07-19-2015, 02:49 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
(154)الجهاد في سبيل الله-الفصل الثاني: أضرار القعود عن الجهاد
الفصل السابق كان يتحدث عن ثمرات إقامة الجهاد في سبيل الله، وهذا الفصل يتحدث عن أضرار القعود عنه وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: علو الكفار وهيمنتهم.
المبحث الثاني: ذل المسلمين واستضعافهم.
المبحث الثالث: شقاء العالم وفقده السلام.
المبحث الأول: علو الكفار وهيمنتهم
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: إقصاء حكم الله وتمكين حكم الطاغوت.
الثاني: استعباد الناس.
الفرع الثالث: إفساد حياة العالم بالكفر والفسوق والعصيان
الفرع الرابع: استغلال خيرات الأرض لنشر الظلم .
الفرع الأول: إقصاء حكم الله وتمكين حكم الطاغوت
إن قادة الكفر يريدون العلو في الأرض، وحكم الله يحارب هذا العلو، وكان النهي عن العلو في كتاب سليمان إلى ملكة سبأ تالياً لذكر اسم الله تعالي.. كما قال: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل:29-31]
وحكم الله يرفض أي حكم لغيره يخالفه، والطغاة إنما يحكمون بأهوائهم التي هي آلهتهم من دون الله، وأي شيء يخالف أهواءهم تضيق به نفوسهم ويحاربونه حرباً شعواء.. لهذا كان أولَ خطوة يخطونها لتمكين حكم الطاغوت، إقصاءُ حكم الله تعالى بالقوة، ومحاربة من يدعو إليه والقضاء عليهم، فإذا لم يجدوا من يقف في وجوههم بقوة تردعهم وتجبرهم على الخضوع لحكم الله، مكنوا حكم الطاغوت بقوتهم وشددوا في حمايته وحراسته وكانت له الهيمنة في الأرض.. ومن هذا الباب ينبعث الفساد في الأرض، وهو من أعظم أضرار القعود عن الجهاد في سبيل الله.
قال المودودي رحمه الله:"فليس لأحد من بني آدم أن ينصب نفسه ملكاً على الناس ومسيطراً عليهم، يأمرهم بما يشاء وينهاهم عما يريد، ولا جرم أن استقلال فرد من أفراد البشر بالأمر والنهي، من غير أن يكون له سلطان من الملك الأعلى، هو تكبر في أرض الله بغير الحق وعتو عن أمره وطموح إلى مقام الألوهية.. والذين يرضون أمثال هؤلاء الطواغيت لهم ملوكاً وأمراء، إنما يشركونهم بالله وذلك مبعث الفساد في الأرض ومنه تنفجر ينابيع الشر والطغيان". [الجهاد في سبيل الله ص23 طبع الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية ـ الطبعة الثانية].
الفرع الثاني: استعباد الناس
إن إقصاء حكم الله تعالى، وذلك يكون بإقصاء منهجه الذي تضمنه كتابه وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، يتبعه حتماً استعباد الطبقة الحاكمة عامة الناس، لأنها تحكم الناس بأهوائها وتنفذ فيهم رغباتها وشهواتها. وقد قالها طاغية مصر فرعون الأول قولاً صريحاً لا غموض فيه، عندما دعاه موسى عليه السلام إلى الله.. كما حكى الله تعالى عنه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:15-24].
وليس من شرط هذا الاستعباد أن يكون دائماً بهذه الصراحة، وبالقوة المادية كسل السيوف على الرؤوس ونحو ذلك مما فعله فرعون بل يكون بذلك و بوضع الأنظمة والقوانين التي يضعها فرد أو جماعة أو دولة من البشر يخضع لها عامة الناس، وهي تخالف حكم الله، فإن ذلك استعباد من ذلك الفرد أو تلك الجماعة أو هذه الدولة لمن انصاع لأنظمتها وقوانينها.
ألا ترى أن الله سبحانه قرن عبادة المسيح عليه السلام، وطاعة من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله من الأحبار والرهبان، وجعل الأمرين من اتخاذ أرباب من دون الله.. قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31].
روى ابن جرير بسنده عن عدي بن حاتم قال: "أتيت رسول الله صَلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: (يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك). قال: فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة، فقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.. قال: قلت يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم، فقال صَلى الله عليه وسلم: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟). قال: قلت: بلى.. قال: (فتلك عبادتهم…). [راجع جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبير رحمه الله(10/114)].
وقال سيد قطب رحمه الله: "إن النص القرآني يسوي في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون الله، بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوهم واتبعوهم.. وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح وقدموا إليه الشعائر في العبادة.. فهذه كتلك سواء في اعتبار فاعلها مشركاً بالله الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين". [في ظلال القرآن (10/1642)]
قلت: وسبب التسوية يعود إلى أمرين: الأمر الأول: أن التحليل والتحريم من حق الله في الشعائر التعبدية.. فإذا اعتقد أن لأحد الحق أن يحل ما حرم الله، أو يحرم ما أحل الله فإنه يكون بذلك مشركاً..
والجهاد في سبيل الله شرع لإعلاء كلمة الله وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، والقعود عنه يجعل الناس يستعبد بعضهم بعضاً وهو من أعظم أضرار القعود عن الجهاد في سبيل الله. ولعل استتعباد الطغاة الظلمة للناس قد بلغ مداه في هذا العصر الذي تخلى فيه المسلمون عن الجهاد في سبيل الله، بل كثير منهم أبعدوا أحكام الله التي أُنزِل بها القرآن وكثير منها من أصول الإسلام أبعدوها وحرموا شعوبهم بالتمتع بها، ليستعبدوا تلك الشعوب، من دون الله، وليكونوا هم عبيداً لطغاة الكفر خارج تلك الشعوب، فاتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|