حكم الغناء وأضراره (1)
الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حرّم كل ما ألهى، وشغل عن طاعته، وكان سبباً إلى ارتكاب ما نهى عنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليماً كثيراً.
أَمّا بعد:
عباد الله! اتقوا الله تعالى، وراقبوه، واجعلوا بينكم وبين ما يغضبه وقاية بطاعته سبحانه، قال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[1].
أيها المسلمون:
إن الله - عز وجل - حرّم الغناء بالآلات المحرمة؛ وذلك لأنه من مكائد عدو الله الشيطان التي كاد بها وصاد من قلّ نصيبه من العلم والعمل، والعقل، والدين. فمن الناس من يسمع الغناء المحرم، والمزامير والموسيقى، وهذا لا يليق بعاقل مؤمن، وإنما هو من أعمال الفسّاق الفجّار، والغناء المحرم محرم بالكتاب والسنة، وإجماع أئمة الهدى.
قال الله - سبحانه وتعالى - للشيطان: ﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [2].
قال مجاهد في تفسير الصوت هنا: باللهو والغناء أي استخفهم بذلك[3].
وهذا من مكائد الشيطان.
وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[4].
قال عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه -: ((الغناء، والله الذي لا إله إلاّ هو)) ثلاث مرات، وتبع ابن مسعود: ابن عباس، وجابر، ومجاهد - رضى الله عنهم -[5].
قال الإمام ابن جرير رحمه الله:
((عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله؛ لأن الله تعالى عمّ بقوله: ﴿ لَهْوَ الحَدِيثِ ﴾ ولم يخصص بعضاً دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك))[6].
وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾[7]. قال ابن عباس في السمود: الغناء، وكذا قال عكرمة، ويقال: اسمدي لنا، أي غَنِّي لنا، وهي لغة يمانية[8]، والسمد أيضاً: الغفلة واللهو عن كل شيء، فيدخل في ذلك الغناء.
وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾ [9].
والمكاء: هو الصفير، والتصدية: هي التصفيق[10].
وعن عبد الرحمن بن غنم قال حدثني أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ - رضى الله عنه -، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ))[11].
وعن شَبِيب بن بشر البجلي ، قال: سَمِعْتُ أنس بن مالك - رضى الله عنه - يقول: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ))[12].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى أُمَّتِي: الْخَمْرَ، وَالْمَيْسِرَ، وَالْمِزْرَ[13]، وَالْكُوبَةَ، وَالْغبيراء[14]، وَزَادَنِي صَلَاةَ الْوَتْر))[15].
والكوبة: الطبل الصغير المخصَّر[16].
وعن أَبَي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمُ بالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ))[17].
وقد حذّر من الغناء الصحابة، والتابعون، والأئمة، والعلماء المحققون:
قال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل، وفي رواية الزرع[18].
وقال الإمام مالك: إنما يفعله عندنا الفساق[19].
وقال الإمام أحمد: ((الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني))[20].
وقال عمر بن عبد العزيز في الملاهي: ((بدْؤُها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن))[21].
فيا عباد الله اتقوا الله، وابتعدوا عن الغناء المحرم، وآلات اللهو المحرمة، تفوزوا بطاعة ربكم، وتصلح لكم الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾[22]. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من العلم والحكمة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم،ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن كثيراً من الناس في هذه الأزمان عاشوا على الأغاني، والملاهي المحرمة، والمسلسلات الهابطة، والموسيقى المبعدة عن تعلق القلب بالله تعالى، وبالقرآن الكريم، سواء كانت هذه المحرمات عن طريق الوسائل الإعلامية: المقروءة، أو المسموعة، أو المرئية، أو كانت عن طريق المسجلات، أو الآلات الأخرى، أو عن طريق الإنترنت، فقضوا أوقاتهم على هذه الملاهي، وضيّعوا أبناءهم، وبناتهم، ونساءهم، وأفسدوهم بهذه الأغاني، والملاهي، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله العفو، والعافية في الدنيا والآخرة.
عباد الله:
صلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله تعالى بذلك فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾[23]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مَن صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً"[24]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وارضَ اللهم عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعَنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمرنا، وجميع ولاة أمر المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، وأعذهم من عذاب القبر وعذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الهدى، والتُّقى، والعفاف، والغنى، اللهم اهدنا وسددنا، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾[25].
عباد الله! ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾[26].
المصدر: موقع إسلام هاوس
[1] سورة آل عمران، الآية 102.
[2] سورة الإسراء، الآية: 63- 64.
[3] تفسير ابن كثير، 3/ 50.
[4] سورة لقمان، الآيتان: 6، 7.
[5] جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري، 20/ 127، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 5/ 93.
[6] تفسير الطبري، 20/ 130.
[7] سورة النجم، الآيات: 59 – 61.
[8] تفسير ابن كثير، (ط دار طيبة)، 7/ 468.
[9] سورة الأنفال، الآية: 34.
[10] انظر: تفسير الطبري، 13/ 521.
[11] البخاري معلقاً مجزوماً به، برقم 5590.
[12] مسند البزار، 2/ 363، برقم 7513، والضياء المقدسي في المختارة، 6/ 188، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 714، برقم 427، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 197.
[13] المزر: هو نبيذٌ يُتَّخَذُ من الذُّرَة . وقيل : من الشَّعِير أو الحِنْطَةِ. انظر: النهاية في غريب الأثر، مادة (مزر)، 4 / 688.
[14] الغبيراء: ضَرْبٌ من الشَّراب يتَّخِذه الحَبش من الذُّرَة، وهي تُسكِرُ انظر: النهاية في غريب الأثر، مادة (غبر)، 3/ 630.
[15] أحمد، برقم 6574، وأبو داود، برقم 3685، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، 4/ 283، برقم 1708، وصحيح الجامع الصغير، 1/ 304.
[16] الصحاح للجوهري، مادة (كوب) ص 1015، و هي أيضاً: النَّرْد، وقيل: الطَّبْل، وقيل: البَرْبَط [آلة موسيقية] انظر: النهاية في غريب الأثر، مادة (كوب)، 4 / 381.
[17] ابن ماجه، برقم 4020، وأبو داود، برقم 3688، وصحح إسناده العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 371، وصححه أيضاً ابن القيم.
[18] أخرجه البيهقي، 10/223، وبنحوه أبو داود، برقم 4927، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة، 2/629.
[19] إغاثة اللهفان، 1/ 347.
[20] المصدر السابق، 1/ 451.
[21] أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، ومن طريقه أبو الفرج ابن الجوزي ص 250، وأورده العلامة الألباني في تحريم آلات الطرب، 1 / 120.
[22] سورة الطلاق، الآيتان: 2- 3.
[23] سورة الأحزاب، الآية: 56 .
[24] مسلم، برقم 384 .
[25] سورة البقرة، الآية : 202 .
[26] سورة العنكبوت، الآية: 45.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك