|
09-15-2015, 12:26 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
في الطريق إلى المذهب - د. عصر محمد النصر
في الطريق إلى المذهب
تمهيد :
يمثل المذهب الفقهي مدرسة من مدارس العلم التي وجدت في تاريخ الأمة, حيث عمل بها المسلمون قرونا متتالية, فكانت جزءًا من نظام تدينهم, وطريقا لتفقههم وتعلمهم, وهي كغيرها من مدارس العلم ذات سلسلة متوالية عرفت برجالها ومصنفاتها, وقد جرى عليها ما جرى على سائر المدارس من تغيرات وتأثر بعلوم أو بصبغة البيئة, ومن جملة التغيرات المهمة تلك التي حصلت في القرن الماضي حيث ظهرت أنواع من طرق التفقه ووسائله جرت على غير ما كان معهودا فيما مضى من الزمان, وقد ظهر أثرها على انقطاع سلسلة التدريس المذهبي إلا في بعض المحاضن العلمية, وأشدُّ من ذلك ما توجه للمذاهب من نقد وصل في بعض الأحيان إلى رمي أصحابه بالبدعة, ودون ذلك وصفها بالجمود والتقليد, بل عدّ المذهب سببا للفرقة واختلاف الكلمة, وقد ضاع بين ركام تلك التهم كثير من حقائق الدرس الفقهي المذهبي وغابت محاسنه, وتكلف الناس أنواعا من النظر واتسعت الدعوى, وبعد مضي الزمان انكشف الأمر! فلم تتقدم الأمة شبرا بتركها للمذاهب, ولم ينبغ الفقهاء بسلوك غير طريقها, وازداد الاختلاف وكثرت الفرقة, وعودا على بدء فقد عادت الأصوات تنادي من جديد أن هلموا إلى المذاهب الفقهية, وكحال كل دعوة جديدة تعلوها الحماسة وتغذيها الدوافع ويدخل فيها أصناف من الناس, مما يستدعي ترشيد هذه الحركة الفقهية, ومن هنا جاءت فكرة هذا المقال في سلسلة متتابعة يجمعها عنوان رئيس :" إشكالية الدرس الفقهي ", حيث تعالج هذه السلسلة مواضيع متعددة متعلقة بالمذهب الفقهي, ك " السياق التاريخي لترك المذاهب", و"طرق التفقه عند المتأخرين", و"إشكالية القول المعتمد في الدراسات الفقهية المعاصرة", و"مشكلات على طريق الدارس والمتعلم", وغيرها من المواضيع, و الهدف من طرح هذه السلسلة هو فتح باب النقاش, والوقوف على ملاحظات أهل الاختصاص, وترشيد الرجوع إلى المذاهب الفقهية.
مقدمة :
لا تلبث عَجلة الزمان تجري فتحرك مكامن الأحداث وتهيج أسبابها, و مازالت الأحداث بما تحمله من آثار على النفس فتحفزها وتحيي فيها تساؤلات هي من طبيعتها وأساس وجودها, هذه المقدمة عنوان مرحلة ولا أعني مرحلة بعينها بل تنطبق على كل مرحلة تستوجب الرجوع إلى الذات, ذات الفرد وذات الأمة بما لديها من تاريخ, وقد تقرر أن استنهاض الهوية وما تحمله من خصوصية لا سيما عند اشتداد الخطوب هو من البدهيات لدى كل أمة, ومن تأمل في الأحداث والنوازل التي مرت بها الشعوب, رأى ما يظهر فيها من حاجة للمراجعة, حيث تصور تلك الأحداث حقيقة حال الأمم والشعوب وما فيها من ضعف تَسبب في انهيار حضارتها وثقافتها وانفراط عقدها, وأعظم المراجعات تلك التي تحيي هوية الأمة, وما فيها من خصوصية وأهم ذلك أصولها العلمية والمعرفية المعتمدة على الوحي, ومن هنا قد تختلف المراجعات في الأمم, فمنها ما يؤتي أكله ومنه دون ذلك, وقد كتب لنا التاريخ تجارب بعض الأمم كالأمة الأوروبية, حيث رجعت إلى تراث الإغريق القديم وأحيت علوم الفلاسفة, وتركت تعاليم النصرانية, مما أوجد فجوة حضارية انعكست على قيمهم ومعالم حضارتهم المعاصرة.
المراجعات من حيث هي حركة ثقافية في الأمم لا تكون عادة إلا في سياقات معينة, يحفزها وجود نوع خضوع لسلطة غالبة وعدو يهدد الهوية والوجود, حيث تنشد الأمة نهضة تتطلب منها الوقوف على مواضع الضعف والقوة, وإعادة التقييم, وقد يكون لانتشار ثقافات أخرى أثر كبير في الدعوة إلى المراجعة, فالمراجعات إذن تقوم على عنصرين اثنين:
الأول : تقييم العنصر الخارجي, وحسن التعامل معه, وهذا يعين على الاستفادة منه, ودفع ما فيه من ضرر.
الثاني : مقدار تحقيق الأصول, فعلى قدر الثقة بهذه الأصول والنهل من نبعها وحسن تحريرها مع الثقة بها تتحقق الفائدة وتكون الاستفادة, وعلى قدر تحقق هذين الأصلين تصح المراجعة وتتضح الطريق.
التجديد من حيث هو مظهر من مظاهر المراجعة= بل هو غايتها, سنة إلهية يكرم الله به عباده " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"( أبو داود, صحيح), فالتجديد في حقيقته يمثل حاجة ملحة لاستنهاض الأمة وإصلاح ما دخله الخلل من شأنها, حيث يجري الزمان وتتغير الأحوال, فهو يرتكز على أمرين :
1. بقاء الرسالة و صلاحها.
2. وجود التغير في الواقع.
عند الكلام عن التجديد لا بد من ملاحظة عناصر الضعف والقوة, وهذا أمر غاية في الأهمية, فهو يعين على حسن التعامل مع الموروث العلمي والمعرفي, ويقف بالمجدد على حقيقة الضعف والقوة, ويمنع من اضطراب الاجتهاد وهذا بطبيعة الحال يتطلب أن يكون المجدد مؤهلا في ثقافته ولغته, وكل نقص في ثقافة المجدد أو لغته أو ضعف تدينه وقصور أدواته يعود على عمله بالنقص, وليس الأثر هنا أثرا فرديا وإنما يعود على عموم الأمة حيث يقطع الصلة بين حاضر الأمة وماضيها, فضلا عما له من آثار على الواقع حيث تضطرب مسالك العلم المشهورة المستقرة, وتشذ عنها مسالك بسبب ضعف التقييم وضعف المؤهلات؛ ولذلك كانت دعوى التجديد دعوى تحتاج إلى برهان ظاهر وتأني في قبولها والركون إليها.
وبعد هذه المقدمة يمكن طرح جملة أسئلة يكون في الجواب عليها تصوير للمسألة ومحل الإشكال فيها, وهي على النحو الآتي :
هل كانت المذاهب عنصر ضعف في حركة البناء العام ؟ هل التقليد ظاهرة خاصة بالمذهبيين ؟ هل عجز أصحاب المذاهب عن التعامل مع النوازل والمستجدات في العصور الماضية ؟ هل طرح المخالفون للمذاهب بديلا صالحا ؟ وهل راعوا مراتب التفقه فيه ؟
وتبقى بقية من الأسئلة سيأتي تناولها تباعا في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى
كتبه:
د. عصر محمد النصر
دكتوراة في علم الحديث الشريف
صفحة د. عصر على الفيسبوك:
www.facebook.com/asur.naser
وعلى تويتر:
https://twitter.com/ibnmajjah77
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|