلكم ما شأنكم؟ فقالوا رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد". [السيرة النبوية لابن هشام (2/439)].
إن هذه الأسباب الخارقة للعادة التي كان يمنحها الله حزبه المجاهدين، كان يشاهدها المؤمنون فيزدادون إيماناً ويشاهدها أعداء الله فتملأ قلوبهم رهبة ورعباً، وتجعلهم يفكرون في أمر هذا الدين ثم يدخلون فيه فيزداد المسلمون عزاً ويزداد الكفار قلة وذلاً. قال الحافظ: "ولأحمد وأبي داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين، قال: فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فقال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله) ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفاً من تراب..قال: فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه فهزمهم..! قال يعلى بن عطاء رواية عن أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: "لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه تراباً". [فتح الباري (8/32)].
فقد رأى الصحابة رمي الرسول صَلى الله عليه وسلم التراب في وجوه القوم، وسمعوا دعاءه، ورأوا على أثر ذلك هزيمة الكفار، وأقر المشركون أن التراب الذي رماه الرسول صَلى الله عليه وسلم أصاب عين كل واحد وفمه، فسبحان من أعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
يا سارية الجبل:
لقد تقدمت العلوم المادية الآن، وأصبح من السهل اليسير أن يتصل من في أقصى الأرض بالمشرق، بمن في أقصاها بالمغرب والعكس صحيح، بل يستطيع أن يتصل أهل الأرض بمن صعد من إخوانهم على بعض كواكب السماء كالقمر بالأجهزة غير السلكية.
وأصبح الناس يسمعون صوت البعيد ويرون صورته وهو يتحدث من أي مكان في العالم، هذه الأمور أصبحت من الأمور العادية للناس كلهم. أما أجهزة الحرب فأمرها أعظم من ذلك بكثير. ولكن هذه الأمور قبل هذا العصر كانت من الأمور الخيالية التي لو تحدث عنها أحد لوصفوه بالجنون، فكيف بعصر النبوة والخلافة الراشدة الذي لم يكن فيه أصلاً تفكير في مثل هذه الأمور؟
في هذا الوقت يمنح الله حزبه وسيلة كشف الخطر الآتي من عدوهم، وكشف المكان الذي يجب أن يلجأوا إليه، لأنه أحصن لهم من غيره ويمنحه كذلك إيصال صوت قائدهم الأعلى من المدينة النبوية إلى بلاد فارس، ويجعل ذلك سبباً في نصر جنده وهزيمة عدوه. فقد كان سارية بن زنيم على رأس جيش من المسلمين لمحاربة الفرس عبدة النار، وكان الجيش الكافر عظيماً لو أحاط بسارية وجيشه لأفناهم، وكان جيش سارية في عراء.. فأطلع الله عمر بن الخطاب على ذلك وهو على المنبر يخطب الناس، فأخذ يصيح: يا سارية الجبل ثلاثاً، فوصل صوته إلى الجيش الإسلامي، فأسندوا ظهورهم إلى جبل كان قريباً منهم فنصرهم الله وهزم عدوهم، وهذه من كرامات الله التي أكرم بها أولياءه المجاهدين في سبيله، وهو سبحانه على كل شيء قدير.
قال ابن كثير رحمه الله: "وقال عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان، عن نافع عن ابن عمر أن عمر وجه جيشاً ورأس عليهم رجلاً يقال له سارية، قال: فبينما عمر يخطب، فجعل ينادي يا ساري الجبل، يا ساري الجبل ثلاثاً.. ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا منادياً: يا سارية الجبل ثلاثاً، فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك. وهذا إسناد جيد حسن".. ثم ساق ابن كثير طرقاً أخرى وقال بعد ذلك: "فهذه طرق يشد بعضها بعضاً". [البداية والنهاية (7/130-132)].
قصة العلاء بن الحضرمي:
أفرغت السماء ماءها للمجاهدين واستقبل البحر خيلهم مثل اليابسة.
قال ابن كثير ناقلاً عن البيهقي: "قال: ثم جهز عمر بن الخطاب جيشاً واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، قال أنس: وكنت في غزاته، فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا، فعفوا آثار الماء، والحر شديد، فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين ثم مد يده إلي السماء، وما نرى في السماء شيئاً.. قال: فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحاً وأنشأ سحاباً، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجاً في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج، وقال: يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم الله قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيراً فأصبنا العدو عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج فقال: مثل مقالته فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا - إلى أن قال ابن كثير-: قال البيهقي رحمه الله: وقد روي عن أبي هريرة قصة العلاء بن الحضرمي في استسقائه ومشيهم على الماء... بنحو من هذا. وذكر البخاري في التاريخ لهذه القصة إسناداً آخر. وقد أسنده ابن أبي الدنيا عن أبي كريب عن محمد بن فضيل عن الصلت بن مطر العجلي عن عبد الله بن سهم بن منجاب، قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي، فذكره. [البداية والنهاية (6/155)].
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|