الخروج من المسجد لمن لا يرى الجمع في المطر
محمد رفيق مؤمن الشوبكي
وصلاة المتأخر في الجمع بين الصلاتين
سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي:
إذا جمع إمام المسجد صلاة العصر مع صلاة الظهر لوجود المطر الشديد، فهل يجوز لمن لم يرَ الجمع أن يخرج من المسجد؟
فأجاب فضيلته:
إذا جمع الإمام بين الظهر والعصر في المطر وكان في المأمومين من لا يرى ذلك، فليصل معهم بنية النافلة؛ لأن صلاته بنية النافلة أجر وثواب وموافَقةٌ للأصحاب، وخروجه يتضمن الشقاق والاختلاف، وأن يكون فعله هذا سببًا لتسلط الألسن عليه، ورحم الله امرأً كف الغِيبة عن نفسه، فنقول إذًا: يصلي معهم بنيَّة النافلة.
المسبوق (المتأخر) في الجمع بين الصلاتين:
إن حضر المصلي إلى المسجد والإمام يجمع بالمصلين، فوجدهم في صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب، فإنه يدخل معهم بنية صلاة المغرب، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وفي ذلك عدة حالات:
أ - أن يدخل المأموم والإمام في الركعة الثانية من صلاة العشاء، ولا إشكال في ذلك، فهو سيصلي ثلاث ركعات مع الإمام ويسلم معه.
ب - أن يدخل المأموم والإمام في الركعة الثالثة من صلاة العشاء، ولا إشكال في ذلك، فهو سيصلي ركعتين مع الإمام وبعد تسليم الإمام يصلي ركعة واحدة؛ تتمة لصلاة المغرب.
ت - أن يدخل المأموم والإمام في الركعة الرابعة من صلاة العشاء، ولا إشكال في ذلك، فهو سيصلي ركعة مع الإمام، وبعد تسليم الإمام يصلي ركعتين؛ تتمة لصلاة المغرب.
ث - أن يدخل المأموم والإمام في الركعة الأولى من صلاة العشاء، وهنا يكون الإشكال، والحل بأنه يصلي مع الإمام ثلاث ركعات، وعند قيام الإمام إلى الركعة الرابعة يبقى المأموم جالسًا، وهو مخير بين حالين:
• إما أن ينوي المفارقة بعد الثالثة فيقرأ التشهد الأخير - أعني التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - ويسلم، وله إن أراد أن يجمع أن يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وهذا ما استحبه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه الشرح الممتع.
• وإما أن يبقى جالسًا يقرأ التشهد الأخير وينتظر الإمام حتى يسلم فيسلم معه، والانتظار أفضل، كما قال الإمام النووي في المجموع، وكما أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله.
سؤالان مبنيان على المسألة السابقة:
المسبوق الذي صلى المغرب مع الإمام الذي يصلي العشاء جمعًا، هل يجوز له بعد ذلك أن يصلي العشاء جمعًا بمفرده؟
يشترط جمهور الفقهاء لصحة الجمع بين الصلاتين أن تؤدَّيا في جماعة، وهذا مذهب المالكية والشافعية وقول عند الحنابلة، وبناءً عليه لا يجوز لمن لم يشهد الجمع مع الإمام وصلى فقط معه المغرب أن يصلي العشاء جمعًا بمفرده، جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك رواية الإمام سحنون المالكي: (وقال مالك فيمن صلى في بيته المغرب في ليلة المطر، فجاء المسجد فوجد القوم قد صلوا العشاء الآخرة، فأراد أن يصلي العشاء، قال: لا أرى أن يصلي العشاء، وإنما جمع الناس للرفق بهم، وهذا لم يُصل معهم، فأرى أن يؤخر العشاء حتى يغيب الشفق ثم يصلي بعد مغيب الشفق).
وسئل الإمام الألباني رحمه الله:
جمع أهل المسجد المغرب والعشاء جمع تقديم، ثم أتى أحد المسبوقين وأدرك ركعتين من العشاء وهو لم يصل المغرب بعد، فهل له بعدَ أن يسلمَ أن يصلي العشاء منفردًا؟
فأجاب فضيلته: (لا يجوز؛ لأن الغاية من ترخيص الجمع بين الصلاتين وفي المساجد هي الحصول على الجماعة، فهذا لم تحصل له الجماعة؛ ولذلك عليه أن يحضر المسجد في وقت صلاة العشاء).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم الجمع للمصلي منفردًا، فقال رحمه الله:... فإن حضر جماعة وصليتم جميعًا فلا بأس بالجمع، وإن لم يحضر جماعة فالأظهر عدم جواز ذلك؛ لأن الجمع حينئذ لا فائدة منه، فإنك سوف ترجع إلى بيتك ولا تخرج منه، والجمع إنما أبيح للحاجة، وفي مثل هذه الصورة لا حاجة، بخلاف ما لو حضر جماعة، فإن في الجمع فائدة، وهي حصول الجماعة، والله أعلم).
وهناك قول آخر عند الحنابلة يجيز الجمع حتى للمنفرد؛ لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال المشقة وعدمها، واستوى فيه الفرد والجماعة، وأخذ بهذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء عندما سئلت السؤال التالي:
إذا دخل الشخص المسجد لصلاة المغرب ولكنه وجد الجماعة يصلون فصلى معهم، واتضح له أنه أدرك الإمام في الركعة الثانية وهي صلاة العشاء، فبذلك يكون صلى ركعة واحدة ثم جلس للتشهد الأول، ثم صلى ركعتين وسلم مع الإمام، هل صلاته صحيحة للمغرب؟ وهل يجوز له بعد ذلك أن يصلي العشاء جمعًا بمفرده؛ لأن جماعة المسجد قد جمعوا المغرب والعشاء؟
فأجابت:
(إذا صلى المسبوق المغرب ثلاثًا خلف إمام يصلي العشاء فصلاته صحيحة، ويجوز له أن يصلي العشاء بعدها؛ لأن عذر الجمع له ولجماعة المسجد).
إذا صلى المسبوق المغرب مع الإمام الذي يصلي العشاء جمعًا، هل يجوز له بعد ذلك أن يصلي العشاء جمعًا مع المصلين المتأخرين أمثاله؟ وإذا جاءت جماعة بعد انتهاء الإمام من الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، هل لهم أن يعقدوا جماعة جديدة ويصلوا المغرب والعشاء جمعًا؟
جمهور الفقهاء على المنع، ومنهم: سفيان الثوري، وعبدالله بن المبارك، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي، والليث بن سعد، والأوزاعي، والزهري، وعثمان البتي، وربيعة، وأبو حنيفة، وصاحباه: أبو يوسف ومحمد بن الحسن، والقاسم، ويحيى بن سعيد، وسالم بن عبدالله، وأبو قلابة، وعبدالرزاق الصنعاني، وابن عون، وأيوب السختياني، والحسن البصري، وعلقمة، والأسود، والنخعي، وعبدالله بن مسعود.
وجاء عن أئمة المالكية أقوال تبين عدم جواز وكراهة الجمع بجماعة جديدة بعد جماعة الإمام الراتب:
• قال الإمام علي العدوي المالكي في شرحه لمختصر خليل بن إسحاق المالكي: (والحاصل أنه إذا وجدهم فرغوا فلا يجوز أن يجمع لنفسه، ولا مع جماعة بإمام؛ لأن فيه إعادة جماعة بعد الراتب، فلو جمعوا فلا إعادة عليهم).
• قال الإمام الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير: (اعلم أنه إذا وجدهم فرغوا من صلاة العشاء، فكما لا يجوز له أن يجمع لنفسه، لا يجوز له أن يجمع مع جماعة أخرى في ذلك المسجد؛ لِما فيه من إعادة جماعة بعد الراتب، فلو جمعوا فلا إعادة عليهم).
• قال الإمام الونشريسي المالكي: سألت الشيخ أبا عبدالله محمد بن قاسم القوري - رحمه الله - عن جماعةٍ جمعت في مسجدٍ بعد جمع إمامه الراتب، هل جمعهما صحيح؟ فأجابني ما نصُّه: الجمع صحيح، ولا خلل فيه، ولا موجب إعادة، وغاية ما يُقال: الكراهة على المشهور).
ونص الشافعي في كتابه الأم على كراهة إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب.
ومن الجدير بالذكر أن هناك من أجاز الجمع بجماعة جديدة بعد جمع الإمام الراتب؛ فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال التالي: إذا جئت وقد فرغ الإمام من الجمع بين العشاءين، فهل لي أن أجمع منفردًا؟
فأجاب فضيلته: (إن كنت تظن أنك تجد مسجدًا قريبًا منك ولم يجمع فلا تجمع (يقصد هنا لتتمكن من صلاة العشاء جماعة في وقتها في المسجد الذي لم يجمع)، وإن كنت لا تظن ذلك، فإن حضر جماعة وصليتم جميعًا فلا بأس بالجمع، وإن لم يحضر جماعة فالأظهر عدم جواز ذلك؛ لأن الجمع حينئذ لا فائدة منه، فإنك سوف ترجع إلى بيتك ولا تخرج منه، والجمع إنما أبيح للحاجة، وفي مثل هذه الصورة لا حاجة، بخلاف ما لو حضر جماعة فإن في الجمع فائدة، وهي حصول الجماعة، والله أعلم).
وأفتى د. يونس الأسطل رئيس لجنة الإفتاء في رابطة علماء فلسطين بأنه: (لو جاء الشخص في الصلاة الثانية وكانت عشاءً، فإنه يصلي المغرب ويجلس صامتًا حتى يتم الإمام الركعة الأخيرة ويبدأ معه قراءة التحيات ويسلم مع الإمام، وله الخيار أن يبدأ مع جماعة ثانية صلاة العشاء تقديمًا، أو ينتظرها في وقتها الأصلي).
وأفتى د. زياد مقداد، أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة بأنه: (من فاتته الصلاة الأولى وجاء المسجد والجماعة في الصلاة الثانية، فعليه أن ينوي أداء الصلاة الأولى معهم، فإذا سلم الإمام كان مخيرًا - هذا المسبوق - أن ينتظر الصلاة الثانية في وقتها، أو يجمع مع بقية المسبوقين بجماعة جديدة).
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك