التعامل بالتأمين في بلاد الغرب
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
قبل الدخول في موضوع التأمين يحسُن التعريف به، وهو عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً، أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحدث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك في نظير قسط، أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن[1].
وقد صدرت فتاوى عدة من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وكذلك من المجمع الفقهي الإسلامي بتحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه، فجاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي بشأن التأمين: (تقدَّم أن المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي وبتاريخ 10 شعبان 1398هـ، نظر في موضوع التأمين بأنواعه، بعد مدارسة علمية للبحوث المقدمة في الموضوع، وتداول الرأي بين علمائه قرر بالإجماع – عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا – تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه، سواء أكان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك، وانتهى إلى جواز التأمين التعاوني بالإجماع.
وهكذا انتهى قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي إلى (أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد؛ ولذا فهو حرام شرعاً) [2].
وأما التأمين التعاوني فله صورتان:
الصورة الأولى: تتمثل في صورة تعاون مجموعة من الأشخاص من ذوي حرفة واحدة يتعرضون لنوع من المخاطر؛ فيتعاونون فيما بينهم على التعويض عن أي خطر يقع على أحدهم من اشتراكاتهم.
فهذه الصورة إذا لم يخالطها أمر غير مشروع من الربا ونحوه فهي حلال، وقد صدر بذلك قرار من مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الثاني بالقاهرة عام 1385هـ، ومن المجامع الفقهية الأخرى.
الصورة الثانية: التأمين التعاوني المُرَكَّبُ، وهي أن تقوم شركة متخصصة بأعمال التأمين التعاوني، يكون جميع المستأمنين (حملة الوثائق) مساهمين في هذه الشركة، وتتكون منهم الجمعية العمومية، ثم مجلس الإدارة.
فالأموال تُجمع من المساهمين، وتُصرف في إدارة الشركة، وفي تعويض كل من يقع عليه الضرر، أو يعطى للمستفيد حسب الاتفاق، والباقي يبقى في رصيد الشركة، وقد يُوَزَّعُ منه شيء عليهم، وهذا النوع منتشر في بلاد الغرب وبخاصة في الدول الإسكندنافية[3].
حكم التأمين التعاوني:
أنه حلال من حيث المبدأ؛ لأن الأموال منهم وإليهم، وأن العلاقة بين المساهمين تقوم على التعاون والتبرع، وليس التجارة، والاسترباح من عمليات التأمين، إلا إذا صاحبت هذه الشركات محرمات، مثل: التعامل بالربا.
ومن التأمين التعاوني: نظام المعاشات والضمان الاجتماعي، وتأمين الجمعيات التعاونية.
وقد قرر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف في مؤتمره الثاني عام 1385هـ، بخصوصه ما يلي:
1- التأمين الذي تقوم به جمعيات تعاونية يشترك فيها جميع المستأمنين لتؤدي لأعضائها ما يحتاجون إليه من معونات وخدمات أمرٌ مشروعٌ، وهو من التعاون على البِرِّ.
2- نظامُ المعاشات الحكومي، وما يشبهه من نظام الضمان الجماعي المتبع في بعض الدول، ونظام التأمينات الاجتماعية المتبع في دول أخرى كل هذا من الأعمال الجائزة.
وهذا ما صدر به قرار رقم 9 (9/2) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومن المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهيئة كبار العلماء[4].
سُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول السائل:"الناس في هذه البلاد ملزمون بحكم القانون بتأمين سياراتهم، فإذا وقع لأحدهم حادث، فهل يجوز له أن يصلح سيارته بهذا التأمين؟
الجواب: إذا كانوا ملزمين بأخذ مقابل ما دفع؛ لا زيادة ولا يأخذ الزيادة التي هي قمار، فإذا دفع لهم عشرة آلاف يأخذ عشرة، دفع أربعة يأخذ أربعة، ثلاثة يأخذ ثلاثة، ألفين يأخذ ألفين، والزائد لا يأخذه، وإن أخذها يتصدق بها، يدفعها في وجوه البر للفقراء والمساكين"[5].
وهذا ينطبق على بقية أنواع التأمين الأخرى كالتأمين الصحي والتأمين على الممتلكات وغيرها، فإذا اضطر المسلم لدفع التأمين فإنه يأخذ على قدر ما دفع ولا يزيد. والله أعلم.
[1] الوسيط لعبدالرزاق السنهوري (2 /1087).
[2] مجلة المجمع، العدد الثاني (2 /545).
[3] ولمزيد من التفاصيل يراجع: فقه النوازل للأقليات المسلمة، د. محمد يسري (2 /894-930).
[4] التأمين الإسلامي لعلي القره داغي (ص197) وما بعدها.
[5] مجموع مقالات وفتاوى متنوعة للشيخ عبدالعزيز ابن باز (28 /120).
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك