07-03-2015, 03:35 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
(0138)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثاني: من فروع وحدة المسلمين
وبجانب تلك الأصول فروع وضعها الله لعباده وشرعها للأمة الإسلامية، وهي تمد تلك الأصول بالبقاء والنماء في توحيد الأمة ورأب صدعها..
منها ما لا يؤدى - وهو عبادة - إلا بعمل جماعي، كصلاة الجماعة اليومية، وهي خمس صلوات يلزم الرجال من المسلمين [ولمن تشاء من النساء] عند كثير من العلماء، أن يدعوا بيوتهم أو أسواقهم، أو مزارعهم، أو مصانعهم، أو أي عمل آخر ليسيروا كلهم إلى المساجد ليصلي بهم في كل مسجد إمام واحد..
ويقفون صفوفاً متراصة يلصق أحدهم كتفه بكتف جاره الذي عن يمينه والآخر الذي عن يساره، وكعبه بكعب كل منهما، لا يكون بينهما خلل يدخل الشيطان منه، ولا تفصل بينهما سارية، تحقيقاً للإخاء الكامل والوحدة الكاملة، يتبعون كلهم إمامهم في حركاته وسكناته وتكبيراته، لا يسبقونه ولا يسبقه بعضهم ولا يتأخرون عنه أكثر من الاطمئنان اليسير. ومثل صلاة الجماعة صلاة الجمعة [ألا أنها متفق على وجوبها على الرجال، بخلاف صلاة الجماعة ففي وجوبها عينا خلاف] وهي تؤدى مرة كل أسبوع، يجب على كل قادر غير معذور من الرجال حضور الخطبتين والصلاة..
وشرع الله صلاة العيدين: عيد الفطر في أول يوم من شوال كل عام، وعيد الأضحى، في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة كل عام أيضاً، اللتين تؤديان في جماعة أيضامع ما فيهما من سماع الخطبة كذلك..
وصلاة الكسوف التي ينادى لها كلما كسفت الشمس أو خسف القمر، وصلاة الاستسقاء كلما أجدبت الأرض ومنع الله القطر من السماء، وسماع خطبة الإمام في كل منهما.
وأوجب الله على كل مسلم حج بيت الله الحرام ما دام قادراً بالغاً ولم يحج، وكذا العمرة على القول بوجوبها، وحث على نفلهما.. والحج لا يكون إلا في وقت واحد يجتمع فيه الجمع الغفير من المسلمين من كل فج عميق، وهو ذو نظام معين يؤدون شعائره في زمان واحد ومكان واحد بلباس واحد للرجال، وذكر واحد للجميع.
وفرض سبحانه على جميع المسلمين رجالاً ونساء قادرين غير معذورين، صيام شهر واحد في السنة هو شهر رمضان، مع ما فيه من قيام وتهجد واعتكاف وأغراهم بليلة فيه جعلهم يتنافسون كلهم لمصادفتها..
وأوجب سبحانه على كل غني إخراج جزء من ماله للفقراء، تختلف مقاديره باختلاف المال أو الكسب ولا تختلف بحسب الغنى نفسه.
كما شرع سبحانه كل ما يحقق الألفة والمواساة من البدء بالتحية وردها وعيادة المريض وتشييع الجنازة، وتعزية المصاب وإعداد الطعام لأهل الميت.. وكذا تشميت العاطس وغير ذلك من إعانة المحتاج والابتسام في وجه المسلم والكلمة الطيبة، وكلها تتحقق بها الألفة والمحبة والوئام ويعين على وحدة الكلمة.
التحذير من أسباب الفرقة والنزاع
وهناك أسباب تدعو إلى الاختلاف والفرقة والبغضاء، حذر الشارع منها وشرع ما يقي المسلمين وقوعها أو التخفيف منها، فحرم الاعتداء على النفوس، وشرع للوقاية منه القصاص.. وحرم الاعتداء على الأعراض والعقول والأموال، وشرع للوقاية منها الحدود، وكذلك التعزير وحرم البغي وشرع قتال الباغي..
وهكذا لم يترك الخالق سبحانه أي باب من أبواب الألفة إلا شرعه وفتحه ودعا إلى الولوج فيه، ولم يدع باباً من أبواب العداء والبغضاء والخلاف إلا سده وأحكم سده ونهى عن فتحه أو الولوج فيه..
وشرع الثواب لمن أطاعه والعقاب لمن عصاه، كل ذلك مما يؤلف القلوب ويجمع الشمل ويرأب الصدع ويقضي على الفرقة. وكل هذه الأمور وغيرها امتلأ به كتاب الله وسنة رسوله وكتب الفقه وكتب الأخلاق، بحيث يصعب على المرء استقصاء نصوصه في مثل هذا البحث..
ويكفي هنا نقل بعض الأحاديث، بعضها فيه فروع تدعو إلى الألفة والوحدة، وبعضها فيه صفات تدعو إلى الفرقة والاختلاف، رغب الشارع في الأولى وحذر من الثانية.
ففي حديث أيى موسى رضِي الله عنه: عن النبي صَلى الله عليه وسلم ، قال: (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه). [البخاري رقم 481 فتح الباري (1/565) ومسلم (4/1999)].
وفي حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). [البخاري رقم 6011 فتح الباري (10/438) ومسلم (4/1999)].
وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) [البخاري رقم 2442 فتح الباري (5/97) ومسلم (4/1996)].
وفي هذه الأحاديث حث للمسلم على أن يتراحم مع أخيه المسلم وعلى التواد والتعاطف والعدل، وعدم خذلان بعضهم بعضاً وقت حاجته إليه. كما نهى صَلى الله عليه وسلم عن ظن السوء والتجسس والتنافس على الدنيا والتحاسد والتباغض والتدابر، لأن هذه الأمور كلها تقضي على معنى الأخوة وتورث الاختلاف والشقاق.
روى أبو هريرة رلاضيَ الله عنه: " أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً) [البخاري رقم 6066 فتح الباري (10/484) ومسلم (4/1985)].
ولقد ابتعد كثير من المسلمين على مر العصور عن المحافظة على أصول وحدتهم وفروعها، وابتعدوا عن دين الله فأذاقهم الله عذاب الفرقة والاختلاف فيما بينهم، حتى أصبح العدو لا يحتاج إلى مباشرة حربهم بنفسه وإنما يصنع لهم السلاح وينهب خيراتهم ثمناً له – ولغيره - ويحرش بعضهم على بعض فحصلت بينهم فرقة واختلاف وتصدع - ولا سيما في هذا العصر – وأسال بعضهم دماء بعض وسلب بعضهم حرية بعض. ولو أنهم تمسكوا بهذا الدين وحرصوا على تطبيقه والتزموا أصوله وفروعه، لكانوا أعظم أمة في هذه الأرض كما كانوا كذلك من قبل..
وأحيل القارئ إلى صرخة أحد دعاة العصر من هداة الخير الذين أقضت مضاجعهم اختلافات المسلمين التي أضعفتهم وأطمعت فيهم عدوهم، وهاله سكوت المسلمين وتخاذلهم وخنوعهم لتلك الاختلافات التي أذلتهم لأعدائهم، وهو الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، وقد سبق كلامه في مبحث جهاد الفرقة والتصدع. من هذا الكتاب.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|