مؤسسات الطوافة في الفقه الإسلامي
علي بن ربيع الرويثي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فبين يدي القارئ بحث بعنوان: "مؤسسات الطوافة"، ببيان صورتها عند المتقدمين وحكمها، وصورتها المعاصرة وحكمها.
فأقول مستعينًا بالله - تعالى -:
قبل الكلام عن مؤسسات الطوافة، يحسن أن نعرف: مَن هو المطوف؟ وما مهنته؟ ومتى ظهرت؟ وكيف انتهت إلى عمل مؤسسي؟ ثم ما هو تكييف هذا العمل المؤسسي، وهو صلب المطلوب؟ وكل ذلك حتى يكمل تصوُّر هذه المهنة؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
أولاً: عمل المطوف
يقول الأمير شكيب أرسلان:
"إن في الحجاز الشريف - حماه الله - طائفتين، لا بد لقاصد الحجاز أن يكون له علاقة معهما، ولا يكاد يستغني عنهما؛ وهما المطوفون بمكة المكرمة، والمزورون بالمدينة المنورة، فالحاج يأتي غريبًا لا يعرف أحدًا، والغريب أعمى ولو كان بصيرًا، فلا بد له مِن دليل يدله، ويسعى بين يديه، ويقضي حوائجه، ويرتب له قضية سفرِه ومَبِيتِه، ويعلمه مناسك الحج التي كان أكثر الحجاج يجهلونها، وإن كان منهم مَن يعلمها جملة وتفصيلاً، فهو النادر الذي لا يبنى عليه حكم، وزِد على هذا أن الحجاج ليسوا جميعًا من أبناء العرب، فيمكنهم أن يسألوا عن الطريق والمنازل، والمناسك والمناهل، ويزيلوا عمى الغربة بطول السؤال؛ لإمكان تفاهمهم مع الحجازيين؛ بل حُجاج العرب لا يزيدون على خُمس حجاج المسلمين، والأخماس الأربعة الباقية هي من أمم تجهل اللسانَ العربي، فكيف يصنع حجاج هذه الأمم إذا لم يكن المطوفون؟ إن المطوف يكاد يكون كالجمل في الحج، لا يُستطاع الحج بدونه، يأتي إلى السفينة بمجرد أن تلقي أبخرها في بحر جدة، فيأخذ حاجَّه بيده، ويضع له حوائجه في الزورق، ويأتي به إلى الميناء، ويخرجه إلى البَر، ويخلص له معاملة تذكرة المرور، ومعاملة المكس، وليستا بالشيء الهين؛ نظرًا للزحام، ولما يجب على إدارة التذاكر وإدارة الجمرك من التدقيق.
ومن مهمات المطوف التي ذكرها أرسلان:
أن المطوف هو الذي يكفل جميع حوائج الحاج وأغراضه، منذ يطأ رصيف جدة، إلى أن يصعد سلم الباخرة قافلاً، فيحمله إلى مكة المكرمة، ثم إلى عرفة، ثم إلى المزدلفة، ثم إلى منى، ثم يعود به إلى مكة، وإذا أراد الزيارة هيَّأ له جميع أسباب السفر إلى المدينة، وهناك سلمه إلى المزور، الذي هو صاحب هذه المصلحة في المدينة، لا يتجاوز عليه غيره فيها، وإذا احتاج إلى أي شيء من الجَمَل إلى البرغوث، فلا بد أن يأتيه به، وإذا وقعت له حاجة تقتضي مراجعة الحكومة، فعلى المطوف أن يرافق الحاجَّ إلى صاحب الشرطة وينهي معاملته، ومما يدهش العقلَ أن المطوفين والمزورين يعرفون جميعَ لغات العالم، وأكثرهم يعرفون التركي، ومطوفو الفارسي ومطوفو الهندي يجيدون لسان الأوردو، ومطوفو الجاوي يعرفون لغة الملايو، وهكذا، فإذا مرض الحاج، فالمطوف هو الذي يعلِّله، ويأتي له بالطبيب والدواء، ويسهر عليه، وإذا مات فهو الذي يخبر الحكومة، ويأتي بأناس من قِبلها، من أجل حوائجه، لو سُمِّي المطوف كافلاً للحاج، لما كان في هذه التسمية أدنى مبالغة[1]، ومع هذه الكفالة الشاملة، التي فيها من الركض والعناء، وتعب الفكر والمسئولية ما فيها - يكون آخر الأمر جميع النحلان جنيهًا واحدًا عن كل شخص، هذا هو النحلان المقرر، فمَن طابت نفسه بأن يزيد، فذلك عائد إلى سماحة نفسه"؛ انتهى ملخصًا[2].
