عرض مشاركة واحدة

  #1  
قديم 06-03-2015, 08:07 AM
ملتقى اهل التفسير ملتقى اهل التفسير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,232
افتراضي تفسير سورة المائدة من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

سُورَةُ الْمَائِدَةِ (5) مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا عِشْرُونَ وَمِائَةٌ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة: 1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ, وَسَلَّمُوا لَهُ الْأُلُوهِيَّةَ، وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّتِهِ وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِ..
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَاهَدْتُمُوهَا رَبَّكُمْ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْكُمْ وَعَقَدَهَا، فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ، وَأَلْزَمَكُمْ فَرْضَهُ وَبَيَّنَ لَكُمْ حُدُودَهُ، وَأَوْجَبْتُمْ بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ حُقُوقًا وَأَلْزَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَا لِلَّهِ فُرُوضًا، فَأَتِمُّوهَا بِالْوَفَاءِ وَالْكَمَالِ وَالتَّمَامِ مِنْكُمْ لِلَّهِ بِمَا أَلْزَمَكُمْ بِهَا, وَلِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ لَهُ بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَنْكُثُوهَا فَتَنْقُضُوهَا بَعْدَ تَوْكِيدِهَا.. وَالْعُقُودُ: جَمْعُ عَقْدٍ, وَأَصْلُ الْعَقْدِ: عَقْدُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ, وَهُوَ وَصْلُهُ بِهِ, كَمَا تَعْقِدُ الْحَبْلَ بِالْحَبَلِ: إِذَا وُصِلَ بِهِ شَدًّا, يُقَالَ مِنْهُ: عَقَدَ فُلَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ عَقْدًا فَهُوَ يَعْقِدُهُ، وَعَاهَدَهُ عَلَيْهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ, مِنْ أَمَانٍ وَذِمَّةٍ, أَوْ نُصْرَةٍ, أَوْ نِكَاحٍ, أَوْ بَيْعٍ, أَوْ شَرِكَةٍ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ.. وَالِإِيفَاءُ بِالْعَهْدِ: إِتْمَامُهُ عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوطِهِ الْجَائِزَةِ..
{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} كُلِّهَا, أَجِنَّتِهَا وَسِخَالِهَا وَكِبَارِهَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ تَسْمِيَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ بَهِيمَةً وَبَهَائِمَ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ, فَذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَظَاهِرِهِ حَتَّى تَأْتِيَ حُجَّةٌ بِخُصُوصِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا.. وَأَمَّا النَّعَمُ فَإِنَّهَا عِنْدَ الْعَرَبِ: اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً, كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}[النحل: 5] ثُمَّ قَالَ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}[النحل: 8] فَفَصَلَ جِنْسَ النَّعَمِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانِ.. وَأَمَّا بَهَائِمُهَا فَإِنَّهَا أَوْلَادُهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَلْزَمُ الْكِبَارَ مِنْهَا اسْمُ بَهِيمَةٍ كَمَا يَلْزَمُ الصِّغَارَ, لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ, نَظِيرُ قَوْلِهِ: وَلَدُ الْأَنْعَامِ؛ فَلَمَّا كَانَ لَا يَسْقُطُ مَعْنَى الْوِلَادَةِ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ, فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ اسْمُ الْبَهِيمَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ: وَحْشِيُّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَالْحُمُرِ..
{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} مِنْ تَحْرِيمِ اللَّهِ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[المائدة: 3] الْآيَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَثْنَى مِمَّا أَبَاحَ لِعِبَادِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا, وَالَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}[المائدة: 3]..
{غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} لَا مُحِلِّينَ الصَّيْدَ فِي حَرَمِكُمْ، فَفِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمُذَكَّاةِ دُونَ مِيتَتِهَا مُتَّسَعٌ لَكُمْ وَمُسْتَغْنًى عَنِ الصَّيْدِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ..
{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة: 1] إِنَّ اللَّهَ يَقْضِي فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ مِنْ تَحْلِيلِ مَا أَرَادَ تَحْلِيلَهُ, وَتَحْرِيمِ مَا أَرَادَ تَحْرِيمَهُ, وَإِيجَابِ مَا شَاءَ إِيجَابَهُ عَلَيْهِمْ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَقَضَايَاهُ, فَأَوْفُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْلِيلِ مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُقُودِهِ فَلَا تَنْكُثُوهَا وَلَا تَنْقُضُوهَا.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس