هذا هو السحر
عبد الإله جاورا أبو الخير
الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة؛ أما بعد:
فقد انتشر السحر في المجتمع الإسلامي، حتى اتخذه بعض الجهلة مَفخرة لهم عبر القنوات الفضائية والإذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ ظنًّا منهم أنهم يحسنون صنعًا حسنًا، مع أن الله سبحانه وتعالى طلب منا أن نستعيذ من السحر والسحرة؛ لِما لهما من الخطر والشر على الأمة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ [الفلق: 4].
لذا أحببت أن أسطِّر سطورًا لي ولهم؛ عسى الله أن يهديني وإياهم سبيل الرشاد.
علم السحر:
هو علم خارق للعادة، ومؤذٍ يؤثر بالأقوال والأفعال.
حكم السحر:
أجمع العلماء من السلف والخلف على تحريم السحر بنص القرآن والسنة.
أما في القرآن؛ فيقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102].
بيَّنتْ لنا هذه الآية أن علم السحر كفر وضرر.
وفي السنة النبوية وَرَدَ تحريم السحر في أحاديث كثيرة، واعتبره من الموبقات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))؛ [متفق عليه].
أقسام السحر:
ينقسم السحر إلى قسمين:
1- سحر المحبة: هو أن يقوم بعملية السحر كي يحبه شخص ما أو فئة ما.
2- سحر الإضرار: هو أن يقوم شخص بعملية السحر للتفريق بين المرء وزوجته أو قتل النفس.
الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر:
فقد كان السحر سائدًا في المجتمعات البشرية حتى ظن بعضهم أنه عبادة أو عادة لا يمكن الإنسان العيش دونه؛ لذا كلما جاءتهم الرسل والأنبياء بالمعجزات والآيات، اتهموهم بالسحر؛ فيبرأهم الله مما قالوا فيهم من سحر الأقوال والأفعال؛ قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].
1- المعجزة: أمر خارق للعادة يعطيها الله للرسل والأنبياء.
2- الكرامة: أمر خارق للعادة يعطيها الله للصالحين.
3- السحر: علم خارق للعادة يكون عند المفسدين.
أصل السحر:
إن أول من جاء بفكرة السحر والتخيل والخداع والتمويه هو إبليس لعنة الله عليه؛ حيث خدع أبانا آدم عليـه الصلاة والسلام بأكل الشجرة، وعلَّل بأنه متى أكل هذه الشجرة يخلد في الجنة، ولن يفنى مُلكه ولن يبلى.
قال تعالى حاكيًا على لسانه:
﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].
أضرار السحر:
أضرار السحر لا تعد ولا تُحصى؛ فمنها التفريق بين الزوجين، والوالد وولده، ونشر الفتن بين الأسر أو المجتمع، والقتل أو تخريب الأموال، أو الجنون، أو طرد الشخص من بلده، أو منع الشخص من الرجوع إلى بلده، أو منع الزوج من الوصول إلى زوجته.
حكم الساحر:
إذا كان الله سبحانه وتعالى سمَّى علم السحر كفرًا، فلا شك أن يكون عمل السحر كفرًا.
وقد اختلف العلماء في حكم الساحر على عدة أقوال:
فيرى جمع من العلماء القتل دون استتاب؛ إذ إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بقتل جميع السحرة، ومن يُستتاب أولًا فإن أبى قُتل، ومنهم من يرى أن يرجع إلى ولاة الأمر؛ فإن كان يُقتل قُتل، وإن كان فاعله لا يُقتل ينظر الوالي ما يستحقه.
والرسول صلى الله عليه وسلم عفا عن الساحر الذي سَحَرَهُ؛ وهو لبيد بن الأعصم.
طرق الوقاية من السحر:
السحر حقيقة وموجود في كل المجتمعات إِلَّا المجتمع الذي عصمه الله، ومما يدل على وقوع السحر حديث عائشة رضي الله عنها التي تروي قصة سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ((سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا، وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ؟ قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ))؛ [رواه البخاري ومسلم].
فعلى المسلم أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى، ويؤمن بأن النفع والضر بيد الله سبحانه وتعالى، ويقدِّم الأسباب الواردة في الكتاب والسنة؛ من أذكار الصباح والمساء، وبعد الصلوات الخمسة؛ فسيكون في حفظ الله ورعايته بإذن الله تعالى.
الخاتمة:
على المسلم ألَّا يؤذي أخاه المسلم بقول أو بفعل لا سرًّا ولا جهرًا، ويعلم أن هذه الحياة الدنيا ستفنى، وكلنا نأتي ربنا فردًا فردًا؛ فمن عمل صالحًا يُجزَ به، ومن عمل سيئة فعليه، وليس ربنا بظلام للعبيد.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك