07-24-2015, 05:25 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
خطبة جمعة الظلم عواقبه وقصص بعض الظالمين 2
المقدمة
أمابعد، فياأيها المسلمون والمسلمات عباد الله،إن الظلم خزي وشنار، ومنبع الهلاك والدمار، وسبب لخراب القرى والديار، موجب للنقم، ومزيل للنعم، يهلك صاحبه ويدمر الشعوب والأمم، وقد نزه الله نفسه عنه: (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ) [غافر: 31](وماربك بظلام للعبيد) ولفظة (ظلام ) على وزن (فعال) ليست صيغة مبالغة،انما هي صيغة النسبة،والنسبة قد تكون للحرف وتكون للأفعال وتكون للبلد،فلو قلنا انها صيغة مبالغة فحينئذ نثبت لله الظلم الذي نزه نفسه عنه ونفاه عن نفسه في غير ما آية،
اخوة الإسلام،ربنا سبحانه تنزه عن الظلم ، وأمر بضده وهو العدل فقال: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات:9](إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) [النحل:90] وأخبر أنه لا يحب الظالمين، وتوعد بعذابهم فقال: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [الزخرف: 65]مؤلم موجع،وهددهم بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة فقال:(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227] وطردهم من رحمته وأبعدهم منهافقال:(فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[المؤمنون: 41]. فلكل ظالم حظ من اللعنة المذكورة في قوله تعالى:(أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18] وإن عاقبتهم الخيبة كما قال تعالى: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23] ويكفى في ذم الظلم قوله عز وجل:(وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)[طه: 111] وهو ظلمات سوداء على صاحبه يوم القيامة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وحذّر: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". فبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب". وقد جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا". وكان أبو إدريس الخولاني راوي الحديث إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه،
إخوة الإسلام ،الظلم مجاوزة الحد، ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي، فالعدوان على حقوق الآخرين محرم في جميع الشرائع السماوية، وربنا سبحانه أمر نبيه أن يحكم بالعدل، وأخبر أنه أنزل الكتاب من أجل هذا، قال يزيد بن حكيم: "ما هبت أحدًا قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله، يقول لي:حسبي الله، الله بيني وبينك".
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لها أمد وللأمد انقضاء
وقال مجاهد رحمه الله: "المعلم إذا لم يعدل بين الصبيان كُتب من الظلمة" فما بالك بمن هو أعتى من ذلك، دعوات المظلوم تصعد إلى الله كأنها شرارات.وقال سفيان الثوري:"إن لقيت اللَّه تعالى بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين اللَّه تعالى أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد"، ومعنى قول سفيان رحمه الله، أن الله قد يسامح في حقه، لكن حقوق المخلوقين لا يمكن التنازل عنها عنده، فلابد أن يقتص للمظلوم من الظالم، وعن أبي بكر الوراق أنه قال: "أكثر ما ينزع من القلب الإيمان ظلم العباد"،ومن صور ظلم العبد للعبد في المعاملات مثلاً: كبخسه في حقه ومنعه إياه والتنقيص معه في المكايال والميزان، وعدوانه عليه ضربًا وشتمًا ونحو ذلك، وسفك دمه،وهو من أعظم الظلم بين العباد،وأول ما يقضى فيه يوم القيامة الدماء،.والله تعالى يمهل الظالم، ثم يأخذه، فإذا أمهله قال الناس: أين دعوات المظلومين؟! فإذا جاء الانتقام تذكروا وقالوا هذه:إذا أخذه لم يفتله،عباد الله، هناك ظلم جماعي بالإضافة إلى الظلم الفردي، وهو ما يقع من مجموعة من الناس كأهل بلد مثلاً؛ قال الله عز وجل:(هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام: 47]وقال سبحانه:(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [يونس: 13] وقال عز من قائل:(وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) [الأنبياء: 11] (واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)وسنة الله المضطردة إهلاك الأمم الظالمة:(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ...)، فماذا حصل (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)، ثم قال:(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 100-102] فهذا أخذ جماعي:(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) عندما يطغون في الأرض ويبغون فيها بغير الحق: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [فصلت: 15] (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِفَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَفَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 11-14]وقال عز وجل:(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف: 59]فقد يشركون بالله ويكفرون، فيرسل الله عليهم زلازل مدمرة، أو طوفانا مغرقًا، وقد يرسل الله عليهم إعصارًا فيأخذ منهم من يأخذ، فإما أن يكون إهلاكًا عامًا أو إهلاكًا[A1] جزئيًا، والله قد أخبرنا في كتابه العزيز:(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا) [الإسراء: 58] فإما أن يكون عامًا وإما أن يكون جزئيًا، ونحن نرى ذلك بأم أعيينا في هذا الوقت، ونرى من إهلاك الله عز وجل للعصاة وللعتاة،والطغاة والظالمين ما نرى على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) [الأنعام: 115] فسنة الله ماضية، وأخذه حاصل، ووعده لا يتخلف،عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس أن أباه عندما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى:(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 45]، فكان السلف يقرؤون الآيات عند وقوع الأحداث،عباد الله: ما من ذنب أقدر أن يعجل الله تعالى بصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم، والباغي هو الظالم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يعني لا مانع لها، يعني أنها مقبولة ولو كانت من عاصٍ بل لو كانت من كافر، (من كفر فعليه كفره)لاحظ هذا الأسلوب، فيه حصر وقصر، فكما يقال السلحفاة بيته على ظهره،فالكافر كفره قاصر عليه،وما دخلك أنت، أنت تملك شيئا واحد وهو الدعاء له بالهداية،كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال:(اللهم اهد دوسا وأت بهم)وقد جاء في الحديث الآخر:"دعوة المظلوم مستجابة ولو كان فاجرًا ففجوره على نفسه". ومن آثار الظلم العظيمة: خراب البلاد اقتصاديًا وعمرانيًا، فيخرب الله دنياهم كما خربوا دينه:(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) [النمل: 51، 52] فالفاء سببية، أي بسبب ظلمهم (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).فهذا مخمر القذافي كان مجرما بما تحمله الكلمة من معان الإجرام،فقد أجرم في حق الدين،وأجرم في حق الإنسانية والدولة،أما اجرامه في حق الدين فنجمله فيما يلي:
1ـ أنه قال كل فعل أمر ورد في القرآن الكريم بصيغة (قل) ينبغي حذفه،قال لأن الخطاب(بقل) هو لمحمد ومحمد قد مات،وعليه فلاداعي لأن نقول نحن( قل) وعلى رأي هذا المتهور المعتوه الأرعن،نقرأ القرآن هكذا، (أعوذ برب الناس) (أعوذ برب الفلق ) (الله أحد) (ياأيها الكافرون) هكذا قال بكل وقاحة وجسارة على كلام رب الأرض والسموات.
2ـ كان ينكر ما ثبت من الدين عن طريق السنة النبوية،ويسمي ذلك خرافة،فقد أنكر صلاة الإستسقاء،وصلاة الكسوف والخسوف وصلاة الإستخارة،وينكر أن يكون رمضان تسعا وعشرين يوما،ويقول:القرآن قال:(شهر رمضان) والشهر ثلاثون يوما،فليبيا طيلة فترة حكمه تصوم ثلاثين يوما،والويل ثم الويل لمن تسول له نفسه أن يستفسرأو يعترض فيما يقول أو يفعل،فهو كل شيئ ويتدخل في كل شيئ.
3ـ وقال عن الكعبة المشرفة ،قبلة المسلمين انها رمز وثني.
وأما إجرامه في حق الإنسانية،فحدث ولاحرج،فأزيد من أربعين سنة،وهو يذيق الشعب اللبي سوء الذل والهوان والعذاب،ففي سجن أبي سليم،أحدث فيهم مجزرة قتل فيها آلآفا من أبناء الشعب الليبي ظلما وعدوانا وتجبرا وطغيانا،وأكمل ما تبقى في الحرب الأخيرة،فدمر ليبيابالكامل،بسبب تجبره وتعنته وكبريائه وغطرسته،أزهقت أرواح الألآف من البشر،ودمرت ليبياوشرد من شرد،وهو لا يبالي لايفكر الا في نفسه،ولاتهمه الا نفسه،أتى بالمرتزقة من كل حدب وصوب ليقتلوا الشعب الأعزل الذي خرج الى الشارع ليقول:كفى لاللظلم ولاللطغيان ولا للإستبداد ، امتثالا لمقولة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )فجهز عصاباته الإجرامية الإرهابية،ليتفننوا في قتل الشعب دون رحمة ولاشفقة،بالأسلحة الثقيلة الفتاكه،فتفننوا في القتل والتعذيب والتنكيل والترويع،واغتصاب النساء والرجال على السواء،وانتهاك الأعراض والحرمات،والتمثيل بجثث الضحايا،فلم تسلم منهم النساءولاالأطفال الرضع ولاالشيوخ الركع ولاالعجزة والمرضى،فكم يتم من أطفال وكم رمل من نساء،وصمم على قتل الشعب الليبي عن بكرة أبيهم،وتوعد بملاحقتهم فردا فردا،واحدا تلو الأخر،ووصف أبناء وحفدة عمر المختار بالجرذان،فكانت نهايته أن وجد في أنبوب تحت الأرض كالفأر،عباد الله،لكل ظالم نهاية،لكن أي نهاية ؟إنها نهاية مخزية(وتلك الأيام نداولها بين الناس)والأيام دول وعلى الباغي تدور الدوائر،وربنا يمهل ولايهمل،(إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)فما كان من هذا الطاغية إلا أن مزق شمله،وشتت أسرته،ولقي مصرعه وحتفه،في حالة هي في غاية من الذلة والحقارة،كيف كانت نهايته ياعباد الله؟نهايته أنه وجد في جحر،في أنبوب كالفأر،من القصور الى الأنابيب الجحور،وعندما قبض عليه،كان يقول:ماذا هناك،ماذا هناك؟ولفظ أنفاسه الأخيرة دون النطق بكلمة الإخلاص،وهذا عين الخزي والإفلاس،وهي خاتمة سوء عياذا بالله،فهذه هي النهاية الحتمية لكل ظالم وطاغية،والدور يأتي على باقي الطغاة وياليتهم يعون الدرس جيدا،(فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)فاللهم وال على المسلمين خيارهم: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). فالجور والظلم يخرب البلاد (وإن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولاينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة).وقال بعض السلف: "من ظلم خرب بيته"، ومصداقه في القرآن: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا). ومن عقوبات الظالم تسليط ظالم آخر عليه، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام: 129]، ما معنى نولي بعض الظالمين بعضًا؟! يعني نسلط بعضهم على بعض، نسلط ظالمًا على ظالم سابق، فيهلكه ويزله، وهذا تهديد للظالم، إذا لم يمتنع من الظلم أن يسلط الله عليه ظالمًا آخر، ويدخل في هذه الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الناس.قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "إذا رأيت ظالمًا ينتقم من ظالم فقف وانظر فيها متعجبًا"؛ لأن الآية انطبقت في الواقع أمامك: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
اللهم إنا نعوذ بك أن نظلم أو نُظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، وارزقنا العدل وما قرب اليه من قول أو عمل، إنك سميع الدعاء، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله،الحمد لله حق حمده،وما من نعمة الا من من عنده، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، أحمده وأقدره وأسبحه ولا أشرك به أحدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليه، صلى الله عليه وعلى آله،وارض اللهم عن الصحابة أجمعين،وعنا معهم بمنك وكرمك ياكريم ،وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: حفل تاريخنا -ومن يتأمل أيام الله تعالى- بوقائع كثيرة، يرى من خلالها انطباق سنن الله عز وجل على الظالمين، ومن ذلك ما يحكى أن وزيرا ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها، فشكته إلى الله، فأوصاها هادئًا بالدعاء في ثلث الليل الآخر، فدعت عليه شهرًا، فابتلاه الله بحاكمه، فقطع يده وعزله وأهانه، فمرت عليه وهو يجلد، فشكرته على وصيته وقالت:
إذا جـار الوزير وكـاتباه *** وقاضي الأرض أجحف في القضاء
فـويل ثـم ويـل ثم ويل *** لقاضي الأرض من قاضي السماء
وذكر أبو عون الفرائضي أن ظالمًا قبض على امرأة وأمر بجرها، فقالت: اتقِ الله، فلم تزل تناشده، فلما يئست رفعت رأسها إلى السماء وقالت: "اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، إن هذا الرجل ظلمني فخذه". فوقع على ظهره ميتًا وأنا أنظر، وانصرفت المرأة،وكان ابن الزيات هذا الظالم أيام توليه السلطة، عنده تنور من حديد فيه مسامير إلى الداخل محددة، وإذا لم يعجبه أحد أدخله في هذا الفرن وأوقد عليه يحمى تدريجيًا، فإذا تحرك المسكين في الداخل نهشته المسامير، فيقول المسكين: ارحمني، فيقول: الرحمة خور في الطبيعة -يعني الرحمة ضعف شخصي-، فدارت الأيام واعتقله المتوكل وأدخله ذلك التنور وقيده بخمسة عشر رطلاًمن حديد وأوقد عليه فقال: يا أمير المؤمنين: ارحمني، فقال المتوكل: الرحمة خور في الطبيعة،هذا في الماضي، وأما في حاضرنا فهذا رجل دخل السوق وكان يمثل رئيس الجماعة القروية،فوجد طفلا له طاولة يبيع عليها الحلويات والأكياس وكان هذا الرئيس طويلا قوي البنية،فضرب برجله طاولة ذلك الطفل قائلا له كم من مرة وأنا أقول لك اسحب هذه الطاولة من هنا،فبدأ الطفل يجمع تلك الحلوى من الأرض التي بعثرها له الرئيس برجله وهو يبكي ،فاجتمع الناس فبدؤا يقولون للرئيس حشومة عليك،ان هذا الطفل يتيم،وهو كبير اخوته يسترزق هنا من أجل أن يشتري لإخوانه الزيت والسكر والملح والصابون،والطفل يجمع وهو يبكي ويمسح الدموع وما هي إلا أيام وإذا بالرئيس يشعر بألم شديد في رجله تلك، وكل يوم إلا ويشتد عليه الألم،فأخذ الى المستشفى ففحصه الطبيب وقرر أن تبتر رجله،وإلا سينتشر الوباء ويسري في الجسد كله،فأجريت له عملية البتر فعاد من الطبيب برجل واحدة،وهذا شخص ظلم وآذى رجلا بلسانه تكلم فيه بما ليس فيه ، فلما وصل الخبر الى هذا الرجل اغتم،وغضب ودعى عليه،وكتب الله له أن حج ودعى عليه في الحج،وما هي أيام فإذا بهذا الشخص اتصل به صديقه في الهاتف قائلا له أين أنت فأجبه في المنزل فقال له صديقه ما رأيك لو نمشي الى المدينة الفلانية، فقال لهأبشربعد خمس دقائق ستجدني في السيارة،فخرج ودخل سيارته منتظرا صاحبه،وسيارته ،وتأتي امرأة عجوز بسيارة صغيرة ودخلت في سيارته،من الجهة التي جلس فيها هو،فضربته شر ضربة،وبقي على إثرها أسبوعا في حالة خطرة،وتمزق شدقه،وأجريت له عملية على رأسه،وقال الطبيب لزوجته إن مسسنا دماغه فإما أن يكون أبكم أو مشلوما، فمكث في المستشفى كثيرا،فبلغني خبره،فزرته أنا مع امام آخر في المستشفى بعدما تحسن وضعه قليلا، وقبل أن يخرج من المستشفى، فعرفنا ونحن ما عرفناه،لأن حالته تغيرت تماما،صار نحيفا بعدما كان ضخما قويا،وبعد خروجه من المستشفي قيل لي إنه أعيد الى المستشفى وأجريت له عمليات أخرى على مستوى الرأس،وهذا رجل آخر كان له جارن يجاورانه في نفس العمارة، وكان يتأذى من ضجيجهما،وتكلم معهمامرارا لكن دون جدوى،فكان يدعوا عليهما فماتا بسكتة قلبية،أحدهما مات في المطار أراد أن يسافر الى بلده فمات في المطار،وأما الأخر فذهب الى البنك وسحب النقود وترك ابنته في السيارة،وفتح باب السيارة وأدخل الفتاح تحت المقود ليحرك السيارة فإذا به يصاب بسكتة قلبية فمات أيضا، وهكذا يجيب الله سبحانه وتعالى دعوة المظلوم ولو بعد حين،عباد الله: إن الله يمهل ولا يهمل، على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات، ونحن والله نرى سنة الله تنطبق على الظالمين،
ويكفي الظالم عارا وشنارا،أنه لا يفلح الظالمون، وأن الله عز وجل يأخذ، وأن أخذه أليم شديد.
ويكفي الظالم أنه خارج عن عناية الله: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة: 124].
ويكفي الظالم أنه ملعون: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 44].
سُبل الوقاية من الظلم،واليكم إخوة الإسلام بعض سبل الوقاية من الظلم،
1ـ أن نقرأ قصص الظالمين في الماضي والحاضر،من أجل التذكرة والعظة
2ـ أن نربي أنفسنا وأهلنا على عدم الظلم،والإبتعاد عنه، وعلى إعادة الحقوق لأصحابها.
3ـ أن نوطن أنفسنا على عدم الركون إلى الظالم وعدم معاونته؛ لأن الله قال: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود: 113].
4ـ أن نتربى على عدم الاستسلام للظلم لأن الله قال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشورى: 39].
5ـ أن نتربى على عدم المحاباة في الظلم، حتى يقف الظالم عند حده.
وأن يعود أنفسنا على الدعاء، بمثل هذا الدعاء (اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أضل وأعوذ بك من أن أزل أو أزل،وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم ،وأعوذ بك من أن أجهل أو يجهل علي)
اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا يا رب العالمين.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|