07-24-2015, 05:20 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
(0160) الفرع الثالث: إلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين
وهذا من آثار ترك المسلمين للجاد في سبيل الله.
المسلمون إذا طبقوا دينهم وجاهدوا في سبيل الله يؤلف الله بين قلوبهم، ويعينهم على التآخي في ذاته عز وجل، ويحصل بينهم من الترابط والتكاتف والتعاون ما يجعلهم خير أمة أخرجت للناس كما مضى ذلك. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:103-105].
أمر الله في هذه الآيات بالاعتصام بحبل الله، أي التمسك بدينه وكتابه وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، والعمل بها والاجتماع عليها، وأمرهم بأن يذكروا نعمته عليهم بتأليف قلوبهم، بعد أن كانوا متفرقين مختلفين في أيام كفرهم ثم أصبحوا إخوانا بعد إسلامهم.. وأمرهم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير التي لا فلاح لهم بدونها..
ولعل في هذا تنبيهاً على السبب الذي يستطيعون به أن يدوموا على اعتصامهم وائتلاف قلوبهم وأخوتهم، وهو توجيه طاقاتهم إلى الجهاد في سبيل الله - ومنه تآمرهم بالمعروف وتناهيهم عن المنكر - ودعوة الناس إلى هذا الدين وقتالهم عليه، للدفاع عنه، والدعوة إليه.
ثم نهاهم سبحانه عن تقليد الكفار من الأمم السابقة الذين تفرقوا واختلفوا من بعد أن قامت عليهم حجة الله، بإنزال كتبه وإرسال رسله، وما كان ذلك التفرق والاختلاف إلا بسبب تركهم دينهم والقيام به. كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:14].
وهكذا كل أمة تتنكب صراط الله المستقيم، فإن الله يجعل بأسها بينها بدلاً من توجيه ذلك البأس إلى عدوها، إذا هي استقامت وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر..
وقد قال تعالى للمشركين الذين كانوا يصدون الناس عن دعوة الرسول صَلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}". [الأنعام:65، وراجع في ظلال القرآن (7/1124)].
ولقد كان العرب قبل الإسلام، يتقاتلون فيما بينهم، يغزو بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، لأسباب تافهة، ولتهب القبيلة القوية أموال القبيلة الضعيفة، وأسر رجالها ونسائها على السواء، ومعلوم ما كان يحصل بين الأوس والخزرج، من حروب طويلة فيما بينهم.
فلما جاء الإسلام، جمع تلك القبائل كلها تحت راية واحدة، وتآخوا فيما بينهم إخاء يندر أن يوجد في غيرهم، واجتمعت كلمتهم، واستم اجتماعهم على الحق، كانت مجتمعة وقلوبهم مؤتلفة عندما كانوا جادين في الجهاد في سبيل الله.. فلما فتحت الدنيا وبدأ يظهر شيء من التنافس في الدنيا وهدأت الفتوحات دب الخلاف بينهم، وفي مقتل عثمان رَضي الله عنه، ثم ما أعقب ذلك من وقعة الجمل وصفين دليل واضح على هذا المعنى.
وقد أشار إلى ذلك أبو برزة الأسلمي رضي الله عرَضي الله عنهه..كما في حديث أبي المنهال قال: "لما كان ابن زياد ومروان بالشام، وثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي، حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلم فيه: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش.
إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صَلى الله عليه وسلم، حتى بلغ بكم ما ترون وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم. إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على دنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على دنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا". [البخاري رقم 7112، فتح الباري (13/68)].
فقوله: "من الذلة والقلة والضلالة، وأن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صَلى الله عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون.. يفسر معنى قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26].
وكانت هذه النعمة التي أنعم بها عليهم، فكثرهم بعد قلة وأعزهم بعد ذلة، وأغناهم بعد فقر، وأشبعهم بعد جوع، بما رزقهم من حمل الأمانة ورفع راية الجهاد في سبيل الله، استجابة لدعاء الرسول صَلى الله عليه وسلم في أول معركة فاصلة بين المسلمين والمشركين..كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم)، ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا.. [سنن أبي داود، برقم (247) وهو في جامع الأصول (8/188)].
وإذا قعد المسلمون عن الجهاد واختلفوا فيما بينهم، اهتبل الطواغيت ذلك وأججوا نار الخلاف والفرقة بينهم، بالإغراء والتحريش، ليزداد انقسامهم على أنفسهم ويشتد نزاعهم وخصامهم، حتى يضرب بعضهم رقاب بعض.. وهو الذي حذر منه الرسول صَلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم أشد النهي.. كما في حديث ابن عمر وأبي بكرة، وابن عباس، وجرير: (لا ترجعوا - وفي رواية لا ترتدوا - بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) [البخاري رقم 7077ـ7080، فتح الباري (13/26)].
بدلاً من ضربهم رقاب أعدائهم الذين يعتدون عليهم، ويحولون بينهم وبين الدعوة إلى الله، أمرهم الله بجهادهم في سبيله.. كما قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:4].
ولقد حل بالمسلمين هذا البلاء وألقى الله بينهم العداوة والبغضاء، لأن كثيرا منهم نسوا حظاً مما ذكروا به، كأهل الكتاب، وسنة الله واحدة لا تتغير ولا تتبدل.. والكفار من هذه الأمة، أو الفساق، أو الظلمة منها، لا ميزة لهم على كفار الأمم السابقة وفساقها وظلمتها.. كما قال تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:43].
فانتثر عقد الأمة الإسلامية وانقسموا إلى دويلات وشعوب وجماعات وأحزاب، اختلفوا في عقائدهم وفي سياساتهم وفي ولاءاتهم، حتى إنك لترى الولاءات لغير الله في أكثرهم، هذا شيوعي متطرف يتبع الصين – مثلاً - وهذا شيوعي معتدل، يتبع روسيا - مثلاً- وهذا اشتراكي، وهذا قومي، وهذا يميني وذاك يساري، وهذا رأسمالي، وذاك اشتراكي. كل دولة تلعن الأخرى وتحاربها، وكل شعب يفتخر على الآخر ويحتقره، وكل جماعة تعادي الأخرى وتشهر بها وتذكر مساويها، وكل حزب يقاتل نده..
وأعداء الله من دول الكفر يشعلون نار الفتنة بين تلك الدول والشعوب والجماعات والأحزاب، ويضعون لهم المناهج والخطط التي توسع الخلاف بينهم يمدونهم بالأسلحة التي يدمر بها بعضهم بعضاً.. حتى أصبحت الدول تنام برئاسة فلان وبقيادة الحزب الفلاني، فتصبح وقد تغير زعماؤها وزج بهم في السجون أو دفنوا تحت أنقاض قصورهم بالأسلحة المدمرة.
وهكذا الحزب الواحد ينقسم أعضاؤه حتى يصبح عدداً من الأحزاب، لا بل إن الأسرة الواحدة في البيت الواحد، تجد كل واحد منهم تابعاً لحزب وهو يتجسس على أخيه أو أبيه أو أي قريب له آخر، ينتمي إلى غير حزبه ويتربص به ويهدده بيوم النصر المنتظر لحزبه.
ولو أراد الباحث أن يضرب أمثلة لتلك العداوات والبغضاء التي ألقاها الله بين الدول الحاكمة لبلاد المسلمين، وتلك الشعوب الإسلامية، والجماعات والأحزاب لملأ كراريس عديدة، ولكن المسلم - أو غير المسلم - المعاصر إذا استعرض بلاد المسلمين كلها يظهر له ما نزل بها بعضها مع بعض أو في داخل كل بلاد من بلاء.، وما يدور اليوم بين المسلمين، من عدوان بعضهم على بعض وقتال بعضهم بعض، وتشريد الشعوب من ديارهم الذين لا يجدون المأوى، ولا الطعام ولا الماء ولا الدواء يعتبر من الشواهد الواضحة في هذا الموضوع.
وما بقي إلا أن ينتظر المسلمون وعد الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:54-56].
بعد أن أذاقهم الله ما هددهم به وحذرهم منه في قوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39] وهاهم اليهود احتلوا أرضنا وحل بنا العذاب منهم، كما يحصل بين فترة وأخرى حيث يهاجمون إخواننا الفلسطينيين، ويلحقون بهم من الدمار والهلاك، ما لا طاقة لهم بصده، والمسلمون يتفرجون، ولا يحركون سانا.!
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|