أحكام النون الساكنة والتنوين من شرح الجزرية
محمد رفيق مؤمن الشوبكي
اللآلئ الذهبية في شرح المقدمة الجزرية (11)
65) وَحُكْمُ تَنْوِينٍ وَنُونٍ يُلْفَى ♦♦♦ إِظْهَارٌ ادْغَامٌ وَقَلْبٌ إِخْفَا[1]
يَذكر النَّاظم هنا أحكامَ النون السَّاكنة والتنوين، وهي أربعة أحكام[2]: الإظهار، والإدغام، والإقلاب، والإخفاء، وقوله: (يُلفى)؛ أي: يوجد.
66) فَعِنْدَ حَرْفِ الحَلْقِ أَظْهِرْ وَادَّغِمْ ♦♦♦ فِي اللاَّمِ وَالرَّا لاَ بِـغُنَّةٍ لَزِمْ
(فَعِنْدَ حَرْفِ الحَلْقِ أَظْهِرْ)؛ أي: أظهر أيُّها القارئ النون الساكنة أو التنوين إذا جاء بعدهما حرف من الحروف الحلقيَّة الستة، وهي: (ء - هــ - ع - ح - غ - خ)، ويسمَّى هذا الحكم بالإظهار الحلقي؛ لأنَّ حروفَ الإظهار الستَّة تخرج من الحَلْق، ويُعرَّف بأنه: إخراجُ الحرف المظهَر (النون الساكنة أو التنوين) مِن مخرجه من غير غنَّة ظاهرةٍ فيه، ومن أمثلته: (يَنْأَون)، (مِنْ حسنة)، (حقيقٌ على)، (عفُوًّا غفورًا).
(وَادَّغِمْ فِي اللاَّمِ وَالرَّا لاَ بِغُنَّةٍ لَزِمْ)؛ أي: أدغم النون السَّاكنة أو التنوين إذا جاء بعدهما أحدُ حرفَي اللام أو الراء، وهنا يكون الإدغام بغير غنة، ومن أمثلته: (مِن لدنه)، (مِن ربهم)، (ثمرةٍ رزقًا)، (هدًى للمتقين)، والإدغام يكون: بإدخال النون الساكنة أو التنوين في حرف الإدغام الذي يَلِيها بحيث يصيران حرفًا واحدًا مشدَّدًا من جنس الثاني.
67) وَأَدْغِمَنْ بِغُنَّةٍ فِي يُومِنُ ♦♦♦ إِلاَّ بِكِلْمَةٍ كَـ: دُنْيَا عَنْوَنُوا[3]
(وَأَدْغِمَنْ بِغُنَّةٍ فِي يُـومِنُ)؛ أي: أدغِم النون الساكنة أو التنوين إذا جاء بعدهما أحدُ حروف كلمة (يومن)، وهنا يكون الحكم الإدغام بغنَّة، ومن أمثلته: (فمن يعمل)، (مِن وال)، (أمنةً نعاسًا)، (آياتٍ مبيناتٍ).
(إِلاَّ بِكِلْمَةٍ كَـ: دُنْيَا عَنْوَنُوا): وهنا بيَّن النَّاظِم شرطَ الإدغام بغنَّة، فلا بدَّ أن يكون في كلمتين، فإذا كان في كلمةٍ واحدة فلا إدغام؛ وإنَّما الحكم (الإظهار المطلق)، وجاء هذا الحكم في القرآن في أربعة مواضع: (دنيا)، (قِنوان)، (صِنوان)، (بُنيان)، وذكر النَّاظم من هذه المواضع في منظومته كلمة (دنيا).
وسبب الإظهار المطلق: المحافظة على وضوحِ المعنى؛ فلو أدغمت النون في الياء في كلمة دنيا لأصبحت (دُيَّا)، ولو أدغمت النون والواو في كلمة صنوان لأصبحت (صوَّان)، فيلتبس الأمر بين ما أصله نون مدغَمة وبين ما أصله التضعيف، فتُظهَر للمحافظة على مدلولِ الكلمة ومعناها ولعدم الالتباس، وأُلحق بالإظهار المطلَق موضعان، وهما: ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ [يس: 1، 2] ، و﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1]، فلا تدغَم نون (يس)، ولا نون (ن) في الواو التي بعدها؛ بل تُظهَر مراعاة لروايَة حفصٍ عن عاصم وغيرها، وقيل: مراعاة للانفصالِ الحكمي كذلك؛ فالنون وإن اتصلَت بما بعدها لفظًا في حالة الوصل، فهي منفصلة حكمًا، فـ(يس) و(ن) اسم للسُّورة التي بُدِئت بها على رأي بعضِ العلماء، ويسمَّى إظهارًا مطلقًا؛ لعدم تقيُّده بحلقيٍّ أو شفويٍّ أو قَمَريٍّ.
68) وَالقَلْبُ عِنْدَ البَا بِغُنَّةٍ كَذَا ♦♦♦ لِاخْفَا لَدَى بَاقِي الحُرُوفِ أُخِذَا
(وَالقَلْبُ عِنْدَ البَا بِغُنَّةٍ كَذَا)؛ أي: إذا جاء بعد النون السَّاكنة أو التنوين حرفُ الباء تُقلب النونُ الساكنة أو التنوين ميمًا ساكنة مُخْفاة بغنَّة، ويسمَّى هذا الحكم: الإقلاب، ومن أمثلته: (الأنبياء)، (من بعد)، (سميعًا بصيرًا).
(لِاخْفَا لَدَى بَاقِي الحُرُوفِ أُخِذَا): وهنا الحديث عن الحكم الرابع مِن أحكام النونِ الساكنة أو التنوين، وهو الإخفاء، ويكون إذا جاء بعد النون الساكنة أو التنوين أحدُ حروف الإخفاء الخمسة عشر، وهي الحروف المتبقِّية بعد إخراج حروف الإظهار والإدغام والإقلاب، وقد جمعها الشيخُ الجمزوري رحمه الله في منظومته: "تحفة الأطفال" في أوَّل حرفٍ من كلِّ كلمة من هذا البيت:
صِفْ ذَا ثَنَا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَمَا♦♦♦دُمْ طَيِّبًا زِدْ فِي تُقًى ضَعْ ظَالِمَا
ويتحقَّق الإخفاءُ بالنُّطق بالحرفِ بصفةٍ بين الإظهار والإدغام، عاريًا عن التشديد مع بقاءِ الغنة، ومن أمثلته: (ينصركم)، (إن كنتم)، (من ذكر)، (قومًا جبارين)، (شيءٍ شهيد)، (صعيدًا طيبًا).
[1] وفي نسخ أخرى: "اخْفَا" بهمزة وصل.
[2] لمزيد من التفصيل حول أحكام النون الساكنة والتنوين - انظر: دراستنا أيسر المقال في شرح تحفة الأطفال.
[3] وفي نسخ أخرى: "صَنْوَنُوا" بالصاد، وهذا اللفظ أولى بالذكر؛ لوروده في القرآن الكريم.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك