في التحذير من ناقضي العهود ومتسللي الحدود
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله الذي لا يحب الفساد ولا يصلح عمل المفسدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يَهدي القوم الظالمين، ولا يحب المعتدين، وأشهد أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبد الله ورسوله أشدُّ الخَلق غلظة على القوم المجرمين الآثمين، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين؛ حتى اهتدى من اهتدى وهلك من هلك على الكفر المبين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى - وتذكَّروا أنكم في مهلة محدودة، وأنفاس معدودة، ونِعَم محسودة، وأن مردَّكم إلى الله وحده فناظرٌ ما تعملون: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، فاستكثِروا لله تعالى ثناءً وذكرًا، واعملوا له سبحانه شكرًا، ولا تبدِّلوا نعمة الله كفرًا، فتبُوءوا بشؤم ما اقترفتم فإنكم لا تظلمون، ألا وإن الله - تعالى - حثَّ العقلاءَ على الشكر وآذنهم بالمزيد، وتوعَّد الكافرين وتهدَّدهم بالعذاب الشديد: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
عباد الله:
إنكم تتمتعون بنِعَم كبرى، ومِنَن جُلَّى؛ من اعتقاد صحيح، ومنهاج قويم، وشريعة الله - تبارك وتعالى - فيكم ظاهرة، وسنة نبيِّكم -صلى الله عليه وسلم- لديكم معلومة محققة ومعظَّمة، وقد جمعكم الله - جل وعلا، وله الفضل والمنة - على ولاية كريمة لا تألو جهدًا في نصحكم، والسعيِ إلى جلب وتحقيق كل ما ينفعكم ويُسعدكم، والاجتهاد في دفع كل ما يضركم ويُشقيكم، والسعي في إصلاحكم، وسد أبواب الفساد عنكم، وقد ترتب على ذلكم - بحمد الله - اجتماعُ شملكم، ووحدة صفِّكم، وصلاحُ ذات بينكم، وأمنُكم في أوطانكم، وإيصادُ منافذ الفتنة إليكم؛ فاتسعت أرزاقكم، وتوفرت أسباب صحة أبدانكم، وكثرةِ الخير فيكم ومنكم، فاشكروا نعمة الله عليكم إن كنتم إياه تعبدون، واذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 102 - 105].
أيها المسلمون:
إنكم قد ابتُليتم في هذه الأيام بشِرْذمة مجرمة آثمة قد نقضت العهودَ، وتسللت من الحدود، حسدتْكم على النعمة، وأرادت بكم الشرَّ والفتنة، فئة تدين ظاهرًا بالنفاق، وتضمر الردة باتفاق، وتعتقد أن أئمتَها شركاءُ مع الله - تعالى - في خصائصه من علم الغيب، وتدبير الخلق والمُلك واستحقاق العبادة، وتجعل لهم الحقَّ في تغيير الشريعة ورفض السنَّة، وتكذِّب القرآنَ العظيم، وتكفِّر الصحابة الكرام، وتعتقد أنهم شر الخليقة، وتبرأ من عامة أهل الإسلام، وتَدين بتكفيرهم، واستحلالِ حرماتهم، فتجمع بين البراءة من عامة أهل القِبلة، وموالاة جميع أعداء الملة، وقد أثبت التاريخُ بوقائعه وحقائقه أنهم - عبر التاريخ - حُمُرُ اليهود في إفساد عقيدةِ المسلمين، وإثارة الفتنة بينهم، ومطايا النصارى والمشركين في غزو بلاد الإسلام، وإبادة خضراءِ المسلمين، وإيقاع المصائب المُوجِعة، والأحداث المفجعة في بلاد الإسلام، فاعرفوا عدوَّكم، وخذوا حِذْرَكم؛ فإنهم بمثابة الجُرَذ الحقير، الذي إن تُرِك واستُهين به هدَّ السدَّ الكبير، وهل يستهان بشرارة من النار، أم بفئة مجرمة بسابقتها بأنها تفتح من المنافذ على الإسلام وأهله ما استغلق على الكفار؟
معشر المؤمنين:
استعينوا بربِّكم - تبارك وتعالى - وأخلِصوا له واستمسكوا بسنة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - وانتصروا له، واجتمعوا على وليِّ أمركم وأطيعوا له، وإذا جاءكم أمرٌ من الأمن أو الخوف فلا تذيعوا به، بل ردُّوه إلى سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم إلى أولي أمركم، تفقهوه وتعملوا به على الوجه الذي يحبه ربُّكم، فتُرضوه ولا تصغوا إلى المرجفين، ولا إلى أهل الأهواء المنتفعين، ولا إلى شبهات عدوِّكم المبين، ولا المتربصين من ورائه، والمقصودين بولائه، ولا المحاربين للإسلام من أعدائه، بل جاهدوا في الله حقَّ جهادِه، ولينظر أحدُكم سبب نجاته من عذاب ربِّه يوم معادِه؛ فإنكم مستهدَفون في الدين والدنيا، ومقصودون للشقوق والخسارة في العاجلة والأخرى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، ﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 6]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].
ألا وصلُّوا على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- طاعةً لربكم الأعظم الأكرم، وعملاً بسنة نبيِّكم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأخذًا بسببٍ من أسباب النجاة، ونأيًا عن جالبات الفتن المضلات، وحطًّا للوزر، واستزادة من ألوان الأجر.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك