09-12-2015, 12:47 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
(04) طل الربوة ما يعين على الإخلاص"
الأمر العاشر: مما يعين على الإخلاص: البعد عن صحبة الذين يحبون الثناء بما يفعلون وما لم يفعلوا، ومجاهدة النفس عن الانبساط لذلك وحبه، فإن مصاحبة العبد لمن يأنسون لذلك عامل من عوامل تعلق القلب بمراءاة المخلوقين، كما قال تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. [ل عمران 188]
على عكس ما سبق من صفات عباد الله الصالحين الذين يؤدون الأعمال لله تعالى ولا يغترون بما عملوا، بل إنهم يخافون من رجوعهم إلى الله ولقائه، خوفاً يدفعهم إلى المزيد من الأعمال الصالحة: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)}. [لمؤمنون]
فهؤلاء ينبغي أن يحرص المؤمن على صحبتهم والاقتداء بهم، ومعلوم ما يفوز به من رافق جلساء الصلاح الفضلاء، وما يحصده من صاحب أهل السوء الأشقياء، وفي أمثال القرآن والسنة هداية وعبر:
اقرأ قصة ذينك الرجلين الذين أراد أحدهما إضلال الآخر في الدنيا، كيف صبر المؤمن على مبدئه، وعصى قرينه الذي حاول إضلاله، ففاز بنعيم الله، فذكر قرينه بسوء عمله، وفاز بنعيم الله وشكره على تثبيته على الإيمان، الذي جعله يدعو رفاقه في الجنة إلى الاطلاع على ما لاقاه قرين السوء من إهانة وعذاب، كما قال تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ(61)}.[لصافات]
واقرأ قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتىَ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29)}. [لفرقان]
واقرأ قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)}. [لزخرف]
وقارن بين من رافق أهل الصلاح ومن صاحب أهل الفساد، وكيف يتمنى هذا الأخير يوم القيامة أن يكون صَاحَبَ الصالحين وابتعد عن الفاسدين بعد أن عاين عقاب الله وقد فات الأوان؟!
وقد لا يكون القرين المضل عن الصراط المستقيم مضلاً عن الدين كله كما هو شأن الشيطان واتباعه من الكفار، بل قد يكون مضلاً عن بعض طاعات الله ومغرياً ببعض معاصيه، كبعض المسلمين الذين لا يستطيع الشيطان أن يغويهم عن دين الإسلام فيخرجهم منه إلى الكفر، بل يغويهم بارتكاب بعض المنكرات وترك بعض الطاعات، فيغوون هم غيرهم من المسلمين بنفس ذلك الإغواء.
وفي حديث أبي موسى رضي الله عنْه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم، قال: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة). [صحيح البخاري (5/2104) وصحيح مسلم (4/2026).]
فإذا أتاح الله سبحانه وتعالى، للمؤمن قدوة حسنة من عباده الصالحين الذين فقههم الله في دينه من كتابه وسنة رسوله فاجتهدوا في تزكية أنفسهم بطاعته وأكثروا من ذكره، فامتلأت قلوبهم بمحبته وعظمته ودأبوا على خشينه والإخلاص له لا يلتفتون في أعمالهم إلى سواه، فليحرص على مجالستهم وصحبتهم؛ لأنهم سيصقلون بما آتاهم الله من علم وعمل وتقوى وورع، مَن جالسهم وصحبهم بإذن الله.
{وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}.[لنساء 69]
وكم من أستاذ كان ظاهرَ الصلاحِ، يراه الناس مربياً لغيره تربية إسلامية، فصار ضحيةً لبعده عن الصالحين واقترابه من الفاسدين، وكم من تلميذ صالح يعتاد المساجد، ويؤمن بالله ورسوله والإسلام، ويحب ما يحبه الله ورسوله، هوى في حمأة الرذيلة والإلحاد بسبب جليس سوء. فعلى الأستاذ والطالب معاً الحفاظ على مرافقة عباد الله الصالحين، والبعد عن صحبة أتباع الهوى والشيطان.
وبذلك يمكن البُعد عن المحرمات، وفعل الطاعات، وعدم إضاعة الوقت فيما يضر، أو فيما لا ينفع، فقد خلق الله الليل والنهار، خِلفةً لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً.
ومما يعين على الإخلاص:غرس مراقبة الله الدائمة في قلب الطالب:
ومن أعظم إصلاح القلوب استحضار العبد إحاطة علم الله تعالى بكل ما يأتي ويذر، فإذا استحضر العبد رقابةَ الله تعالى له في كل لحظة من لحظات عمره، فازَ برضا الله تعالى عنه في الدنيا والآخرة؛ لأن استحضاره تلك الرقابة تجعله دائماً ملازماً لتقوى الله الذي يراقبه، فينفذ أمره ويجتنب نهيه، ويبتعد عن الشبهات خشية الوقوع فيها، ويؤدي حقوق ربه وحقوق خلقه، ويحسن عمله في كل ذلك.
وقد افتتح تعالى أول آية في سورة النساء التي اشتملت على حقوقه وحقوق عباده، بذكر اسمه الرقيب، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)}. [لنساء] لحض قارئها على التزامه بما ذكر في السورة من الأحكام، مستحضراً هذه الرقابة التي يعلم بها أن الله تعالى سيحاسبه على ما يأتي منها وما يذر.
ورقابة الله تعالى هي معنى ما سمَّاه العلماء بالواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، بأن يستحضر المسلم في كل أحيانه علم الله المحيط بكل شيء، وأن كل ما يقوله أو يعمله أو يهم به لا يخفى على الله منه شيء.
إن المسلم معرض لوسوسة الشيطان وإغوائه، حسداً منه لبني آدم، كما حسد أباهم آدم الذي أغواه فتاب إلى ربه، ولهذا يحتاج المسلم - بل يضطر - إلى تذكيره بمخاطر عدوه إبليس، وإلى تذكره دائماً بأن الشيطان له بالمرصاد، ولا ينجيه منه إلا لجوؤه إلى الله تعالى يستعيذ به من عدوه، ويجاهد نفسه على طاعة ربه مخلصاً له عمله متبعاً فيه رسوله صلى الله عليْه وسلم، وإلا ضلَّ وهلك وصار من حزب عدوه الذي أمر الله عباده بعداوتهم له والبعد عن طاعته؛ لأنه لم يفتأ يسوس لهم ليضلهم ويوقعهم فيما وقع فيه من غضب الله فيكون مصيرهم كمصيره النار، كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.[فاطر 6]
وعداوة الشيطان ووسوسته لا تفارق الإنسان في أي لحظة من لحظات عمره، كما صرح هو بذلك:
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}. [لأعراف]
ولا يوجد أي سلاح يرافق المؤمن في كل تلك اللحظات إلا المراقبة الذاتية، وهي استحضار مراقبة ربه له "الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم".
فإذا استحضرَ المؤمن هذا السلاح عند وسوسة هذا العدو واستعاذ بالله منه هزمه، وقد يستجيب لإغوائه لحظة من اللحظات بالعزم على المعصية أو ارتكابها فعلاً، ولكنه يذكر هذا الرقيب، فيتوب إلى الله ويستغفره ويعود مسرعاً إلى رشده، فيكون كمن فقد بصره لحظة فعاد إليه سريعاً فإذا هو مبصر: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}. [لأعراف 201]
ولا توجد غير هذه المراقبة أي وسيلة، أو سبب من الأسباب، يلازم الإنسان ملازمة كاملة دائمة، تحمله على الدوام على الطاعة وترك المعصية، لأي سلطة قانونية أو قضائية أو تنفيذية ولا لجنة أمر بمعروف ونهي عن منكر؛ لأن الإنسان يستطيع أن يحتال على كل سلطة أو قانون ويفلت منها، بخلاف مراقبة الله تعالى إذا ما غرست في نفس المؤمن، فإنه يشعر بأنها لا تغيب عنه لحظة واحدة.
فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى، أن يبلغ أمره إلى أمته ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فنفذ أمر ربه في التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والفعل في حياته فيما وقف عليه بنفسه، ولكنه لا يقدر على مراقبة أحد غاب عنه من أمته في حياته وبعد مماته، ولا يطيع أمره ويترك نهيه إلا من أحبه أكثر من حب كل شيء حتى نفسه، امتثالاً لأمر عالم الغيب والشهادة.
فقد أمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلم بتبليغ رجال هذه الأمة ونسائها بِغَضِّ أبصارهم وحفظ فروجهم، فبلغهم كتاب الله، الذي أنزله، كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ..(31)}. [لنور]
وأكد ذلك بسنته القولية، تنفيذا لقوله تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا... وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ}
كما روى بريدة عن أبيه قال: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (يا علي لا تتبع النظرة
النَّظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة). [رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم
ولم يخرجاه.]
كما أكد ذلك بسنته الفعلية أيضاً، ففي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلّى الله عليه وسلم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه. قال: (نعم). وذلك في حجة الوداع" [لبخاري ومسلم]
ولكنه صلّى الله عليه وسلم، لم يكن ملازماً لكل فرد من أفراد أمته، يأمره وينهاه بالقول - مشافهة - والفعل، وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وبقي مع كل مسلم ومسلمة الرقيب الحي عالم الغيب والشهادة، الذي قال لنبيه ‘: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}. [لرعد]
فكلما همَّ المسلم أو المسلمة بمخالفة ما أمر الله رسوله بتبليغ أمره ونهيه، انتفض قلبه مستشعراً قول الباري تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}. [غافر] وقوله: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7. [طه]
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|