06-21-2015, 12:07 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
شرح زاد المستقنع للشيخ عبدالسلام الشويعر !!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بدأتُ في تفريغ شرح زاد المستقنع للشيخ العالِم عبدالسلام الشويعر حفظه الله ، وقد بدأتُ التفريغَ من بداية المقدِّمة التي بدأ الشيخ بها قبل الشروع في الشرح ، كتبتُها بالنصِّ ، قال الشيخ :
[بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربِّ العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدِّين ، ثم أما بعد : فهذا هو الدرسُ الأول بمشيئة الله عزَّ وجل في مذاكرة ومُدارسةِ كتاب زاد المستقنِع في اختصار المقنِع للشيخ موسى بن سالم الحجَّاوي المتوفَّى سنة ثمانٍ وستِّين وتسعِ مئةٍ من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلَّم .
وقبلَ أن نبدأ الحديثَ عن الكتاب وعن شرحِ ألفاظه أوَدُّ أن أبدأ بمقدِّماتٍ ثلاثٍ لا بُدَّ من استظهارها وبيانِ المعاني المحتويةِ عليها قبلَ البدءِ في هذا الكتاب أو في غيره من الكتب .
أوَّلُ هذه الأمور الثلاثة : أنَّ الفقه نعمة من الله عزَّ وجل ، ولذلك فإن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلَّم قال : (مَن يرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين) . وقال عليه أفضلُ الصلاة والسلام : (خِيارُكم في الجاهلية خِيارُكم في الإسلام إذا فقُهوا) أيْ إذا علِمُوا الفقهَ وكانوا فقهاءَ مَلَكَةً ونفْساً وصنعةً . والمرءُ لا يكون فقيهاً إلا بمعرفةِ أمرَين :
الأمرُ الأوَّل : معرفةُ الأصول ، ونعني بالأصولِ - أيضاً - أمرَين :
1- معرفةُ الأصول التي تُرجَع إليه الأحكام وهي الكتابُ والسنَّة ، ولذلك لا يمكِن أن يكون قَطُّ فقيهٌ على وجه المعمورة إلا وهو عالِمٌ بالكتاب والسنَّة .
2- معرفةُ كيفية استثمار هذه النصوص الشرعية سواءٌ بمعرفة دلائل الألفاظ أو بمعرفة الفَحْوَى وبمعرفة الأقْيِسَة ونحوِ ذلك من الأدلة المرَجِّحة والمدلِّلة والضعيفةِ أحياناً .
فكُلُّ هذه تُسمَّى معرفةُ الأصول ، والحديثُ فيه طويل ، وليس مخصوصاً بأصول الفقه فقط ، بل إن معرفةَ الناسخ والمنسوخ ، ومعرفةَ الكتاب والسنَّة وحِفظَها داخِلٌ فيه .
الأمرُ الثاني : لا يُمكِن أن يكون المرءُ فقيهاً إلا أن يكون عالِماً بالفروع الفقهية ، لا بُدَّ أن يكون المرءُ عنده من الفروع الفقهية ، وأن يكون مُطَّلِعاً حافِظاً - أو مُستظهِراً على أقـلِّ الأحـوال - لِعَـدَدٍ جَـمٍّ من الفـروع الفـقهيـة ، ولـذلك فإنَّ القـاضي أبـا يعـلَـى عليه رحمة
الله قال : (إن المرءَ إذا أراد أن يتعلم الفقه فإنه يبدأ بالفروع قبلَ البدءِ بالأصول ) .
وخالَفَه تلميذُه أبو الوفاءِ ابنُ عَقيلٍ فقالَ العكسَ . والـمُحصِّلةُ واحدة ، لا بُدَّ لكي يتعلم المرءُ الفقهَ مِن معرفةِ الفروع الكثيرة لأن الفروعَ معرفتُها كلُّها أو بعضُها تجعل الذِّهنَ ذا مَلَكَةٍ ، ما يُمكِن أن تكون فقيهاً ذا مَلَكَة إلا بمعرفتِك الكَمَّ الكبيرَ من الفروع الفقهية ، ولذلك إذا رامَ امْرُؤٌ أن يجتهد ابتداءً - وهو لم يطَّلع على فرعٍ فقهيٍّ أو خلافٍ في مسألة أن يستنبِط مباشرةً من الأصول أعني أصولَ الاستدلال من الكتاب والسنَّة أو بأصولِه القواعدِ الأصولية قواعدِ الاستنباط - فإنه سيُخطِئ كثيراً ، ولذلك يقولون :
(إنَّ مِن خطأِ ابنِ بشيرٍ - مع اطِّلاعه على الفروع وعدمِ الاعتداد بقوله - بأنه كان يعتمِد على التخريج على القواعد الأصولية ويُهمِل الفروع الفقهية) !!
إذاً لا يُمكِن أن يكون المرءُ - باتِّفاقٍ - فقيهاً إلا أن يكون عالِماً بالفروع الفقهية مُطَّلِعاً عليها اطِّلاعاً كثيراً ، ولذلك كلما مرَّ على المرءِ فروعٌ أكثر كلما كانت ملَكَته أقوى ، وكانت قدرتُه الفقهية أميَزَ ولا شك ، هذا مِن جانبٍ .
ينبني على ذلك أنه لو أراد امرُؤٌ أن يطِّلع على كلِّ الفروع المدوَّنة في كتب الفقه جميعاً فإن عُمُرَه سينقضي وما وصَلَ إلى الإحاطة بِعُشر مِعشار ما كُتِبَ قطعاً ، فإنَّ الفروع الـمُوَلَّدةَ كثيرة جداً ، ولذلك جاء عند الفقهاء ، هذا مِن جِهةٍ ، ومِن جهةٍ أخرى فإن الفروع إذا وجدتَها في الكتب يكون أحدُ العلماء من الناس قد أفتى بها ما يُخلِف فلاناً ، فلذلك اختلفَت رُآهُم ومآخِذُهم ، وهذا يدل عليه أيضاً كما قال عليُّ بن أبي طالب ïپ´ : (العِلمُ نقطة ، كثّرها الجاهلون بخَوضِهم) ، كثُرَ العلم ، ليس كالزمن الأول ، ولذلك اتَّخذ العلماءُ بعد ذلك أمراً مفيداً وهو معرفة الفقه - هذا الذي أردتُ أن أصِلَ له - عن طريق المذاهب الفقهية !! إذاً لماذا أخذْنا الفقه عن طريق المذاهب الفقهية ؟
لأن الفروع كثيرة لا يُمكِن للشخص يعرف الفقه عن طريق جميع الآراء الفقهية وإنما يأخذ مذهباً واحداً ، هذا مِن جهةٍ ، ومِن جهةٍ أخرى أنَّ هذا الكتاب في مذهبٍ مَّا - بغضِّ النظر النظر عن مذهبٍ أو غيره - فإنه يكون منضبِطاً لأنه قاعدتَه واحدة ، وخاصةً المذاهب المتبوعة الأربعة فإنه ما أُلِّفَ كتابٌ من الكتب فيها إلا وقد تتابع أُلوفُ العلماء على شرحه والتحشيَةِ عليه واختصارِه وتدريسِه وحفظِه ، فإن وُجِدَ فيه فرعٌ من الفروع خالَفَ قاعدةً أو خالَفَ معمولاً به بيَّنُوه وردُّوه ، فلذلك طلبُ الفقه عن طريق المذاهب الفقهية - التمذهبُ بأحد المذاهب الأربعة - هذه هي طريقة أهل العلم ، ويُستدَلُّ على ذلك بما جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم - في حديث أبي الدرداء وغيرِه - أنه قال : (مَن سلك طريقاً يلتمِسُ به علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة) ، قالوا : والنَّكِرَة في سياق الإثبات تَعُمُّ عمومَ أوصاف .
هناك وسائل كثيرة لطلب العلم ؛ منها عن طريق التمذهُب والاستفادة منه ، ليس هو الطريق الوحيد لكنه هو الطريق الذي رأى أكثرُ أهلِ العلم مناسبَتَه لعقول الناس وضعفِها مقارنةً بالحال الأول الذي كان عند أهل العلم الأوائل .
أنا أتيتُ بهذه المقدِّمة الأُولى لكي نقول إن التمذهُب ليس عيباً ، ليس مذمَّة ، وليس مَنقصَة ، بل إن التمذهُب سببٌ للفقه ! انظر مَن شئتَ من الفقهاء مِن القرن الرابع الهجري إلى عصرنا هذا - إن لم يكُن قبله بقليل - مَن عُدَّ فيهم فقيهاً لا بُدَّ أن يكون منسوباً أو تتلمذ عن طريق أحد المذاهب .
المذمومُ هو ماذا ؟ أن تتعصَّب لمذهبٍ ، فيأتيك قولُ هذا المذهب فيُعارِضُه نصٌّ من كتاب الله وسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم أو إجماعٌ للصحابة ونحوُ ذلك - دليلٌ ظاهِرٌ - فتترُك القول الصحيح الراجح بحُجة اتِّباعِك المذهب ، هذا التعصُّب للمذاهِب ، هذا هو المذموم ، ولذلك يقولون : (ما نُقِلَ عن أحدٍ من العلماء أن المذهب - الذي يُسمَّى المشهور - مقدَّمٌ على الراجح دليلاً إلا عن واحدٍ وهو التَّسُولي مِن المالكية ، مَن عداهُ من أهل العلم المنسوبين للعلم ما يقولون ذلك ، إنما هذه طريقة الجهَلَةِ وضَعَفةِ طلاب العلم الذين يرُدُّون الأدلة بحُجة مخالفة المذهب) ، إذاً قصْدُنا من هذا أنَّ بعض الكتابات ربما تراها في القرن السابق - ربما - ترى مَذَمَّةً في التمذهب ، هذا - في الحقيقة - إنما هـو لِمَـا رأوا مِن تعصُّب بعـض الناس ، وإلا التمذهُب لـم يكن مذموماً أبداً ، وأْتِنِـي بِـمَن
شئتَ ممن ذمَّ المذاهب ، بل إنَّ ابنَ حزمٍ نفسَه الذي يُشدِّد في باب التقليد هو يقول : (قال صاحبُنا داود) ، ولذلك فقضية التمذهب هو وسيلة للتفقُّه .
كيف يكون التمذهب وسيلةً للتفقه ؟
الأمر الأول - كما قلتُ لكم قبل قليل - أنك تقرأ كتاباً تتابَع عليه أُلوفُ العلماء في تحريره وتدقيق مسائله فيكون القول الذي ذُكِرَ فيه أقربَ للدِّقة ، هذا مِن جهةٍ ، مِن جهةٍ أخرى أنَّ معرفة المذهب هو معرفةٌ لِمَا يُفتَى فيه في البلد ، فغالباً إذا دخلتَ بلداً فإنه يكون أهلُ ذلك البلد على مذهبٍ معيَّن ، فغالباً غالِبُ المسائل تكون مندرِجَةً تحت ذلك المذهب ، ولذلك لا يجوز لأحدٍ أبداً أن يقول : (إنَّ الصواب في مذهب أبي حنيفة أو مالكٍ أو الشافعي أو أحمد) ، الصوابُ ما رجّحه الكتاب والسنَّة ، وإنما هذه المذاهب الأربعة وسائل لمعرفة الفقه ، وما أجملَ فقهَ الشيخِ تقيِّ الدِّين ابن تيمية رحمه الله تعالى !!
عندما جاءه رجُلٌ من الفقهاء فقال له : أنا أنتسِبُ لمذهب الحنفية ، وأرى - هذا رأيُه - وأرى أنَّ الراجح - وهو الدليلُ - يخالِف هذا المذهبَ في كثيرٍ من المسائل ، فهل أترُك مذهبي ؟ فقال الشيخ له : لا ، لأنك إن رأيتَ الدليل قد وافق مذهبك فأنت في الحقيقة اتَّبعتَ الدليل وإن وافَقَ قولَ أبي حنيفة أو أحمد أو الشافعي أو مالك ، هذا مِن جهةٍ ، مِن جهةٍ ثانية أنه إن خالَفَه وأنت تعرف المخالَفة فيحرُم عليك أن تتَّبع المرجوح وتترك الراجح إذا ترجَّح عندك الدليل) .
فلذلك أنا قصْدي من هذه المقدِّمة أنه لا مذمَّةَ على أحدٍ في معرفة هذه المذاهب والتفقهِ فيها ، بل هي طريقة أهل العلم ، هذا مِن جهةٍ ، ومِن جهةٍ ثانية أنه إنما تخرَّج أهلُ العلم عن طريق هذه الوسائل .
هذه المقدِّمة الأولى التي أتيتُ بها وإن أطلتُ فيها قليلاً فاعذُروني] .
انتهى كلامه عن المقدِّمة الأولى ، فهل ترغبون في أن أكتب ما بقي من مقدِّماته الأخرى مع الشرح أم أنه قد كُتِبَ في مكانٍ آخَر لم أعلم به ؟!!
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|