07-18-2015, 12:53 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
(152)الجهاد في سبيل الله-المسألة الثانية: تسديد الله للمجاهدين في غزوة أحد
في الحلقة الماضية ع رفنا كيف سدد الله الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه المجاهدين، في بدر
إن ما أصاب المسلمين يوم أحد من الفشل والهزيمة الظاهرة للمشركين، جعل أبا سفيان وقومه يختالون ويحسون بنشوة النصر، وأدبروا وهم يظنون أن قد حققوا مرادهم من كسر شوكة الإسلام والمسلمين، ولو أنهم استمروا على هذا الاعتقاد إلى أن يصلوا مكة، لربما أخذوا يعدون العدة لجولة قادمة سريعة، لا بل إنهم فكروا وهم في الطريق أن يعودوا لاستئصال المسلمين والقضاء عليهم.
ولكن الله تعالى هدى رسوله والمؤمنين وسددهم للقضاء على نشوة النصر التي ذهب بها المشركون من غزوة أحد، فانتدب صَلى الله عليه وسلم ممن حضر غزوة أحد سبعين للخروج في أثر المشركين، لإشعارهم بأن المسلمين لازالوا أقوياء قادرين على مواصلة الجهاد في سبيل الله، كما في حديث عائشة رَضي الله عنها: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:172]. قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في أثرهم)، فانتدب منهم سبعون رجلاً، قال كان منهم أبو بكر والزبير". [البخاري رقم 4077 فتح الباري (7/373) والآية من سورة آل عمران: 172].
قال الحافظ: نقلاً عن ابن إسحاق: "وإنما خرج مرهباً للعدو وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم، فلما بلغ حمراء الأسد لقيه سعيد بن أبي معبد الخزاعي فيما حدثني عبد الله بن أبي بكر فعزاه بمصاب أصحابه، فأعلمه أنه لقي أبا سفيان ومن معه وهم بالروحاء، وقد تلوموا في أنفسهم وقالوا: أصبنا جل أصحاب محمد وأشرافهم وانصرفنا قبل أن نستأصلهم، وهموا بالعودة إلى المدينة، فأخبرهم معبد أن محمداً قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله ممن تخلف عنه بالمدينة، قال فثناهم ذلك عن رأيهم فرجعوا إلى مكة". [الفتح (7/373) وراجع ما سبق من هذا الجزء].
المسألة الثالثة: تسديد الله للمجاهدين في غزوة الأحزاب، وفيها مثالان:
المثال الأول: حفر الخندق:
كان من تسديد الله لرسوله صَلى الله عليه وسلم وصحبه، أن وفقهم لحفر الخندق شمال المدينة، الجهة المكشوفة منها التي قصدها المشركون فعلاً، وكان ذلك بإشارة من سلمان الفارسي رضِي الله عنه. وقد فوجئ المشركون بذلك، لأنهم لم يكونوا يعرفونه، فهو أسلوب حرب جديد كان من أهم عوامل نصر الله لحزبه. [راجع السيرة النبوية لابن هشام (2/216-224)].
قال اللواء الركن محمود شيث خطاب: "لقد كان حفر الخندق مباغتة تامة للأحزاب، فلم تكن العرب تعرف هذا الأسلوب، كما لم تكن تعرف أسلوب القتال المناسب للتغلب على مثل هذا الموقف، لذلك بقي القتال مستكناً طول مدة الحصار، عدا محاولات قليلة قام بها المشركون لمحاولة اجتياز الخندق باءت كلها بالفشل". [الرسول القائد ص225].
المثال الثاني: قصة نعيم الذي أسلم لتوه.
فقد هداه الله لإشعال نار الفتنة بين المشركين من قريش وغطفان من جهة، وبين بني قريظة الذين كانوا نقضوا عهد الرسول صَلى الله عليه وسلم وغدروا به من جهة أخرى. [راجع السيرة النبوية لابن هشام (2/229) وقد مضى ذكر قصة نعيم في فصل صفات المجاهدين في هذا الجزء..].
المسألة الرابعة: تسديد الله للمجاهدين في مقتل مسيلمة
ونذكر فيها مثالا واحدا:
اشتد القتال بين خالد قائد جيش المسلمين، ومسيلمة الكذاب حتى لجأ هو وقومه إلى حديقة الموت التي أغلقوها على أنفسهم، فهدى الله البراء بن مالك إلى أسلوبٍ فتح الله به على حزبه، حيث قال رضيَ الله عنه: "يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة، فاحتملوه فوق الجحف ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة لعنه الله.. فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم - قاتل حمزة - فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشه فضربه بالسيف فسقط". [البداية والنهاية (6/323-327)]. ولو لم يوفق الله البراء للتفكير في هذا الأسلوب وللشجاعة في تنفيذه لاحتاجوا إلى البقاء مدة طويلة لحصار من في الحديقة الذين بلغ من قتل منهم فيها قريباً من عشرة آلاف مقاتل.
المسألة الخامسة: تسديد الله للمجاهدي في عصرنا، وفيه مثالان:
المثال الأول: انتصار المجاهدين الأفغان -برغم اختلاف قادتهم- ونصرة شباب الإسلام لهم، الذين توافدوا لجهاد المحتل من كل بلد في الأرض لجهاد الاتحاد السوفييتي الذي احتل بجيوشه الجرارة الأرضية والجوية الشعب الأفغاني، وكفاهم تسديداً من ربهم صمودهم أكثر من أربع سنوات أمام الغزو الروسي ذي الإمكانات المادية الهائلة مع قلة إمكانات المجاهدين المادية. وقد خرج يجر أذيال هزيمته كما عرف ذلك العالم كله، وكانت خسائره في الأرواح والعتاد والأموال فادحة، سقط بعد تلك الهزيمة سقوطا مدويا، ولم يعد يكتب للفظ "الاتحاد السوفييتي" يسجل إلا في مناسبات تاريخية.
وكنا نود أن ينصر الله قادة المجاهدين على أنفسهم -بعد أن نصرهم على عدوهم-فيجمع كلمتهم على الحق ويخزي المتآمرين عليهم في الداخل والخارج، -ولكنهم مع شديد أسف المسلمين - {تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً} فأذهب الله ريحهم، حتى هيأ الله للشعب الأفغاني المسلم، فئة من طلابه الذين أجمعوا أمرهم على إزاحة المختلفين، وجمعوا شمله تحت راية الإسلام، وأقاموا دولتهم في فترة وجيزة، استتب بعدها الأمن واجتمع الشمل، مع قلة خبرتهم في االسياسة والإدارة، وتقصير غير متعمد في الاجتهاد الشرعي.
المثال الثاني: الغزو الصليبي الجديد لكل من أفغانستان والعراق الذي تولى كبره قادة البيت الأبيض وبمؤامرة وتخطيط ماكرين، كونوا له حلفا عالميا، ضم إليه بعض حكومات الشعوب الإسلامية، لإسقاط الدولة الإسلامية الوليدة التي أقامها طلبة العلم "طالبان" وانضوت تحت رايتها غالب الولايات الأفغانية، وتم لهم إسقاطها إداريا، ولكن قادة طالبان وقفوا للغزو الجديد موقفا صلبا، استوطنوا له قمم الجبال، وبطون الأودية، وزلزلوا أقدام الغزاة الأقوياء ماديا، وأرسلوا لهم نعوش الجنود المعتدين تباعا، وكلفوهم من الخسائر المالية والاقتصادية والهزائم النفسية، ما جعلهم يرفعون الراية البيضاء، بعد خمسة عشر عاما من سنة 2001 إلى 2015، ليسحبوا جيوشهم مستسلمين للعمائم الطلابية التي كان يرعبهم منظهرها حين تطل عليهم فوق رؤوس رجال الإيمان والجهاد في سبيل الله، الذين اتهموهم بأنهم إرهابيون، وهم -فعلا-إرهابيون شرعيون، لأنهم لم يعتدوا على أحد في خارج بلادهم، بل اعتدى عليهم أعداء الله في بلادهم بالقتل والسجن والتعذيب والنفي، وإنما نفذوا أمر الله لهم ولأمثالهم في الدفاع عن دينهم ووطنهم، وضرورات حياتهم، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)} [الأنفال]
أما العراق فقد نجح الصليبيون وحلفاؤهم -بما فيهم بعض حكومات الشعوب الإسلامية- في تحطيمه، والقضاء على دولته، وتفكيك جيشه الذي أرعب اليهود أكثر من جميع الجيوش العربية، وفصلو هذا البلد من محيطه العربي وسلموه لقمة سائغة لطائفة واحدة من مواطنيه، تدين بالولاء لدولة أجنبية تعادي عامة الشعوب الإسلامية التي تنتسب للسنة، وتطمع في الاستيلاء على العواصم الإسلامية السنية، وقد نجحت في بعضها وخاصة في العراق، وهي تستعد لغيرها.
ولكن الإمبراطورية الصليبية الجديدة، نالت من الخسائر المعنوية والبشرية والمادية في العراق بما فيها المال والاقتصاد، ما نالته في أفغانستان، وقد خرجت راغمة مهزومة بعد أكثر من عشر سنوات، من سنة 203 إلى 2014بعد أن تركت العراق مقسما إلى طوائف متحاربة، من مواطنيه ومن غير مواطنيه، من أهل حق أو باطل، ولا زالت هي وحلفاؤها يواجهون فيه ما يلحق بهم الهزائم، برغم قواتهم المادية التي لا زالوا يقتلون بها كثيرا من الآمنين من المواطنين ويهجرونهم من ديارهم، ولا نريد التطرق إلى ما تقوم به الإدارة الأمريكية في البلدان الإسلامية، وبخاصة العربية منها التي جعلت بعضهم يقتل بعضا، بتخطيطاتها التي تريد من ورائها تقسيم هذه الدول المقسمة -أصلا-لتضعفها وتقوي ربيبتها اليهودية في المنطقة، وكل الناس يعرفون تلك التخطيطات وأهدافها، ولكن الله لها ولحلفائها بالمرصاد: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [الأنفال]
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|