لبنة بناء في استقبال عام جديد
وائل بن إبراهيم بركات
تسير الحياة، ويتعاقب الليل والنهار، وتمضي الأيام والليالي، والأسابيع والشهور؛ فإذا عام قد مضى، ونقص من عمرنا، بما فيه من أفراح وأحزان، وآلام وأشجان، بما فيه من أعمال وأقوال، وتصرفات وحركات، وصمت وسكنات، وخفايا وأسرار، بما فيه من أحداث وأخبار.
عام مضى لا نستطيع تغييره، ولا تبديله، ولا تجميله؛ فقد ذهب بما حمل من خير أو شر، من عدل أو ظلم، من حرية أو عبودية، من إنسانية أو وحشية!
مضى عام هجري، فكيف قضاه الإنسان؟ وأقبل عام جديد، فكيف يقضيه الإنسان؟
إن إسلامنا منهج حياة، ومنهج بناء وعطاء، ومنهج معرفة وإدراك وفهم للإنسان، الذي ما زال الغرب يتخبط في معرفته وإدراكه وفهمه لذلك الإنسان المجهول، وهذا المنهج ليس محصورًا بزمن محدد، أو بوقت مخصص، بل ممتدٌّ بعمر الإنسان.
ولذا يهتم الإسلام بمنهجه الشامل المتوازن الإيجابي بهذا الزمن المتمثل في عمر الإنسان، أثناء حياته وما بعد حياته.
فالوقت في الإسلام عبادة، وليس مجرد ثقافة استهلاكية، أو نظريات وفلسفات مادية، والإنسان مستأمن على عمره في الدنيا؛ ولذا لا يوجد وقت مستقطع من حياته يسمى: "وقت الفراغ".
فجميع حياة الإنسان عبادة، حتى في منامه ولعبه، وترويحه وسعادته، ولذَّاته وشهواته، وسكونه وحركته، وعمله وقوله، وجِدِّه ومَزْحه، وأكله وشربه، إذا اقترنت بالنية الصالحة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وفي بُضع أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟! فقال: ((أرأيتم لو وضعها في الحرام، كان يكون عليه وزر؟))، قالوا: بلى، قال: ((فكذلك إذا وضعها في الحلال، له الأجر))؛ مسلم (1006).
مضى عام، وأقبل عام، ليس فيه وقت الفراغ بالمفهوم الغربي المادي "الوقت الفائض بعد خصم الوقت المخصص للعمل، والنوم، والضرورات الأخرى، من ساعات اليوم الأربع والعشرين".
فهذا المفهوم يحمل في طياته انعدام الهدف من الحياة، وتدمير الإنسان؛ بإعلاء جانب الجسد على جانب الروح، وطغيان المادية على القيم، وعلو الدنيا على الدِّين.
والإسلام وازَنَ بين متطلبات الجسد وأشواق الروح، وبين المادة والقيم، وبين مقاصد الدنيا والدين، وهذا التوازن هو الذي يبني الإنسان الصالح، فيعيش عامه بالاستخلاف في هذه الأرض، وعمارتها.
فأداء الشعائر التعبدية ليس في مفهومه مجرد ملء جزء من الفراغ، بل هو من صميم الوقت، والترويح عن النفس مهما كان نوعه، وشكله، ولونه العقلي، والنفسي، والبدني، والاجتماعي، ليس في مفهومه مجرد ملء جزء من الفراغ، بل هو من صميم الوقت، وراحة البدن، وقضاء الشهوات ليست في مفهومه مجرد ملء جزء من الفراغ، بل هي من صميم الوقت.
والمتأمل في واقعنا - وللأسف الشديد - يجد أن الأيام تمضي، والليالي تدور، والأعوام تتلاحق، وواقع المسلمين يعيش حالة ضبابية لمفهوم وقت الفراغ؛ فقد أصبحت الأعوام مهدرة، وعبئًا على حركة الفرد والمجتمع إلى الأمام والتقدم والبناء، وأصبح العمر مجرد زمن ضائع، وطاقة استهلاكية تتآكل مع الأيام، دون إنتاج أو تنمية أو إبداع.
ونظرة إلى الأنشطة والبرامج الترفيهية التي يتفاعل معها الإنسان المشاهد في الفضائيات، أو على أرض الواقع، نجد أنها أنشطة وبرامج تهميش للقيم، وتسطيح للأفكار، وتمييع للمفاهيم، وهدر للطاقات، ووسيلة للهدم، وهذا الواقع المؤلم بحاجة إلى إعادة تصحيح لمفهوم عمر الإنسان، ومفهوم الوقت، ومفهوم الفراغ؛ فالمسلم ليس لديه وقت خالٍ، ولا يمكن وجود هذا الوقت الخالي من أمور الدنيا أو الآخرة، كما لا يمكن وجود وقت زائد، فنقتله بالتحرر والانفلات.
عام مضى، وأقبل عام، وعلى الإنسان المسلم أن يضع لبنة بناء، يحاسب نفسه عما مضى، مستشرفًا المستقبل فيما يأتي، واضعًا نُصْبَ عينيه أن أيامه معدودة في هذه الحياة، وتمتد بعد وفاته بما يتركه خلفه من عمل صالح؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علمٍ يُنتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له))؛ مسلم (1631).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك