التحذير من أكل الحرام
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
الحمد لله الذي كرم بني آدم ويجعل رزقهم من الطيبات، وسخر لهم ما في الأرض جميعًا وما في السموات، قال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13] أحمده سبحانه على جزيل الفضل والهبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهوية والأسماء والصفات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلى الناس كافة يدعوهم إلى إفراد الله بالعبادات وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بهديه في أفعاله وأقواله والاعتقادات..
أما بعد:
فيا عباد الله.. أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فإنها سبيل النجاة وأحذركم مما حذركم الله منه في محكم الآيات، وحذركم منه رسوله - صلى الله عليه وسلم - من المحرمات والشبهات، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168، 169] في هذه الآية يأمر الله عباده بأن يأكلوا مما أحله لهم مما تخرج الأرض وما خلق عليها من الأنعام ويحذرهم من اتباع خطوات الشيطان ويبن عداوته لهم وخطوات الشيطان ومسالكه وطرقه وما يدعو إليه من الضلال والكفر والإلحاد والجرأة على ما حرم الله من المآكل والمشارب والمناكح، كما قص الله على عباده مقالته الشنيعة لما طرده من رحمته وجعله شيطانًا رجيمًا قال: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17] فهو بخداعه ومكره، وتحويله وأمانيه يخدع الكثير من الناس فيوقعهم في المهالك، أولاً يدعوهم إلى الكفر بالله وما أكثر من استجاب له وكفر بالله وآياته، وأشرك معه غيره في الربوبية والألوهية والعبادة، واتخذ له ولدًا وهو الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فإذا عجز عن ابن آدم أن يشرك بالله حاول أن يوقعه في المعاصي ويزين له الحرام بأنواعه من سفك الدماء وانتهاك الأعراض والسرقة والغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وأكل الحرام وعدم المبالاة في الوقوع بشيء من محارم الله ويعده بالتوبة وعفو الله، فهذا من غروره وأمانيه التي يغوي بها الكثير من الناس، فاحذروه كما حذركم الله منه واعرفوا عداوته التي عرفكم بها مولاكم بقوله: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾ [فاطر: 6]، ولا تغلبنكم نفوسكم فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما شاء الله فتجوروا على ما حرم الله سواء كان من المطعوم أو المشروب أو الملبوس ففي الحديث القدسي "إن كل مال نحلته عبدًا فهو حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحل لهم"[1]، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما تليت هذه الآية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [البقرة: 168] قام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في بطنه أو في جوفه ما يتقبل الله منه عمل أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا النار أولى به)[2].
فيا عباد الله.. نقرأ قول ربنا جل وعلا: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186] ويقول تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]؛ في هاتين الآيتين يأمر الله عباده أن يدعوه ووعدهم بالإجابة وهو لا يخلف الميعاد. ومنذ استحل اليهود فلسطين والمسلمون يدعون الله أن يذلهم ويجعل بأسهم بينهم ونرى أنهم يزدادون قوة وتوسعًا، ونحن نقرأ قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186] ولا نفكر في السبب الذي منع الإجابة، لأن الله لا يخلف الميعاد كما وصف بذلك نفسه وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الله يستجيب لعبده إذا دعاه ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ويقول -صلى الله عليه وسلم- لسعد: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)، ثم أقسم -صلى الله عليه وسلم-: إن الرجل ليقذف اللقمة في جوفه ما يتقبل الله منه أربعين يومًا، ألا نفكر في معنى الحديث الشريف ونتفقد مطاعمنا ومشاربنا أن تكون من الحرام أو بعضها من الحرام، جاء في الأثر: إن الرجل يصلي في الثوب قيمته عشرة دراهم وفيها درهم من الحرام ما يتقبل الله منه صلاته ما دام هذا الثوب عليه، وما أكثر ما نقع فيه من الحرام نستغفر الله ونتوب إليه، فالحلال ما حل في أيدينا إلا ما شاء الله، لا نتورع في بيعنا وشرائنا من الربا والغيبة والغش والكذب ولا نؤدي الأمانة إذا ائتمنا عل شيء من أموال المسلمين ونأخذ أجرتنا وافية ونقدر في العمل وكل هذا لا يخلو من الحرام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فعلينا - عباد الله - أن نحاسب أنفسنا ونتفقد أعمالنا وننقيها مما يفسدها علينا من الحرام، فقد جعل الله لنا مخرجًا لطلب الرزق الحلال وشرع لنا التوبة من الذنوب، ووعدنا بقبولها وهو لا يخلف الميعاد.
عباد الله.. إن الرزق الذي قسمه الله للعبد لابد أن يناله ولكن إذا تورع من الحرام والمشتبه فيه ساقه الله له من طريق الحلال الصافي، وإن غلبته نفسه الأمارة بالسوء وحرص على ذلك دون تورع ولا خوف من الله اكتسبه من طريق غير مشروعة لا تخلو أن تكون من الطرق المحرمة، فإذا اكتسبه من هذه الطرق المحرمة كان وبالًا عليه، إذا أكل منه أو لبس لم يقبل له عمل وإن تصدق منها يقبل؟ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن خلفه وراءه بعد موته كان زاده إلى النار، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وأن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب)[3]. ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده لا يُسْلم أو لا يَسلم عبد حتى يُسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره عوائقه، قالوا: وما عوائقه؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: غشه وظلمه ولا يكسب عبد مالًا حرامًا فيتصدق منه فيقبل ولا ينفق منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السييء بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث)[4].
أيها المسلمون.. إن في هذا الحديث لعبرة وموعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والحمد لله رب العالمين.
[1] مسلم حديث (2865).
[2] المعجم الأوسط حديث (6495).
[3] المستدرك على الصحيحين ح (94).
[4] مسند الإمام أحمد ح (3672).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك