من فضل بناء المساجد: خطوات في ميزان الحسنات
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
في الصحيحين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليهوسلم، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ».
قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ.
فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُم»[1].
معاني المفردات:
دياركم تُكتب آثاركم:أي الزموا دياركم؛ فإنكم إذا لزمتموها كُتبت آثاركم، وخُطاكم الكثيرة إلى المسجد.
آثاركم: أي خطواتكم.
في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم«أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ، فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي، ثُمَّ يَنَامُ»[2].
معاني المفردات:
فأبعدهم ممشى: أي أبعدهم مسافة عن المسجد، وأكثرهم خطى إليه.
من الذي يصلي: أي سواء صلى وحده، أو في جماعة.
معناه: أن الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام آخر الوقت أعظم أجرا من الذي يصليها في وقت الاختيار وحده، أو: الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها أيضا مع الإمام بدون انتظار.
روى الإمام مالك، وصححه الألباني عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ الْمُجْمِرِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهيَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَادَامَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ حَسَنَةٌ، وَيُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَةٌ، فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الْإِقَامَةَ فَلَا يَسْعَ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ أَجْرًا أَبْعَدُكُمْ دَارًا».
قَالُوا: لِمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟
قَالَ: «مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ الْخُطَا»[3].
معاني المفردات:
عَامِدًا إِلَى الصَّلَاةِ: أي يقصدها دون غيرها.
فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَادَامَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ: أي أجره أجر المصلي ما دام يقصد إلى الصلاة.
فلا يَسْعَ: أي لا يسرع، بل يمشي على هيئته.
أَبْعَدُكُمْ دَارًا: أي من المسجد.
ما يستفاد من الأحاديث:
1- المشي إلى المسجد من الحسنات التي تُكتب لصاحبها، ويشهد له قوله تعالى: ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12].
2- كما أن بعد المكان مؤثر في زيادة الأجر كذلك طول الزمان، لأنهما يتضمنان زيادة المشقة قبل الصلاة.
3- استحباب عدم السرعة في المشي عند الذهاب إلى صلاة الجماعة.
4- الماشي إلى الصلاة له أجر المصلي ما دام يقصدها.
5- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أمته ما ينفعهم في آخرتهم.
[1] متفق عليه: رواه البخاري (1887)، ومسلم (665)، واللفظ له.
[2] متفق عليه: رواه البخاري (651)، ومسلم (662).
[3] صحيح: رواه مالك (33)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (297).
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك