انهزام وقلة ثقة!
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونَستغفِره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن مَن يُقلِّد شخصًا أو أمَّةً في خصْلة، فلا شكَّ في اقتناعه بتميُّز المقلَّد في تلك الخصلة، ومع قلَّة ثِقَة المقلِّد في نفسه، يُبرِّز الانهزام، وقد يطول وقته وتتضاعَف قِلَّة الثِّقة، فلا يصحو المُنهزِم إلا بعد مسافة تكون قد تضاعف فيها شأنُ تلك الخصلة.
ونحن اليومَ في وقت أصبح معظم النظر فيه إلى ما يتعلق بالحياة العاجلة ومَظاهِرها البرَّاقة، ومِن المأسوف له أن مُعظَم المسلمين اليوم أصبح تقليده لأعدائه في القشور انهزاميًّا فيما يختصُّ باللُّبِّ والجوهر، فأعداء الإسلام حينما سبقوا المسلمين في إعداد العدَّة والصناعات المتعدِّدة، وانحلال الأخلاق وممارَسة الرذائل، قلَّدهم معظم المسلمين في القشور والمَفاسِد، وانهزَموا فيما يتعلَّق باللبِّ والجوهر، وإعداد العدَّة التي أمرهم الله بها، وما فيه مصلَحة البشرية.
فإن مصلحة البشر أن تكون القوَّة بأيدي المسلمين؛ لمعرفتهم بوظائفها المأخوذة من كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكن لما عصَوا أمر الله وسبَقهم الأعداء إلى أخْذها، فلا أقلَّ مِن مُنافَسة الأعداء في أخْذها وامتِلاكها؛ للانهزام وقِلَّة الثِّقة في نفوسهم؛ ولهذا نجد الأعداء يُحارِبون مَن يُريد أن يمتلك قوةً تُرهِبه، ويُقاوِمون ذلك بأنواع الوسائل، ويسمُّون مَن يحاول الاستعداد - ولو بالدفاع عن النفس - إرهابيًّا.
إن أطفال الحجارة في فلسطين المقاومين لليهود المُغتصِبين المدجَّجين بأفتك أنواع الأسلحة - يُسمَّون إرهابيِّين، واليهود بالطائرات والدبابات والمدافع الثقيلة يُسمَّون مُدافِعين عن أنفسهم، وعندما تحاول دولة من الدول الإسلامية امتِلاك قوَّة ولو دفاعية تُسمَّى إرهابيةً؛ ولهذا تقاوم أمريكا مَن يَمتلِك قوةً تَفوقها، في حين أن مَن يُمارس الرذيلة من أبناء المسلمين في دول الغرب لا يسمَّى إرهابيًّا؛ لأنهم يُريدون فساده، فهذا من صالحهم؛ لأنه مُقلِّد لهم في الرذائل، ولا خوف منه عليهم؛ وإنما خَوفهم ممَّن يملك قوةً تُنافِسهم وترهبهم.
إن مصيبة المسلمين اليوم في انهزامهم أمام أعدائهم، وعدم الثِّقة في نفوسهم في امتلاك ما يُقاوم أعداءهم ويَنتصر عليهم، فلو رجعوا إلى الله بصدْق، وتأمَّلوا ما في كتاب ربهم وسنَّة وسيرة نبيهم، لعلموا أنهم قد فرَّطوا في كنوزٍ سلبها الأعداء منهم، فالمسلمون ليسوا أقلَّ ذكاًء من الكفار، ولديهم القوة المعنوية من الإيمان بالله الذي لا يقف أمامه أكبر عدو لو صدقوا مع الله.
ولو جمع المسلمون بين القوة المعنوية والقوة الحسِّية التي أُمروا بأخذها، ما فكَّر ولا طمع فيهم عدو، أفلا قلَّد المسلمون الحاضِرون سلفَهم الصالح الذين أخضعوا أكبر الدول في زمانهم مثل دولة الفرس والروم، ونشروا العدل والأمن والاستقرار؟ ففي خصال الخير يَنبغي التقليد.
إن علاقة الدول الإسلامية بغيرها من الدول علاقةُ تبادُل منافع، لا يجوز أن تمسَّ عقيدتهم ولا شريعتهم، والمسلم أكرمه الله بالإيمان، وأعزه بالإسلام، فلا يخضع إلا لله، فعليه أن يتمسَّك بدينه وأخلاقه، ويعتزَّ بذلك، ويَحرِص كل الحرص على أن يفوق غيره في أمور الصناعات والمخترعات التي تكون من أجل صالح البشرية ولا أثر منها على دينه، ويُحافظ على ثرواته وينمِّيها في بلاده، ويوجِد المصانعَ النافِعة لتصنيع ما أنعم الله به عليه من كنوز الأرض التي سال لعاب الأعداء لها، وحسَدوا المسلمين عليها.
إن الله - جلَّ وعلا - قد أنعم على المسلمين في بلادهم بكنوز لم يَعرِفوا قدْرَها؛ ولهذا فإن الأعداء لا يُريدون من المسلمين أن يتعلموا كيف يَستغلونها ولا كيف يستثمرونها، ويُحارِبون المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم؛ لأنهم يُدرِكون أن المسلمين لو استثمروا وحافظوا على ثرواتهم لصالح شعوبهم، لحرَموا الأعداء منها، ولأصبحوا قوةً معنويةً وقوةً حسِّيةً، ولما بَقي لأعدائهم من هذه الثروات إلا فتاتُ الخبز، مع ذلَّتهم كما هي حال أكثر المسلمين اليوم.
فلابدَّ للمسلمين من اليقظة؛ فقد عرفوا العدو على حقيقته، والمؤمن لا يُلدَغ من جحْر مرتين، والسبع الضاري لا يَكتفي بفريسة واحدة ولو شَبِع، فلا بدَّ أن يُفسد القطيع، والمسؤولية اليوم تقع على مَن يملك التصرُّف وإصدار القرار، ومع هذا فلا بدَّ من الحكمة وحسْن التصرُّف، وفي ديننا الحنيف وسيرة نبينا - صلوات الله وسلامه عليه - وصحابتِه الكرام وسلفنا الصالح ما يُنير الطريق، ويمهِّد السُّبُل، ومَن صدَق مع الله سدَّده، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].
أرجو الله أن يعزَّ دينه، ويُعلي كلمته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك