إشكاليات وضوابط عمل صناديق جمع التبرعات بالمساجد
أحمد فتحي النجار
جمع التبرعات الخيرية فعلٌ كريم اعتادَت عليه المساجدُ، باعتبارها منائر ونقاطًا دائمة لتجمُّع والتقاء المسلمين في الصلوات وفي المناسبات وفي غيرها، وبما يتيحه هذا الالتقاء من فُرص لإتاحة النظرِ والتأمُّل في شؤون المسلمين، والعمل على إيجاد الحلول الحقيقيَّة لرفعِ ما قد يعانونَه من مشكلاتٍ ومعوقات، بسبب الضعف والنقص المادِّي والتمويلي الذي يعانونه على مستوى الأفراد وعلى مستوى المؤسسات؛ وذلك من خلال تجميعِ الصَّدقات والتبرُّعات وصرفها في أَوجه البرِّ أو فيما يرغبون في تطويره من مؤسَّساتٍ، وعلى رأسها بناء وتطوير المسَاجد وغيرها؛ كالمستشفيات والمدارس والطرق... إلخ.
دعم وترقية العمل الخيري من الأدوار الرئيسية للمساجد:
الجهود التي تقدِّمها المساجدُ في دعم المجتمع الإسلاميِّ بكل مؤسَّساته وأفراده جهودٌ لا متناهية، ومستمرة، فكانت المساجدُ منذ بُعث النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم ملاذَ المحتاجين، ووِجهةَ الفقراء والمحرومين، ولم تخيب فيهم الظنون؛ بل لقد كانت المساجدُ وما زالت أحدَ أهمِّ مصادر ارتقاء منظومةِ العمل الخيري؛ من خلال الجهودِ الدعويَّة، والأنشطة الإنسانية التي تقوم بها لِجَانٌ تابعة للمساجد، وكثيرًا ما يكون على رأسها أئمةُ هذه المساجد ودعاتها، ولم تعجز حيَلُهم في الارتقاء بالعمل الخيري بكافَّة صنُوفه، ولن تعجز بعون الله.
والصناديقُ الخيرية ظهرت في ظلِّ الحاجة المستمرة لتَعزيز قِيَم الخير؛ من خلال الحضِّ على تقديم الصَّدقات والتبرُّعات بشكلٍ مستمرٍّ، فأثمرَت نتائجَ إيجابيَّة لا متناهية، ولكن مع هذا الدَّور المهمِّ لهذه الصناديق، وباعتبارها أحدَ المعالم التي تُعرف بها المساجد في الوقت الحديث؛ فإن ثمَّة إشكاليات حقيقيَّة فرضَت نفسَها، وهي بحاجةٍ حقيقية لإيجاد حلولٍ ناجعة من شأنِها ترقية العمل الخيري الإسلامي، وقبل أن نقدِّم المقترحات التي نَسأل اللهَ أن تساهم في إيجادِ الحُلول الحقيقية التي تعمل على الارتقاء بهذه المنظومة، فإننا سنحاول عرض بعض هذه الإشكاليات:
الإشكاليات والمحاذير التي تواجه منظومة صناديق المساجد:
1- تزايُد أعدادِ الصناديق تحت العديد من الأسماء في المسجد الواحد؛ فهذا صندوقٌ خاصٌّ بهذه الجمعية، والثاني خاص بجمعية أخرى، والآخر خاص بأشخاصٍ معيَّنين، وهكذا مما يشتِّت المتبرع في أيِّها يقدِّم تبرُّعه وصدقَته، مع عدم وجود صندوقٍ خاص بالمسجد في بعض الأحيانِ، وبالتالي تقليص دور المسجد في تقديمِ دور اجتماعي وإنساني في محيطِه.
2- عدمُ وجود شكلٍ قانوني حقيقي لهذه الصناديق؛ حيث يغلبُ على وجودها الشكلُ غير الرسمي، وبالتالي فهي خارج الإشرافِ والرقابة وخارج الحسابات، وكثيرًا ما تكون خارجَ التصنيفات الخيرية، كما أن القالبَ الحكومي الذي يحيطُ البعضَ منها، وبما قد يعتريه من رُوتينٍ، قد يقلِّل من كفاءتها وأهميتِها في بعض المساجد.
3- عدم وجود رقابة من الجهات المختصَّة حالَ فتحها وجَنْي ما فيها؛ وبالتالي احتمالية تعرُّضها للخيانة والسرقة، بل إن تعرُّضَها لهذه المخاطر حقيقةٌ دائمة؛ لا سيَّما مع بساطة مكونات هذه الصناديق، وسهولةِ فتحها والتعدِّي عليها، حتى في حال عدم فضِّها.
4- عدم وجود خطَّةٍ خيرية واضحةٍ يتم الترويج لها من أجل استثمار ما تَجمعه هذه الصناديق؛ ممَّا يُفقد هذه الصناديق أهميةَ وجودها من خلال عدمِ الإقبال أو التحمُّس للإقبال عليها باعتبار أن ما سيدفعه المتبرِّع سيجد مكانَه في دعم الأفراد أو المؤسسات.
5- عدم التوازن في الرقابة المجتمعيَّة على ما تُثمره هذه الصناديق من أموالٍ ونتائج حقيقية تصبُّ في أوجه البرِّ، فلا يكاد يخلو الأمرُ من استهتارٍ وعدم متابعةٍ وعدمِ تحريض على التبرُّع والتصدُّق من خلالها، أو من اندفاعٍ وتوجيهٍ بشكلٍ غير علمي؛ ممَّا قد يؤثِّر تأثيرًا منفِّرًا، فيساهم في عدم الإقبال على هذه الصناديق مع وجودِ البدائل.
6- وجود أصحاب الحاجاتِ الحقيقيَّة وطَرْقُهم أبوابَ المساجد يؤدِّي إلى تفضيلِ المتصدِّقين لهم، لا سيما أنَّهم يعرضون حاجات ومشكلاتٍ حقيقية، وبالتالي ضعف الإقبال على الصناديق لحساب غيرهم من أصحاب الحاجات.
ضوابط من شأنها رفع كفاءة ظاهرة صناديق المساجد:
أسلفنا القولَ أن صناديق جَمع التبرُّعات والصدَقات هي في الوقت المعاصرِ من المعالم الطبيعية المنتشرةِ في أغلب المساجد في كافَّة مواطن العالم الإسلامي تقريبًا، وأن البعضَ منها قد يخضعُ إلى رقابة الحكومات والأنظمة، والحقيقةُ أن أغلبها يقعُ خارجَ نطاقِ هذه الرقابة وخارج الحسابات؛ ولذلك هذه الصناديق بحاجةٍ لإيجاد وعاءٍ رسمي ولو في شكله الأهلي العادي؛ لضمان تحقيقِ الاستفادة المناسبةِ مِن كون أن هذه الصناديق من معالم المساجد وإخضاعها إداريًّا لإدارة المسجد، باعتباره مؤسسةً خيريَّة وإنسانية متكاملة، وهو دورٌ من الأدوار الإضافية والدائمة التي يقوم بها المسجد على مرِّ التاريخ الإسلاميِّ بلا خلافٍ، فلم يقتصر دَور المسجد على إقامة الصلوات دون غيرها، وبعيدًا عن ذلك فإن هناك العديدَ من الضوابط الإضافية من شأنها ترقيةُ عمل الصناديق الخيرية، ومن ذلك:
• إيجاد الوسائل والخُطط الخيرية المناسِبة لإِحياء وتفعِيل ثقافة التبرُّع في المسجد، وهي وإن كانت بحاجةٍ إلى التعزيز من خلال خططٍ خيريَّة حقيقيَّة ومتكاملة، فهي بحاجةٍ أيضًا إلى الترويج إليها في شكلٍ احترافيٍّ، وتسليط الضوء على الأدوار التي من المقترَح أن تقوم بها لصالح المسجد أو لصالح الفئاتِ المحرومة، فثمةَ تراجعٌ تمَّ رصدُه فيما تقدِّمه من عوائد، وبطبيعة الحالِ فيما تستطيع تقديمه من دعمٍ للعمل الخيري في الجُملة.
• تفعيل دَور الرقابة المجتمعية والقانونية أثناء فضِّ الصناديق وجَنْي ثمرتها، وأن يكون ذلك بشكلٍ دَوري معلَن؛ وذلك دَرءًا للشُّبهات، ولِوضع الصورة كاملة وَفق الخططِ المقترَحة أمام المتبرعين والداعمين.
• تبديل الصناديق العاديَّة إلى صناديق أكثرَ كفاءةً وأمانًا؛ وذلك منعًا للتعدِّي عليها بأيِّ طريقةٍ من طُرُق التعديات، فهو عملٌ من شأنِه زيادةُ الثِّقة، وطمأنةُ المتبرِّع بأنَّ ما يقدمه ليس عُرضةً للضياع تحت أيِّ درجة من درجات الإهمال واللاَّمبالاة.
• تقليل أعدادِ الصناديق، وتحديد الدَّور الذي من المقترَح أن يقومَ به كلٌّ منها؛ وذلك لتحقيق أفضل النتائج.
والله من وراء القصد
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك