في الاهتمام بالصلاة
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، عظَّم شأن الصلاة، فقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238].
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، الرؤوف بالمؤمنين، ومع هذا فقد همَّ بتحريقِ بيوت المتخلِّفين عن الصلاة مع الجماعة عليهم، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته المهتدين بهديه، والممتثلين لأمْره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - في أنفسكم وفيمَن تحت أيديكم مِن الأهل والأولاد، فقد تهاون الكثيرُ بالصلاة وقلَّ اهتمامه بها، وأصبح أداؤها على الفراغِ لدَى الكثير من الناس.
ولا شكَّ أنَّ هذه مصيبةٌ عظيمة أن يُصاب العبد في أعزِّ ما لديه وآخِرِ ما يفقد من دِينه وأوَّل ما يُحاسَب به من عمله.
عباد الله:
لقدْ تساهل الكثيرُ بهذا الركن العظيم مِن دِينه، فالبعضُ لا يؤدِّي الصلاةَ المكتوبةَ على وقتها، ولا يقوم على مَن في بيته وتحتَ يده ويأمرهم بأدائها على وقتها، وكثيرٌ مِن الرجال لا يحضر الصلاة مع الجماعة في المساجد إلا النادر، والبعض يحضرها ولكن يترك أبناءَه في البيت لا يأمرهم ولا يوقظهم من نومهم، وإن أمرهم فبرَخاوة وضعْف وعدم اهتمام، ممَّا يجعل الابنَ لا يهتمُّ لقِلَّة اهتمام والده - كل ذلك بدون عذر شرعي.
ونبينا - صلوات الله وسلامه عليه - لم يعذر الأعمى مِن حضور الصلاة مع الجماعة ما دام يسمع النداءَ مع أنَّه ذكر أعذارًا لم يعذرْ بها عن حضور الصلاة.
عباد الله:
إنَّ ظاهرةَ التكاسُل عن الصلاة قد كثُرت وقلَّ الإِنكار في البيوت وخارجها، والله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، وقلَّ الأمر والإِنكار خارجَ البيوت، والله يقول: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 104]، وقد حذَّر الله من عقوباتِ التساكُت والمداهنة، فقال - جلَّ وعلا -: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾[المائدة: 78-79]، وهذا منكَر ظاهر يُخشى من عقوبات التساكُت عليه أن يعمَّ العقاب؛ فالله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].
وفي رواية عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: "أمر الله المؤمنين ألا يقرُّوا المنكَرَ بين ظهرانيهم فيعمّهم العذاب".
وقال ابن مسعود: "ما مِنكم من أحد إلا وهو مشتملٌ على فِتنة، إنَّ الله - تعالى - يقول: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15]، فأيُّكم استعاذ فليستعذ بالله مِن مضلاَّت الفتن".
عباد الله:
اتَّقوا الله في أنفسكم وفيمَن تحت أيديكم ممَّن ولاَّكم الله أمرهم.
اتَّقوا الله في أمَّتكم وبلادكم، تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر قبلَ أن تحُلَّ بكم الفتن كما حلَّت بمن قلبكم، وبمن جاوركم ممَّن أضاع أوامرَ الله وارتكب محارمَه.
اتقوا الله يا عبادَ الله، فقد غرِقتم في بحر الغفلة، وقلَّ إحساسكم بما يحيط بكم مِن شرور وويلات، وفِتن كقطع الليل المظلم، هبُّوا مِن غفلتكم، واستيقظوا مِن رقدتكم، فإنَّ ما شغلتم به لن يكون حصنًا لكم، وما تُبرِّرون به من كلام لن يكون عذرًا لكم، وما وقع فيه غيرُكم من فِتن وويلات لن تكونوا أصبرَ منهم عليه، فإنكم لم تعتادوا إلَّا النِّعم والأمن والأمان، فلا تتسبَّبوا في إزالتها بأعمالكم السيِّئة، مِن ضياع الواجبات وارتكاب المحرَّمات، والتغافل والتخاذل عن إنكار المنكرات.
فقد عمَّت هذه الأمور وطمَّت، وكثر الامساس وقلَّ الإحساس، وأصبح الحديثُ فيها بالتلاوم وترقُّب العقوبة، فنسأل الله السلامةَ في الدنيا والآخرة، كما نسأله - جلَّ وعلا - أن يمنَّ علينا باليقظةِ والانتباه، وأن يرزُقَنا التعاون والتناصح، وأن يرفَع عنا الشرور والفِتن ما ظهَر منها وما بطن، وأن يحمي بلادنا مِن أعدائنا وأعداء دِيننا، وأن يطهِّرها مما يوجب العقوباتِ، إنَّه سميع مجيب.
أعوذ بالله السميع العليم مِن الشيطان الرجيم، قال الله العظيم: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآيات والذِّكْر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كل ذنب فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعْلموا - رحِمكم الله - أنَّ الصلاة عمودُ الإِسلام، وأنَّها في الإِسلام بمنزلة العمود مِن الخيمة، ومتى سقَط العمود سقطتِ الخيمة، فإذا فسدتِ الصلاةُ فسَد سائرُ الأعمال.
وقد عمَّت البلوى بالتهاون بالصلاة، وأصبح الكثير لا يهتمُّ بها، ولا يعمل الأسبابَ للمحافظة عليها، في حين أنَّه لم يهملْ أمور دنياه، فالكثير يُوقِّت الساعة على المنبه ليقومَ في الوقت المحدَّد لأعماله الدنيويَّة ولا يوقتها للقيام للصلاة.
والأهل يُوقِظون الأولادَ للدارسة ويحرِصون ألاَّ يفوتهم الدرس، والكثيرُ لا يُوقِظهم للصلاة في وقتِها، ويُشعر أولادَه بالاهتمام بالدارسة وما يسمُّونه بتأمين مستقبلهم في الحياة، ولا يُشعِرهم بالاهتمام بالصلاة.
إنَّها مصيبةٌ أن يُصاب المسلمون في دِينهم، ويبيع المسلم دِينه بدنياه، إنَّنا لم نلحظِ التهاونَ في أمور الدنيا كما نلاحظه في أمور الدِّين، فالصلاة التي هي صلةٌ بيْن العبد وربِّه قد خفَّ ميزانُها لدَى الكثير مِن المسلمين.
الصلاة التي هي راحةُ المؤمِن الصادق وقرَّة عينه، أصبحتْ ثقيلةً على كثير مِن الناس ممَّن اتَّصف بصفاتِ المنافقين الذين لا يأتون الصلاةَ إلا وهم كُسالَى، إنَّه الشقاوة والحرمان.
فاتقوا الله - يا عباد الله - في صلاتكم، حافِظوا عليها، وتآمَروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، قبل أن يحلَّ بكم ما حلَّ بغيركم ممَّن أضاع أوامر الله.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك