07-05-2015, 11:55 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
(0140)الجهاد في سبيل الله-الباب الرابع: ثمرات إقامة الجهاد و أضرار القعود عنه
وفيه تمهيد و فصلان:
الفصل الأول: ثمرات إقامة الجهاد
الفصل الثاني: أضرار القعود عن الجهاد
تمهيد
سبق أن الجهاد في سبيل الله يعد ضرورة من ضرورات بقاء الأمة الإسلامية ما دام يوجد في الأرض كفر وإيمان.. ووجود الكفر والإيمان في الأرض أمر لازم إلى أن تقوم الساعة. وسبق كذلك أن الجهاد فرض كفاية إذا قامت به طائفة كافية من المسلمين سقط عن الباقين، وأنه في هذا الزمان فرض عين على كل مسلم لعدم قيام طائفة كافية به. وفي الأبواب الثلاثة الماضية ما يقيم الحجة على المسلمين بأن الجهاد ضرورة لا مناص عنها.
وهذا الباب يتضمن زيادة بيان لإقامة هذه الحجة، لأنه يشرح الثمرات الطيبة العظيمة الناتجة عن إقامة الجهاد في سبيل الله، والأضرار الخطيرة المترتبة على القعود عنه.
الفصل الأول ثمرات الجهاد وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: إعزاز المسلمين وإذلال المعتدين.
المبحث الثاني: دخول الناس في دين الله أفواجاً
المبحث الثالث: وحدة صفوف المسلمين.
المبحث الرابع: هداية المجاهدين وتسديدهم
المبحث الخامس: حرص المسلمين على العمل بدينهم وحمايته
المبحث السادس إسعاد الناس بنور الإسلام وعدله ورحمته
المبحث الأول: إعزاز المسلمين وإذلال الكافرين وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: تأهيل الأمة لقيادة البشرية.
الفرع الثاني: إنزال الرعب في قلوبهم الأعداء
الفرع الثالث: ظهور صدق الدعوة للناس.
الفرع الأول: تأهيل الأمة الإسلامية لقيادة البشرية
لا بد للبشر من أمة قائدة، وقيادة البشر يجب أن تكون بيد أمة تتوافر فيها صفات القيادة الرشيدة.. وهذه الصفات هي التي تجعل الأمة التي تتوافر فيها أهلاً للقيادة الرشيدة التي تحقق للناس السعادة في الدنيا والآخرة، وإلا كانت غير أهل للقيادة، وإذا قادت فإن قيادتها للناس تكون وبالاً عليهم وخسارة في الدنيا والآخرة..
ويجمع مؤهلات القيادة الرشيدة صفتان عظيمتان هما:
الأولى: الإيمان بالله المتضمن طاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي..
والثانية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
كما قال سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110].
والجهاد في سبيل الله قمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جرت العادة أن يكون لربان السفينة وأعوانه السيطرة الكاملة على إدارة الركاب وشؤونهم، يحيطونهم بعنايتهم ويدفعون عنهم الأذى ويحرصون على تحقيق كل أمر يؤدي إلى سلامتهم ووصولهم إلى شاطئ السلامة.. فإذا ما أراد بعض ركابها إلحاق الأذى بالركاب، فإن الواجب على ربان السفينة وأعوانه أن يحولوا بينهم وبين إحداث ذلك الأذى، وأن يستعينوا بمن شاءوا من ركاب السفينة لمساعدتهم في القيام بواجبهم.. وإذا لم يقوموا بذلك، فليسوا أهلاً لقيادة تلك السفينة، ويجب على ركاب السفينة أن يخرجوا من بينهم من يقود السفينة، ممن هم أهل لقيادتها وصيانتها ودفع الضرر عن ركابها.. وإلا تعرضوا جميعاً للأذى الذي قد يكون غرق السفينة ومن فيها.
ويظهر هذا جلياً من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: "عن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) [البخاري رقم 2493، فتح الباري (5/132)].
والحديث يشمل الأفراد والجماعات والدول والأمم، ولا توجد أمة على ظهر الأرض تقوم على حدود الله غير الأمة الإسلامية، وجميع الأمم غير الأمة الإسلامية واقعة في حدود الله، أي متعدية لها.
فالأمة الإسلامية هي ربان السفينة، وهي التي يجب أن تمنع الأذى من أن يلحق بركاب السفينة، وهي لا تكون أهلاً لذلك إلا بالإيمان المتضمن للعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فإذا فقدت هذه الأهلية، قاد السفينة غيرها من الأمم التي لا تؤدي قيادتها إلا إلى شقاء البشرية وخسرانها، كما هو الحال في هذا الزمان، وفي كل زمان تولى زمام أمور الناس فيه طغاة الجاهلية والكفر الذين لا يسلمون هذا الزمام لقادة الخير إلا بالجهاد في سبيل الله الذي يحطم عروشهم.
وقال السرخسي رحمه الله: "فأما بيان المعاملة مع المشركين فنقول: الواجب دعاؤهم إلى الدين وقتال الممتنعين منهم من الإجابة، لأن صفة هذه الأمة في الكتب المنزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبها كانوا خير أمة.. قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [المبسوط (10/2) والآية في آل عمران:110].
وقال القرطبي رحمه الله: "قوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم وكان ذلك سبباً لهلاكهم". [الجامع لأحكام القرآن (4/173)].
وقال سيد قطب رحمه الله - وهو يتفيأ ظلال هذه الآية الكريمة: {كنتم خير أمة} وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة لتعرف حقيقتها وقيمتها وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة ولتكون لها القيادة.. بما أنها هي خير أمة، والله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الأرض، ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من أمم الجاهلية، إنما ينبغي دائماً أن تعطي هذه الأممَ مما لديها.. وأن يكون لديها دائما ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة والعلم الصحيح..
هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها، وتحتمه عليها غاية وجودها واجبها أن تكون في الطليعة دائماً وفي مركز القيادة دائماً.. ولهذا المركز تبعاته، فهو لا يؤخذ ادِّعاء ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلاً له، وهي بتصورها الاعتقادي وبنظامها الاجتماعي أهل له.. فيبقى عليها أن تكون بتقدمها العلمي وبعمارتها للأرض - قياماً بحق الخلافة - أهلاً له كذلك. ومن هذا يتبين أن المنهج الذي تقوم عليه هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير ويدفعها إلى السبق في كل مجال، لو أنها تتبعه وتلتزم به وتدرك مقتضياته وتكاليفه. وفي أول مقتضيات هذا المكان أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي خير أمة أخرجت للناس لا عن مجاملة أو محاباة ولا عن مصادفة أو جزاف - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً -. فهو النهوض بتكاليف الأمة الخيرة بكل ما وراء هذه التكاليف من متاعب، وبكل ما في طريقها من أشواك إنه التعرض للشر والتحريض على الخير وصيانة المجتمع من عوامل الفساد وكل هذا متعب وشاق.. ولكنه كذلك ضروري لإقامة المجتمع الصالح وصيانته ولتحقيق الصورة التي يحب الله أن تكون عليها الحياة، ولابد من الإيمان بالله ليوضع الميزان الصحيح للقيم والتعريف الصحيح للمعروف والمنكر فإن اصطلاح الجماعة وحده لا يكفي..
فقد يعم الفساد وتضطرب الموازين وتختل، ولا بد من الرجوع إلى تصور ثابت للخير وللشر وللفضيلة وللرذيلة وللمعروف، والمنكر يستند إلى قاعدة أخرى غير اصطلاح الناس في جيل من الأجيال، وهذا ما يحققه الإيمان". [في ظلال القرآن (1/447)].
وبأخذ الأمة الإسلامية زمام القيادة يوضع كل شيء في نصابه الصحيح.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|