04-01-2016, 12:27 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
خطبة عن العفة
العفة وفضلها وبعض أنواعها تعريف العفة:قال الكفويّ: العفّة هي الكفّ عمّا لا يحلّ[1]
من أنواع العفة: العفة عن الزنا والنساء التي لا تحل:
1ـ أمر الله عباده بالعفة عن الحرام حتى يرزقهم الله الزواج, قال تعالى :{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ...}
قال الشيخ السعدي: أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وقوله: {الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا}.[2]
بل وأمر الله بغض البصر, قال تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...}
2ــ العفة عن الحرام سبب للنجاة من النار, قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة أعين لا تمسهم النار عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين عفت عن محارم الله)).
3ــ العفيف من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة: ففي الحديث سبعة يظلهم الله في ظله ــ وذكر منهم ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله...}
4- إعانة الله لمن أراد العفاف: يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ ثلاثة حق على الله عونهم الناكح الذي يريد العفاف والمكاتب الذي يريد الأداء - أي العبد الذي يريد أن يحرر رقبته ببذل مقدار من المال يكاتب عليه سيده - والغازي في سبيل الله} وهو حسن, وقد أخرجه أحمد والنسائي والترمذي.
5ــ العفة سبب لدخول الجنة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي مابين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" (رواه البخاري (6474).
فحين تعف نفسك عن الحرام وتحفظ جوارحك ينطبق عليك وعد الله تبارك وتعالى، ووعد المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى باستحقاق الجنة وضمانها. فهل لديك مطلب أغلى من الجنة.
6ــ جعل الله من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة: التعفف عن الحرام قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ}.
7ــ وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يرزقه العفة, فقد كان يقول: "اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقى والعفاف والغنى"
من أهل العفة: سيدنا يوسف عليه السلام: قال تعالى:{وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ}.
عوامل إغراء سيدنا يوسف عليه السلام بامرأة العزيز
أما عوامل الإغراء: فنحن عندما نتأمل هذه القصة وحتى نعرف الثبات الذي ثبته يوسف عليه السلام، وحتى نعرف كيف كان هذا ابتلاءً لنبي الله لا بد أن نتصور ونعيش جو القصة ونتصور عوامل الإغراء والإثارة التي كانت موجودة لدى يوسف عليه السلام، وقد أشار الحافظ ابن القيم رحمه الله إلى عدة أمور أوصلها إلى ثلاثة عشر كلها كانت وسائل تغري وتثير وتهيج الفتنة لدى يوسف عليه السلام في مثل هذا الموقف.
أولها: العامل الطبعي، يعني: أن الرجل يميل إلى المرأة أصلاً، وكل الرجال -إلا من شذ- عنده هذه الشهوة.
العامل الثاني: كونه شاباً، ولا شك أن الشهوة عند الشاب تكون أكثر توقداً منه عند غيره، ومع زيادة الشهوة عنده فقدرته على ضبط نفسه وعلى الانتصار على نفسه أقل من قدرة غيره، ومن هنا تكون الصعوبة أكثر.
العامل الثالث: أنه كان أعزب لم يتزوج بعد، فإنه أكثر عرضة للوقوع في المعصية من غيره.
العامل الرابع: كونه في بلد غربة، فالإنسان عندما يكون غريباً بعيداً عن أهله فإن هذا يدعوه أن يمارس ما يمارس خاصة عندما يتركهم وهو في سن الطفولة، فليس هناك وازع يمنعه.
العامل الخامس: أن المرأة ذات منصب وجمال، أما كونه ذات منصب فهذا واضح، وأما كونها ذات جمال فقال رحمه الله: إن العادة في مثل العزيز أن لا يتزوج إلا امرأة ذات جمال.
العامل السادس: كونها غير ممتنعة ولا أبية، فإن مما يصد المرء أحياناً عن مواقعة المعصية أن تتمنع المرأة وتأبى، وهي هنا غير ممتنعة.
العامل السابع: أنها طلبت وأرادت وراودت وبذلت الجهد فكفته مؤنة الطلب وبذل الرغبة، فهي الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب فيه.
فحينئذ حتى ولو كان الشاب ليس لديه رغبة ابتداءً فإن مثل هذا الموقف يثير الرغبة لديه.
العامل الثامن: أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها، بحيث يخشى أذاها إن لم يطاوعها فاجتمع له الرغبة والرهبة.
العامل التاسع: أنه لا يخشى أن تنم عليه لأنها الراغبة.
العامل العاشر: قربه منها وكونه مملوكاً لها مما يورث طول الأنس.
فهو مملوك يقابلها كل يوم ويلقاها ويخدمها ويدخل عليها في أحوال لا يدخل عليها فيها غيره، بل لا شك أن هذا يدعوه إلى أن يرى منها ما لا يرى منها غيره وهذا يكون أدعى إلى أن تثور لديه الرغبة، بخلاف من يلتقي بفتاة لأول مرة أو يرى صورة عارية لأول مرة.
العامل الحادي عشر: استعانتها بأئمة المكر والاحتيال وهن النساء، فإن النساء عندما كدنها: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} [يوسف:30 - 31] فهي هنا استعانت عليه بالنساء وهن أئمة المكر والاحتيال.[3]
ومن أهل العفة أحد الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار: وَقَالَ الْآخَرُ: اللهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَجِئْتُهَا بِهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، فَفَرَجَ لَهُمْ.
ومن أهل العفة الكفل: فعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث حديثا لو لم أسمعه إلّا مرّة أو مرّتين حتّى عدّ سبع مرّات ما حدّثت به ولكن سمعته أكثر من ذلك، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها، فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت. فقال: ما يبكيك؟
قالت: لأنّ هذا عمل ما عملته، وما حملني عليه إلّا الحاجة. فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله تعالى، فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله لا أعصيه بعدها أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إنّ الله قد غفر للكفل. فعجب النّاس من ذلك" )
ومن أهل العفة: إبراهيم المسكي, قيل لأبي بكر المسكي: إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام، فما سببه؟
فقال: والله لي سنين عديدة لم أستعمل المسك، ولكن سبب ذلك أن امرأة احتالت عليّ حتى أدخلتني دارها، وأغلقت دوني الأبواب، وراودتني عن نفسي، فتحيرت في أمري، فضاقت بي الحيل، فقلت لها: إن لي حاجة إلى الطهارة، فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة، ففعلت.
فلما دخلت بيت الراحة أخذت العذرة، وألقيتها على جسمي، ثم رجعت إليها، وأنا على تلك الحالة، فلما رأتني دهشت، ئم أمرت بإخراجي فمضيت واغتسلت.
فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائلا يقول لي: "فعلت ما لم يفعله أحد غيرك، لأطيبن ريحك في الدنيا والآخرة" فأصبحت والمسك يفوح مني، واستمر ذلك إلى الآن.[4]
الربيع بن خثيم كان يغض بصره فمر به نسوة، فأطرق حتى ظن النسوة أنه أعمى، وأمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم فلعلها تفتنه، وجعلوا لها إن فعلت ألف درهم -عصابات- فلبست أحسن ما قدرت عليه وتطيبت، ثم تعرضت له حين خرج من المسجد، فأسفرت عن وجهها، فراعه ذلك المنظر، فقال لها الربيع: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو قد ساءلك منكر ونكير؟ فصرخت صرخةً سقطت مغشياً عليها، فوالله لقد أفاقت يوم أفاقت فبلغت من العبادة حتى ماتت يوم ماتت وإنها لجذع محترق، أثرت فيها الموعظة.[5]
عطاء بن يسار فقد خرج مع أخيه سليمان بن يسار ومع أصحابهما من المدينة، ونزلوا بـ الأبواء وضربوا الخيام، وكان هناك امرأة من الأعراب جميلة أرادت أن تفتن عطاء بن يسار الزاهد العابد، فدخلت عليه في خيمته لما ذهب أصحابه وبقي وحيداً، وكان في صلاة، فأوجز لأنه ظنها محتاجة، ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم.
قال: ما هي.
قالت: قم فأصب مني، وقد تقت ولا بعل لي.
قال: إليك عني لا تحرقيني ونفسك بالنار.
وجعل يبكي، وغشي عليه من البكاء، فرأت المرأة الرجل يبكي فتأثرت من هذا الذي وعظها وجلست تبكي، والرجل يبكي وهي تبكي، فجاء أخوه سليمان بن يسار فوجد الاثنين يبكيان ولا يدري ما القضية، فغلبته نفسه فتأثر وانخرط في البكاء، وجاء بقية أصحابهما، ودخلوا الخيمة، فرأوا عطاء يبكي، وسليمان يبكي، والمرأة تبكي، فتأثروا من المشهد، ولا يدرون ما القصة، فانخرطوا جميعاً في البكاء، وجلس الجميع يبكون ولا يدرون ما القضية! إلى أن سكنوا وهدءوا فقامت المرأة وانسحبت، وقام أولئك وانسحبوا، وآوى كل إلى فراشه تهيب سليمان أن يسأل أخاه عطاء ما السبب، ومضت الأيام، وسافرا إلى مصر، فلما ناما ليلةً بـ مصر في غرفة واحدة استيقظ عطاء يبكي، فقام سليمان على بكاء أخيه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ فاشتد بكاؤه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة.
قال: وما هي؟ فأصر عليه حتى يخبره بها، فأخذ عليه عهداً من الله ألا يحدث بها في حياته، قال: رأيت يوسف النبي في النوم، فجعلت أنظر إليه، فلما رأيت حسنه بكيت -في المنام- فنظر إلي وقال: ما يبكيك أيها الرجل؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز، وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن، وفرقة يعقوب، فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه.
فقال له في المنام: فهلا تعجبت من صاحب المرأة البدوية بـ الأبواء؟ -يقول له في المنام- فعرفت الذي أراد، فبكيت واستيقظت باكياً.
وقص عليه قصة المرأة التي كانت بـ الأبواء؛ وحفظ سليمان السر، ولما مات عطاء نشره، فكانت القصة مشهورة في المدينة.[6]
ومن أنواع العفة: عفة اللسان عن الكلام في أعراض المسلمين:
1ــ علامة المسلم الحق عفة لسانه عن المسلمين:فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)).
وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: قل ربي الله ثم استقم قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا.
2ــ عفة اللسان سبب للنجاة يوم القيامة: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: "إنّ المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار" )
3ــ عفة اللسان سبب لدخول الجنة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي مابين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" (رواه البخاري (6474).
موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (1/ 276)
قال سفيان بن حسين الواسطي: ذكرت رجلا بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي وقال: أغزوت الروم؟ قلت: لا، قال: السند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفسلم منك الروم والسند والهند والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم؟! قال: فلم أعد بعدها (يعني لم يذكر أحدا بعد ذلك بعيب).
قال أحد السلف لما أراد أن يطلق زوجته لأمر ما، فقيل له: ما يسؤك منها؟ قال: أنا لا أهتك ستر زوجتي، ثم طلقها بعد ذلك، فقيل له: فلم طلقتها؟ قال: مالي وللكلام عن امرأة صارت أجنبية عني؟!
ومن أنواع العفة : العفة عن مال المسلمين
1ــ من أفضل أخلاق المسلم العفة عن المال الحرام: قال النبي صلى الله عليه وسلم أهل العفة فعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدّنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة).
2ــ العفة عن المال الحرام سبب لدخول الجنة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن من صفات أهل الجنة العفة: قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف ذو عيال.
3ــ مدح الله الفقراء المتعففين, وأرشد المتصدقين إليهم, قال تعالى: {مدح الله الفقراء وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} يعني أنه ينبغي أن تتحروا بصدقاتكم الفقراء، الذين حبسوا أنفسهم في سبيل الله، وعلى طاعته، وليس لهم إرادة في الاكتساب، أو ليس لهم قدرة عليه، وهم يتعففون، إذا رآهم الجاهل ظن أنهم أغنياء {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} فهم لا يسألون بالكلية، وإن سألوا اضطرارا، لم يلحفوا في السؤال.[7]
هؤلاء لا يسألوا الناس ولو كانوا بحاجة للمال, ولو سألوا لا يلحون, أين هؤلاء من الذين لا يحتاجون للمال وإن سألوا ألحوا في السؤال.
4ــ التعفف عن مال المسلمين واجب, فلا يحل للمسلم أن يسأل أموال المسلمين إلا للضرورة: فعنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا "[8] وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدّق به، ويستغني به من النّاس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه.
5ــ التعفف والبعد عن سؤال الناس سبب للغنى : فعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: "إنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم. حتّى إذا نفد ما عنده. قال: "ما يكن عندي من خير فلن أدّخره عنكم. ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله.ومن يصبر يصبّره الله. وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصّبر"
ومن المتعففين عن أموال المسلمين أحد الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار: ففي الحديث: وقال الاخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ "6" ، فلمّا قضى عمله قال: اللهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي، قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا، فَخُذْهَا فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ، فَفَرَجَ اللهُ مَا بَقِيَ.
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (7/ 2886)
(لمّا فتح المسلمون القادسيّة أخذوا الغنائم ودفعوها إلى عمر. فقال: "إنّ قوما أدّوا هذا لأمناء، فقالوا له: عففت فعفّوا ولو رتعت يا أمير المؤمنين لرتعت أمّتك" )
وفي حديث المفلس: ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته.
أبو هريرة رضى الله عنه
عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - قال: إن كنت لأتبع الرجل أسأله عن الآية من كتاب الله، لأنا أعلم بها منه ومن عشيرته، وما أتبعه إلا ليطعمني القبضة من التمر أو السفة من السويق أو الدقيق أسد بها جوعي. وعن أبي رافع أن أبا هريرة قال: ما أحد من الناس يهدي لي هدية إلا قبلتها، فأما أن أسأل فلم أكن لأسأل.
عمر بن عبد العزيز
أتت عمة عمر بن عبد العزيز إلى امرأته فاطمة، فقالت: إني أريد كلام أمير المؤمنين.
قالت لها: اجلسي حتى يفرغ، فجلست، فإذا بغلام قد أتى فأخذ سراجا، فقالت لها فاطمة: إن كنت تريدينه فالآن، فإنه إذا كان في حوائج العامة كتب على الشمع، وإذا صار إلى حاجة نفسه دعا بسراجه.
فقامت، فدخلت عليه، فإذا بين يديه أقراص وشيء من ملح، وزيت، وهو يتعشى، فقالت: يا أمير المؤمنين أتيت بحاجة لي، ثم رأيت أن أبدأ بك قبل حاجتي،.
قال: وما ذاك يا عمة؟
قالت: لو اتخذت لك طعاما ألين من هذا.
قال: ليس عندي يا عمة، ولو كان عندي لفعلت.
قالت: يا أمير المؤمنين، كان عمك عبد الملك يجري عليَّ كذا وكذا، ثم كان أخوك الوليد فزادني، ثم وليت أنت فقطعته عني.
قال: يا عمة، إن عمي عبد الملك، وأخي الوليد، وأخي سليمان كانوا يعطونك من مال المسلمين، وليس ذاك المال لي فأعطيكه، ولكني أعطيك مالي إن شئت.
قالت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟
قال: عطائي مائتا دينار، فهو لك؟
قالت: وما يبلغ مني عطاؤك؟
من فوائد (العفة)[9]
(1) من ثمرات الأديان ونتاج الإيمان.
(2) حفظ الجوارح عمّا حرّم الله، وقيامها بما خلقت له.
(3) حفظ الأعراض في الدّنيا، ولذّة النّعيم في الآخرة.
(4) هي ركن من أركان المروءة الّتي ينال بها الحمد والشّرف.
(5) نظافة المجتمع من المفاسد والماثم.
(6) إشاعتها في المجتمع تجعله مجتمعا صالحا.
(7) دليل كمال النّفس وعزّها.
(8) صاحبها مستريح النّفس مطمئنّ البال.
(9) دليل وفرة العقل، ونزاهة النّفس.
الخاتمة:
قال الليث بن سعد وغيره: كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إليَّ بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقي الله خفيف الظهر من مال الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم، فافعل.[10]
[1] نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (7/ 2872)
[2] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 567)
[3] دروس الشيخ محمد الدويش (2/ 3، بترقيم الشاملة آليا)بإختصار.
[4] موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (1/ 281).
[5] دروس للشيخ محمد المنجد (314/ 22، بترقيم الشاملة آليا).
[6] دروس للشيخ محمد المنجد (314/ 22، بترقيم الشاملة آليا).
[7] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 958)
[8] [شرح محمد فؤاد عبد الباقي]
[ ش (تحملت حمالة) الحمالة هي المال الذي يتحمله الإنسان أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين كالإصلاح بين قبيلتين ونحو ذلك (حتى يصيبها ثم يمسك) أي إلى أن يجد الحمالة ويؤدي ذلك الدين ثم يمسك نفسه عن السؤال (ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله) قال ابن الأثير الجائحة هي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة واجتاحت أي أهلكت (قواما من عيش) أي إلى أن يجد ما تقوم به حاجته من معيشة (سدادا من عيش) القوام والسداد بمعنى واحد وهو ما يغنى من الشيء وما تسد به الحاجة وكل شيء سددت به شيئا فهو سداد ومنه سداد الثغر وسداد القارورة وقولهم سداد من عوز (فاقة) أي فقر وضرورة بعد غنى (حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه) هكذا هو في جميع النسخ حتى يقوم ثلاثة وهو صحيح أي يقومون بهذا الأمر فيقولون لقد أصابته فاقة والحجا مقصور وهو العقل وإنما قال صلى الله عليه وسلم من قومه لأنهم من أهل الخبرة بباطنه والمال مما يخفى في العادة فلا يعلمه إلا من كان خبيرا بصاحبه (سحتا يأكلها صاحبها) هكذا هو في جميع النسخ سحتا وفيه إضمار أي أعتقده سحتا أو يؤكل سحتا والسحت هو الحرام].
[9] نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (7/ 2888)
[10] بعض المراجع الأخرى لم أذكرها لضيق الوقت مثل موسوعة الأخلاق للدرر السنية, علما بأن المراجع كلها من المكتبة الشاملة.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|