بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أيها الأحبة الكرام مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي( وفقه الله)،نفعنا الله وإياكم بها.
شُـكر نعمة الأمن
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ نعم الكريم المنان على عباده أيها الأحبة والإخوان لا يعدها ولا يحصيها عبد كائنا من كان، يقول العزيز الرحمن:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )[إبراهيم : 34].
يقول الإمام الشوكاني –رحمه الله- :" أي: وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالا فضلا عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظه بها، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصى ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط، ولا أمكنه أصلا، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها، اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت..." .فتح القدير (3 /110)
وإنَّ من المنن الدنيوية على العباد بعد نعمة الإيمان أيها الأحبة الكرام منة عظيمة وعطية كريمة يَهبها العزيز العلام لمن يشاء من الأنام ألا وهي نعمة الأمن في الأوطان ، يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :"الأمن من المخاوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى". تفسير السعدي ( ص602)
من نالها منهم فقد حصل الخير الكبير و النفع الكثير ،فعن عبيد الله بن مِحْصَن الأنصاري –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيَا ".رواه الترمذي ( 2346) ، وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول الإمام المباركفوري -رحمه الله-:" قوله:( من أصبح منكم ) أي:أيها المؤمنون.( آمناً ) أي : غير خائف من عدو .
( في سِربه ) أي : في نفسه ، وقيل : السرب : الجماعة ، فالمعنى : في أهله وعياله . وقيل بفتح السين أي : في مسلكه وطريقه ، وقيل بفتحتين أي : في بيته...( معافى ) اسم مفعول من باب المفاعلة ، أي : صحيحاً سالماً من العلل والأسقام .
( في جسده ) أي : بدنه ظاهراً وباطناً . ( عنده قوت يومه ) أي : كفاية قوته من وجه الحلال . ( فكأنما حيزت ) : بصيغة المجهول من الحيازة ، وهي الجمع والضم ". تحفة الأحوذي" (7/11)
نعمة يتمتع بها بفضل الكريم القدير الذكور والإناث والغني و الفقير و الكبير و الصغير ، وهي عطية تعين على إقامة شعائر الدين وتحقيق أوامر رب العالمين ، وهي من أسباب تعمير المساجد و تعليم الناس ما ينفعهم في الدارين ، وعيشهم في رغد واطمئنان.
يقول العلامة الشيخ الفوزان - حفظه الله- :" فلا شك أن توفر الأمن مطلب ضروري ، الإنسانية أحوج إليه من حاجتها إلى الطعام و الشراب، ولذا قدمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه على الرزق ، فقال : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) [ البقرة: 126]، لأن الناس لا يهنئون بالطعام و الشراب مع وجود الخوف ، ولأن الخوف تنقطع معه السبل التي بواسطتها تنقل الأرزاق من بلد لآخر ". كتاب الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ( ص 125)
ولما كان لهذه النعمة العظيمة هذه المكانة الكبيرة والفوائد الكثيرة حث الشرع الكريم على بذل الطرق و الوسائل التي تعين على تحقيقها وتحصيلها، ومن أهم هذه الأسباب أيها الأحباب أن يَسود الناس حاكما يسوسهم ويقوم على شؤونهم الدينية والدنيوية ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس ".مجموع الفتاوى ( 28 / 390)
فمن الأعمال المنوطة بالحاكم أيها الأحبة الأفاضل ردع الظالم وإعطاء المظلوم حقه، ومنع الفوضى، والاجتهاد على توفير الأمن الذي يعين المسلمين على إقامة شعائر الدين وتحقيق مصالحهم الدنيوية التي يستعين بها الفرد على تحقيق ما ينفعه في دنياه وأخراه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: "والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ورجحت خير الخيرين بتفويت أدناهما، وهذا من فوائد نصب ولاة الأمور، ولو كان على ما يظنه الجاهل لكان وجود السلطان كعدمه وهذا لا يقوله عاقل فضلا عن أن يقوله مسلم، بل قد قال العقلاء: ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان، وما أحسن قول عبد الله بن المبارك – رحمه الله-: لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل
وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا ". مجموع الفتاوى (30/ 136)
وقد حذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من الخروج على ولاة الأمر، وأمرنا بالسمع والطاعة لهم في غير معصية لأن في الخروج عليهم فتنة عظيمة وشر كبير، يُؤدي إلى قتل الأنفس البريئة وانتهاك الأعراض وإضعاف شوكة المسلمين ونشر الفوضى في بلدانهم، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" فإنه أَسَاسُ – أي الإنكار على الولاة والملوك بالخروج عليهم-كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، .... ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على مُنْكَرٍ فطلب إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ منه ما هو أكبر منه".إعلام الموقعين( 3/4)
إن مما يجب على من توفرت عندهم نعمة الأمن من المسلمين أن يشكروا عليها رب العالمين بقلوبهم وأفعالهم وأقوالهم، فإن بالشكر - بإذن العزيز المقتدر- تزيد النعم ، وعليهم أن يستعينوا بها على طاعة المنان و استثمارها فيما يُرضي الرحمن وليجتنبوا المعاصي والذنوب التي هي من أسباب زوال النعم وحلول النقم وهي أصل كل بلاء و مصدر كل شقاء، يقول المناوي –رحمه الله- :" يعني من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره ".فيض القدير ( 6/ 68)
وليحذروا كذلك أشد الحذر من مكر أعداء الدين من الكفار والمنافقين وسائر المفسدين ، فإنهم لا يستقر لهم قرار و لا يطمئن لهم بال حتى يروا الفوضى في بلدان المسلمين لعلمهم أن بالأمن تقوى شوكة المسلمين وبفقدانه تضعف شوكتهم وتتفرق كلمتهم ويمكنهم بعد ذلك التسلط عليهم فيستعينون بكل الوسائل و شتى الطرق لإفساده ، وقد يستخدمون في هذا المخطط المنكر والهدف الخبيث بعض أهل الإسلام!!و الله المستعان.
وليحذروا كذلك من دعاة التخريب! من الجهلة وأنصاف المتعالمين الذين يشجعون على الثورات! ضد الولاة ، ويؤيدون المظاهرات و الاعتصامات! لأن هذه الوسائل غربية و ليست شرعية، يقول الشيخ العلامة صالح الفوزان-حفظه الله-:"ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، دين نظام، دين سكينة، والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين،وما كان المسلمون يعرفونها،ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة لا فوضى فيه ولا تشويش ولا إثارة فتن،هذا هو دين الإسلام، والحقوق يتوصل إليها دون هذه الطريقة،بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية.
هذه المظاهرات تحدث فتنا كثيرة،تحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال،فلا تجوز هذه الأمور".الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة(ص 232)
ولينظروا وليعتبروا بما جرى عبر التاريخ وما يحدث حولهم لكل من خالف الوصايا النبوية والطرق الشرعية و أراد تغيير الظلم بوسائل دخيلة غير مرضية، فما جرَّت عليهم إلا الويلات ولم يتولد عن فعلهم إلا كل ضرر وشر ، ظهر فيهم الظلم و العدوان و الخوف و الجوع والافتراق بين أهلها و إنا لله وإنا إليه راجعون.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:" وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير...".منهاج السنة النبوية (4/527)
فالله الله أيها الأحبة والإخوان في شكر الكريم المنان على نعمة الأمن في الأوطان، وببذل كل الوسائل المعينة على المحافظة على هذه النعمة الكريمة و المنة العظيمة و اجتناب كل الأسباب التي تفسدها وتُعين على نشر ما يُضادها ، فإن ذلك يعين على تحقيق الفلاح والنجاح في الدارين بإذن أرحم الراحمين.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعل ديار المسلمين ديار أمن وأمان، وأن يجنب بلدانهم الفتن و الفوضى وكل سبب يُفسد عليهم الاستقرار و الاطمئنان، وأن يعينهم على تطبيق تعاليم الإسلام، ويُبعدهم عن المعاصي والآثام ، ويُولي عليهم من يحكمهم بهدي خير الأنام فهو سبحانه القادر على ذلك ، والحكيم العلام.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك