06-17-2020, 01:50 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
الترك من النعم
_
منذ دخلت عالم الفكر و اطلعت على مذاهب الراي و الادب ، وقع بصري على بيت شعري ، يصف فيه قائله مذهبه و المذهب القوم الذي هو منهم ، فيقول :
و إذا ما غاية صعبت **هوّنوا بالترك ما صعبا
فجعلت من هذا البيت رايا اتبعه و قولا اعمل به لما فيه من حكمة ، و كنت كلما حاولت بلوغ غاية و قصرت دونها ، جعلت اتمثل هذا البيت ، و ازهو بترديده بلساني ، و اطرب لنغمه في اذني ، و املأ بمعانيه نفسي ، ثم قرات في معناه قول الاديب الاريب الرافعي _ رحمه الله _ : " ان ما لا يمكن ان يدرك ، يمكن ان يترك " فازددت اطمئنانا لهذا الراي و تشبثا به و حرصا عليه ، حتى نزل مني منزلة الطبع و سجية النفس ، و امنت حينها بان الترك نعمة من انعم الله من بها علينا .
و قد جرت سنة الله في كونه ، ان جعل لكل شيء نقيض ، و لكل نعمة ما يقابلها من البلاء ، فجعل لنعمة العافية ما يقابلها من المرض ، و لنعمة العقل ما يقابلها من الحمق ، و هكذا ، و ما اصاب الناس من بلاء الا و قد فارقهم ما يقابله من النعم .
و جعل الحرص مقابلا للترك ، فلا يصاب الناس ببلاء الحرص الا و قد تركوا نعمة الترك و الاستغناء ، و النفس البشرية اذا لم تعودها على الترك ، عودتك على الحرص و حملتك عليه ، و كل هلاك بني ادم حازه الحرص .
و اذا اعتقدت يا صاحبي انني ادعوك الى سوء الادب مع الله و الكفر بأنعمه ، بترك الاخذ بالاسباب ، فلست مني و خالفت طريقك طريقي ، لانه لا رابطة تجمع بين الاخذ بالاسباب من جهة ، و بين الحرص من جهة اخرى ، فالحرص لا يؤدي الا الى كل معاني التسخط على الاقدار و الركون الى الدنيا و زينتها و النظر الى ما متع به غيرك ، و اما الاخذ بالاسباب الشرعية فليس فيه الا كل معاني الرضى بقضاء الله و الصبر على حكمه و الايمان بقوله ، فتقر عينك و تسكن نفسك ، و هذه هي الحكمة من نعمة الترك .
كتب: الجمعة 1 شوال 1439 (16/06/2018)
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|