حذارِ حذار من الفتور!
أ. عبدالله بن محمد بادابود
لقد تصرم الشهر، وذهب أكثره، ولم تزل أشذاء التهاني بقدومه تتهادى بين طيات الأثير .. وحين نحاسب أنفسنا عما فعلنا فيه، سنجد أننا لم نقم إلا بقليل من كثير، كُنا قد خططنا لعمله، وأملنا أن نقوم به.
أخذت الراحة منا كل ما تشاء من الزمن، وأخذت ملذات الدنيا كل رغباتها المباحة، وربما غير المباحة، نسأل الله المغفرة ..
الآخرة لم تأخذ منا إلا قليلاً من حقها، ومع ذلك فقد داهمنا الإعجاب بما صنعنا حتى ليخشى على أعمالنا من ذهاب أجرها بسبب ذلك، لا حرمنا الله وإياكم كل بر ..
تكبر الأسئلة، وتتشعب، ويبكي التقيُّ قلبُه قبل عينيه: تُرى:
هل قرأت من القرآن ما كنت أؤمل؟
هل تصدقت بالقدر الذي كنت أحبه لنفسي من الأجر؟
هل أدركت كل الصلوات، فرائض ونوافل، ولم تفتني تكبيرة مع الإمام، كما عاهدت نفسي أول رمضان؟!
هل أعنت محتاجًا، وفرجت كربه، وبادرت بالمشاركة في مشاريع الخير؟
لماذا كنت نشيطًا أول الشهر، ثم خف النشاط، وتضاءلت الطاقة حتى خفت وقلت، حتى وجدنا أنفسنا آخر الشهر غير أوله؟
النفس تمل إن لم تذكر بالثواب، وتخمد جذورها إن لم يتحول ما تفعله إلى محبوب من محبوباتها، تتجدد عزيمتها من أجله بسبب مرور الزمن.
إن هذا الداء هو الذي يواجهنا بعد رمضان، فنرى أنفسنا نتراجع عن كثير من العبادات التي كنا نعشق أداءها ..
ولعل من أسباب ذلك:
كثرة اللغو الذي حذرنا الله منه بامتداح من يعرض عنه، فقال في سورة المؤمنون:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3].
وكثرة الأكل والشرب، حتى يصبحا همًّا ورغبة وشراهة، مما يغطي جوانب من العقل والقلب، ويشغلها عما هو عزيز وعظيم، وقد قيل: (البِطنة تُذهب الفِطنة) ..
وكثرة النوم الذي هو مظنة الغفلة والتفريط، وما عُرف نجباء البشرية بالغطيط.
وكثرة مخالطة الناس بغير حاجة ولا منفعة، حتى تضيع الهيبة، وتتسرب الأوقات في غير فائدة، وتتعالى اللذة بالمخالطة، فتغلب لذائذ المناجاة والعبادة ..
كل ذلك له آثارُه السلبية على إيمان المؤمن، وشفافية نفسه، وطهارة قلبه، ونشاطه للعبادة .. ولذلك يبدأ نشيطًا حين يقلل من كل تلك العادات أول الشهر، فإذا اعتاده أيامًا معدودات، عاد إلى الإفراط في تلك المباحات، فيحدث الفتور.
تذكر:
أن الدوام على قليل العبادة، خير من كثيرها المنقطع، فهيا نجدد أثواب النشاط ونبدل الفتور في سوق تجارة الآخرة، ونجعل من يومنا هذا بداية جديدة تكون خيرًا من بداية الشهر، فإن الأعمال بخواتيمها.
أما درس رمضان، فهو:
أن تعيش وأنت تنظر أبدًا إلى الآخرة، فتظل نشيطًا في طاعة الله، لا تخبو لك جَذوة، اللهم إنا نسألك الثبات حتى الممات.
[تدبر]
قال تعالى في سورة الروم:
﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60].
وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن، رزين العقل، يسهل عليه الصبر .. وأن كل ضعيف اليقين ضعيف العقل، يصعب عليه الصبر.
[رسالة]
جدد نشاطك، ونوِّع في عباداتك، وادع الله دومًا أن يعينك على الطاعة والخير.
[وقفة]
قال ابن القيم - رحمه الله -: الشوق إلى الله ولقائه، نسيم يهب على القلب ليذهب وهج الدنيا.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك