09-23-2015, 07:38 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,532
|
|
(013)طل الربوة-لوسطية والاعتدال:
إن من أهم المبادئ التي يجب على الأستاذ أن يحرص على غرسها في نفوس طلابه، وتعميق تفقههم فيها، الوسطية والاعتدال، والبعد عن الإفراط والتفريط في كل شؤونهم، فالأمة الإسلامية هي أمة الوسطية التي تحفظ توازنها، وتجعلها قدوة لغيرها في ذلك، وإنما الأمة مكونة من أفرادها، فإذا تربى غالب أفرادها على الوسطية، تحققت فيها تلك الوسطية في كل شؤون حياتها.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً...}. [لبقرة] وقد فُسِّر الوسط بالخيار العدول، وفُسِّر بالاعتدال بين الغلو والتقصير، وكلاهما مُراد، فلا يمكن أن تتصف الأمة بالخيار والعدول وهي أمة غالية أو مقصرة(.[يراجع تفسير الآية في كتب التفسير، ومنها تفسير القرآن العظيم لابن كثير (/191) وتفسير البغوي (1/122).]
وهذا المبدأ الإسلامي شامل لحياة المسلم كلها، في عقيدته وفي عبادته وفي إنفاقه وفي معاشرته وفي حكمه على غيره، وذلك مبثوث في كتاب الله وفي سنة رسول الله وسيرته صلّى الله عليه وسلم، رَبَّى عليه أصحابه، ومضت عليه أمته، ولا يخرج عن هذا المبدأ إلا جاهل أو معاند.
فقد نهى الله تعالى أهل الكتاب عن الغلو في الدين، وبيَّن مع نهيهم عن ذلك مبدأ الوسطية هذا، فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً(171)}.[لنساء]
ووجه الرسول صلّى الله عليه وسلم، أصحابه، إلى الاقتصاد في العبادة، بحيث لا يبالغون فيها مبالغة تلحق بهم ضرراً في أجسادهم، أو تلحق ضرراً بمن له حق عليهم.. كما في حديث أنس بن مالك رضِي الله عنه، قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلّى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). [صحيح البخاري رقم (4776) وصحيح مسلم رقم (1401).]
وفي قصة تهجد أم المؤمنين زينب رضِي الله عنهـا من حديث أنس أيضاً، قال: "دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: (ما هذا؟) قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به. فقال: (حلوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر قعد). [لحديث في صحيح البخاري مختصراً برقم (1/210) وهو بهذا اللفظ في صحيح مسلم برقم: ( 784).]
وفي قصة قيام عبد الله بن عمرو رضِي الله عنه، وصيامه حديثه رضِي الله عنه، قال: "كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذُكرت للنبي صلّى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته، فقال لي: (ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟) فقلت: بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير. قال: (فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام). قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: (فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً)... قال: (فصم صوم داود نبي الله صلّى الله عليه وسلم، فإنه كان أعبد الناس). قال: قلت يا نبي الله وما صوم داود؟ قال: (كان يصوم يوماً ويفطر يوماً). قال: (واقرأ القرآن في كل شهر). قال: قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: (فاقرأه في كل عشرين). قال: قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: (فاقرأه في كل عشر). قال: قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: (فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك فإن لزوجك عليك حقاً ولزورك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً). قال فشدَّدت فشُدِّدَ عليَّ، قال: وقال لي النبي صلّى الله عليه وسلم: (إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر). قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي صلّى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله". [صحيح البخاري، رقم (5921) وصحيح مسلم، رقم (1159) واللفظ له.]
ففي هذه القصة التي استدعىالرسول صلّى الله عليه وسلمصاحبها، صاحبها "عمرو بن العاص" رضِي الله عنه، ونصحه فيها بالاعتدال في العبادة، مع المحاغظة على الحقوق الأخر التي لا ينغي أن يفرط فيها، بسبب المبالغة في العبادة المتعلق أثرها بالشخص نفسه، وبمن يتصل به من الناس الآخرين المحدود عددهدهم، فكيف إذا كان الشخص يبالغ في طلبه من غيره المبالغة في مثل ذلك أو غيره من العبادات اللازمة والمتعدية، التي ترهق المسلمين.
وقال تعالى آمرا هذه الأمة بالوسطية والاعتدال في الإنفاق: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}. [لفرقان 67] قال ابن تيمية رحمه الله عن أهل السنة: "وهم وسط في النِّحَل، كما أن مِلَّة الإسلام وسط في المِلَل، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين، لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون. ولا جفوا عنهم كما جفت اليهود، فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقاً وقتلوا فريقاً.
بل المؤمنون آمنوا برسل الله وعزروهم ونصروهم ووقروهم وأحبوهم وأطاعوهم ولم يعبدوهم ولم يتخذوهم أرباباً، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}.[ل عمران]
ومن ذلك أن المؤمنين توسطوا في المسيح، فلم يقولوا هو الله، ولا ابن الله، ولا ثالث ثلاثة، كما تقوله النصارى، ولا كفروا به وقالوا على مريم بهتاناً عظيماً حتى جعلوه ولد بغية كما زعمت اليهود، بل قالوا هذا عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح منه...
وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد الوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار ويخرجونهم من الإيمان بالكلية ويكذبون بشفاعة النبي ‘، وبين المرجئة الذين يقولون إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية" [انتهى كلامه من مجموع الفتاوى (3/370-374).]
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|