ثانيًا: متى ظهرت هذه المهنة
يقول المؤرخ قطب الدين النهرواني، في حج أحد سلاطين الشراكسة، حيث قال:
"إن السلطان قايتباي حجَّ عام 884هـ، ولم يَحجَّ أحدٌ غيره من سلاطين الشراكسة، وإن القاضي إبراهيم بن ظهيرة هو الذي تقدَّم لتطويف السلطان"، يعتبر هذا النص أول نص تاريخي في الطوافة والمطوفين[3].
وذكر أيوب صبري باشا عام 1318هـ:
"إن خدمات الطوافة (الأدلة) - الأتراك يُسمُّون المطوفين دليلاً - في صدر الإسلام كانت تقتصر على عدة أشخاص مختارين من أهل مكة، ثم فيما بعد توسَّعت البلدانُ الإسلامية وتعددت، وبلغ تعيينُ دليل مخصوص من حجاج كل بلد إلى درجة الوجوب، وعلى هذا عُيِّن لكل بلد من البلدان الإسلامية مطوفٌ مخصوص، وفي الحكم العثماني سنة 923هـ، فإن الطوافة أخذت طريقها إلى الظهور بشكل منظم، وإذا كانت الطوافة في عهد المماليك قد اقتصرت على القضاة في مكة، فإنها في بداية هذا العهد أخذ نطاقُها يتسع قليلاً، فخرجت من سلك القضاة إلى سلك الأعيان، يدل على ذلك قصة محمد المياس، الذي كان من أعيان مكة وأحد وجهائها، فقد قام بتطويف أمير الترك قانصو باشا سنة 1039هـ"[4].
ثالثًا: معالم ومفاهيم لمهنة الطوافة[5]
صدرالأمر السامي بتاريخ 3/ 11/ 1367هـ بالموافقة على نظام المطوفين العام، والذي تضمن العديد من مفاهيم الطوافة والمطوفين؛ ومنها:
1- الطوافة عبارة عن وظائف معينة، يؤديها كل مطوف، سميت معلمانية، وهو دليل الحاج[6] في مناسكه وجميع ما يتعلق بالحج.
2- المعلم هو الذي توفرت فيه شروط المعلمانية في المهنة، وأصبح مطوفًا بموجب نظام المطوفين.
ثم صدر المرسوم الملكي 1398هـ الذي ينص على وضع قواعد جديدة لهذه المهنة، الذي حوَّل مهنة الطوافة من العمل الفردي إلى العمل الجماعي؛ ليكون عمل الطوافة بأيدي قيادة جماعية، تواكب الخدمات التي تقدمها الدولة من أجل رعاية الحجيج، ثم صدر الأمر السامي الكريم بتاريخ 13/ 6/ 1399هـ بالموافقة على إقامة مؤسسات تجريبية؛ لرفع مستوى مهنة الطوافة وخدمات الحجاج.
وتم إنشاء ست مؤسسات تجريبية للطوافة، أنشئت على النحو التالي:
1- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوربا وأمريكا وأستراليا.
2- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج إيران.
3- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب آسيا.
4- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج إفريقيا غير العربية.
5- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج شرق آسيا.
6- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية[7].
رابعًا: الطوافة في عمل مؤسسي، من خلال نظامها، والجهات الأخرى ذات العلاقة
أولاً: المؤسسات الأهلية للطوافة بمكة المكرمة
"هي مؤسسات تختص بخدمة الحجاج القادمين من خارج المملكة العربية السعودية، وعددها ست مؤسسات، ترعى شؤون الحجاج التابعين لها حسب التقسيم الجغرافي للجنسيات، وتقدم لهم كافة الخدمات اللازمة[8] في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتشرف على متطلبات وراحة الحجاج، وتسهيل إجراءاتهم منذ وصولهم إلى الأراضي المقدسة، وحتى مغادرتهم إلى بلادهم".
ثانيًا: الجهات ذات العلاقة بمؤسسات الطوافة
1- مكتب الوكلاء الموحد بجدة: الجهة الأهلية التي تستقبل الحاج في منافذ الدخول المعتمدة، وتتسلم جوازه، وتقوم باستلام وتحصيل شيكات أجور الخدمات، وأجور النقل، وتعتبر ممثلاً للمؤسسات، وللنقابة العامة للسيارات، ولشركات النقل، ووكيلاً عنهم، والمكتب مسؤول عن ترحيل الحجاج إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة، كما أنه المسؤول عن مغادرة الحجاج إلى أوطانهم، بالتنسيق مع إدارة الجوازات وشركات الطيران.
2- النقابة العامة للسيارات: هي الجهاز المشرف على الشركات المعتمدة لنقل الحجاج، وهي الجهة التي تقوم بالتنسيق بين مكتب الوكلاء الموحد ومؤسسات الطوافة والأدلاء، فيما يختص بنقل الحجاج، والنقابة هي المسؤولة عن تأمين وسائط النقل المناسبة للحجاج الدافعين لأجور النقل.
3- شركات النقل: هي الشركات المعتمدة رسميًّا، تحت مظلة النقابة العامة للسيارات، لنقل الحجاج بين مدن الحج والمشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة، وتحرص هذه الشركات على تهيئة وسائط النقل الخاصة بنقل الحجاج الدافعين لأجور النقل، وتجهيزها بجميع مستلزماتها.
خامسًا: بعض إرشادات وزارة الحج للحاج، مما يوضح لنا عمل مؤسسات الطوافة[9]
1- تسليم شيك أجور خدمات أرباب الطوائف وشيك النقل، أو تسديد تلك الأجور نقدًا لمندوب مكتب الوكلاء الموحد في منافذ الدخول.
2- تسليم جواز سفره بعد الانتهاء من إجراءات الجوازات والجمارك، وتسديد العوائد إلى مندوب مكتب الوكلاء الموحد؛ ليتولى إكمال إجراءات مغادرته إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
3- حفظ ما لديه من أوراق رسمية ونقود لدى مؤسسة الطوافة، وإذا ما تعرض الحاج لأي موقف؛ كسرقة أو نحوها – لا سمح الله - فعليه إبلاغ مؤسسة الطوافة؛ لاتخاذ اللازم[10].
وعلى الحاج استخدام وسائل النقل التابعة للشركات الناقلة للحجاج، التابعة للنقابة التي دفع أجورها لصعوده الى المشاعر المقدسة - عرفات، مزدلفة، منى - لتمكين مؤسسات الطوافة ومجموعة الخدمات التي تختص بخدمته من أداء واجباتها تجاهه؛ ضمانًا لأدائه مناسك الحج في يسر وسهولة[11].
4- التعاون مع المؤسسة التي تخدمه في إنجاح خطة تفويج الحجاج إلى جسر الجمرات، التي تنفذها المؤسسة، وذلك باتِّباع التعليمات التي وُضعت من أجل راحتهم؛ ليتحقق قيامهم برمي الجمرات بيسر وسهولة، بعيدًا عن الازدحام الشديد الذي يصاحب خروجَ الحجاج إلى الرمي دفعة واحدة.
وأكدت وزارةُ الحج على كل مَن يرغب في أداء فريضة الحج الحصولَ أولاً على تأشيرة حج، من مُمَثِّلية المملكة العربية السعودية في بلاده، وهناك طريقتان للحصول على التأشيرة:
الأولى: أن يتقدم عن طريق بعثة الحج الرسمية لبلاده.
الثانية: عن طريق المجموعات والمكاتب السياحية المرخصة في البلد الذي يقيم فيه طالب التأشيرة، وعليه في جميع الأحوال أن يرفق عدد (2 شيك) مصرفي، مصدقًا مسحوبًا على بنك داخل السعودية، ولا تقبل الشيكات الشخصية المسحوبة من قِبل أفراد، حتى ولو كانت على بنوك محلية مع طلبه.
الأول: يشمل أجور الخدمات، التي يقدِّمها له العاملون في مؤسسات أرباب الطوائف الأهلية.
الثاني: أجور وسائط النقل، التي ستنقل الحاج القادم بحرًا أو جوًّا إلى مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والمشاعر المقدسة، ومن ثم العودة لمنفذ الخروج عند حلول موعد المغادرة، ويستثنى من أجور النقلِ الحجاجُ القادمون برًّا بسياراتهم إلى داخل الأراضي المقدسة.
وليعلم الحاج الكريم أن هذه الأجور هي مقابل الخدمات الفعلية، التي تقدَّم له من قِبل مؤسسات أرباب الطوائف الأهلية، وشركات نقل الحجاج.
وتؤكد وزارة الحج: أن حكومة المملكة العربية السعودية لا تتقاضى رسومًا أو ضرائبَ على الحاج، بأي شكل من الأشكال.
وفي جميع الأحوال يتعين على الراغب في أداء فريضة الحج التأكدُ من الخطوات التالية:
1- أن يدون اسم الحاج، ورقم الجواز على الشيك المعتمد، الخاص بالأجور المشار إليها.
2- أن يكون الشيك المعتمد فرديًّا لكل حاج، أو جماعيًّا بحسب الاتفاق مع مكتب الوكلاء.
3- أن يدون رقم الشيك، وقيمته، وتاريخه على الجواز.
4- تقوم ممثلية المملكة المانحة للتأشيرة بوضع علامة معينة على الشيك عند منح التأشيرة؛ حتى لا يتكرر استعماله.
5- أن يكون الشيك المصرفي مصدقًا بالريال السعودي، ومسحوبًا على بنك سعودي، ويحظر قبول الشيكات الشخصية.
6- أ- أن يكون الشيكان اللذان يصطحبهما الحاج معه حين قدومه، لحساب مكتب الوكلاء الموحد بجدة - الأول: لصالح خدمات المؤسسات الأهلية لأرباب الطوائف، والثاني: لصالح النقابة العامة للسيارات، الممثلة لشركات نقل الحجاج المعتمدة - مسحوبين على أحد البنوك المعتمدة بالمملكة، ويقوم بتسليمهما إلى مكتب الوكلاء، والتأكد أيضًا من إصدار تذكرة النقل، المسدد قيمتها ضمن شيك الأجور، محددًا بها نوع الوسيلة المستخدمة، وجهات النقل، مع الحرص على الكوبونات المكونة لهذه التذكرة، بحيث يُسحَب منها كوبون كل مرحلة حال استخدامها، والمراجعة على أساسها.
ب- للحاج الحق في استرجاع قيمة الكوبونات (تَذكَرته) التي لم يستخدمها، ما عدا كوبون المشاعر؛ باعتبار أن النقابة حجزت له مقعدًا للمشاعر المقدسة، حال مراجعة النقابة، أو من ينوب عنه.
ج- إذا لم يتمكن الحاج من السفر للمدينة المنورة، فإن له الحق في استرجاع أجرة الدليل، وقدرُها (35) خمسة وثلاثون ريالاً، وأجرة النقل المبيَّنة في جداول النقل، على أن يقدم ما يثبت ذلك لوزارة الحج.
7- إذا تعذر على الحاج إحضارُ شيكَي أجورِ الخدمات والنقل؛ بسبب قيود نقدية طارئة في بلده؛ فإن عليه سداد المبالغ المشار إليها بمكتب الوكلاء الموحد في منافذ الدخول نقدًا بالريال السعودي، أو بالشيكات السعودية السياحية المعتمدة.
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك