04-13-2023, 09:06 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
حال السلف رحمهم الله مع تلاوة القرآن في رمضان
حال السلف رحمهم الله مع تلاوة القرآن في رمضان
عبدالعزيز أبو يوسف
الحمد لله منزل الفرقان، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فقد اختصَّ الله تعالى شهر رمضان من بين سائر الشهور بأن اختاره لإنزال القرآن العظيم فيه، والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، وقد ورد في السُّنَّة بأنه الشهر الذي كانت الكُتُب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء عليهم السلام؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُنزِلت صُحُف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأُنزِلت التوراة لستٍّ مَضَيْنَ من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلَتْ من رمضان، وأُنْزِل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان))؛ رواه أحمد.
وتلاوةُ القرآن العظيم مستحبةٌ في كل حين، فهي التجارة الرابحة؛ كما قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29] لِمَ لا؟! وكل حرف منه بحسنة، والحسنةُ بعشر أمثالها؛ كما قال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَرَأ حَرْفًا مِنْ كِتاب الله فَلَهُ حَسَنَة، والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِها،لا أقول:الم حَرفٌ؛ولكِنْألِفٌ حَرْفٌ، ولامٌ حَرْفٌ، ومِيمٌ حَرْفٌ))؛ رواه الترمذي، إلا أن الإكثار منها في رمضان كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأُمَّة الصالح، فهو شهر نزوله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيُدارِسه القرآن، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارِسه القرآن، فلرسولُ الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المُرْسلة)؛ رواه البخاري.
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله وغيره أحوال السلف مع كتاب الله تعالى في رمضان، فقال: (كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع منهم قتادة، وبعضهم في كل عشر، وكان بعضهم يختم في العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمةً يقرؤها في غير الصلاة، وكان الإمام مالِك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المُصْحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن)؛ [لطائف المعارف: 318].
وذكر النووي رحمه الله شيئًا من حال السلف مع القرآن في رمضان، فقال: (ينبغي أن يُحافظ على تلاوته، ويُكثر منها، وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون، فجاء عن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثًا، وختم بعضُهم ثماني ختمات؛ أربعًا بالليل وأربعًا بالنهار، فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان، وتميم الداري رضي الله عنهمـا، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والشافعي، وآخرون، ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه؛ [التبيان في آداب حملة القرآن: 59ــــ63].
ولا إشكال في ختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام في رمضان لعدم دخوله في النهي الوارد في ذلك كما قال ابن رجب رحمه الله: (وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأمَّا في الأوقات المفضلة كشهر رمضان أو في الأماكن المفضلة كمكة فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان والمكان)؛ [لطائف المعارف: 319].
هذه نماذج من حرص الأوائل رحمهم الله على تلاوة القرآن عامة وفي رمضان خاصة، والمقصد منها شحذ الهِمَم للتأسِّي بهم، فيا مَنْ رضيت بختمة واحدة كل رمضان أو ختمتين جاهد نفسك، والحق بركب المُشمِّرين التالين لكتاب ربِّهم، واجعل كل رمضان تدركه تزداد فيه عملًا وتلاوةً عمَّا سبقه من رمضان فلا تدري أتدرك رمضان القادم أم لا؟
اللهم ارْزُقنا تلاوة كتابك الكريم آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضي عَنَّا يا رحمان.
__________________
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|