عرض مشاركة واحدة

  #1  
قديم 08-24-2016, 01:30 AM
أبو لقمان أبو لقمان غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 63
Thumbs up من مواعظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من مواعظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

- إخواني، الدنيا سموم قاتلة، والنفوس عن مكائدها غافلة، كم من نظرة تحلو في العاجلة، ومرارتها لا تطاق في العاقبة الآجلة‏.‏ يا ابن آدم، قلبك قلب ضعيف، ورأيك في إطلاق الطرف وأى وهم سخيف‏.‏ عينك مطلوقة، ولسانك يجني الآثام، وجسدك يتعب في كسب الحطام، كم من نظرة محتقرة زلت بها الأقدام‏.‏ - إخواني، إلى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة‏؟‏ فبالله عليكم، تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد، وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصد، فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالأجل وبين أيديكم يوم الحساب‏.‏ آه من ثقل الحمل‏.‏‏.‏ آه من قلة الزاد وبعد الطريق‏.- يا بطال، إلى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور‏؟‏ إلى متى يقال عنك‏:‏ مفتون ومغرور‏؟‏ يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور‏؟‏ أترى مقبول أنت أم مطرود‏؟‏ أترى مواصل أنت أم مهجور‏؟‏ أترى تركب النجب غدًا أم أنت على وجهك مجرور‏؟‏ أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور‏.‏ فاز والله المخفون، وخسر هنالك المبطلون، ألا إلى الله تصير الأمور‏.‏ - إخواني، السفر مكتوب علينا، فما لنا أن نطلب الاقامة في دار ليست لنا دار مقامة‏؟‏ السنون منازل، والشهور مراحل، والأيام أميال، والأنفاس خطوات، والمعاصي قطاع، والربح الجنة، والخسران النار‏.‏ - خلقنا نتقلب في ستة أسفار إلى أن يستقر بنا القرار‏:‏ فالسفر الأول‏:‏ سفر السلابة من طين، والثاني من الصلب إلى الرحم، والثالث‏:‏ من الرحم إلى ظهر الأرض، والرابع‏:‏ من ظهر الأرض إلى القبر، والخامس‏:‏ من القبر إلى موقف العرض، والسادس‏:‏ من موقف العرض إلى دار الإقامة‏:‏ إما إلى الجنة أوالنار، وقد قطعنا نصف الطريق، وبقي الأصعب‏.‏ - قال رجل لذي النون وهو يعظ الناس‏:‏ يا شيخ، ما الذي أصنع‏؟‏ كلما وقفت على باب من أبواب المولى صرفني عنه قاطع المحن والبلوى‏.‏ قال له‏:‏ يا أخي، كن على باب مولاك كالصبي الصغير مع أمه، كلما ضربته أمه ترامى عليها، وكلما طردته، تقرّب إليها، فلا يزال كذلك حتى تضمه إليها‏.‏ - يا من عمي عن طريق القوم، عليك بإصلاح نور البصر‏.‏ القلب المظلم يمشي في شوك الشك وما عنه خبر‏.‏ وقت التائب كله عمل‏:‏ نهاره صوم، وليله سهر، ووقت البطال كله غفلة، وبصيرته عميت عن النظر‏.‏ من ذاق حلاوة الزهد، استحلى التهجد والسهر، إن تدرك المتجهدين في أول الليل، ففي أعقاب السحر‏.‏ تيقّظ من نوم الغفلة، فهذا فجر المشيب انفجر، وأذلة التخلف إذا تخلف عن الباب وما حضر‏!‏‏.‏ - يا هذا، كم لك على المعاصي مصر‏؟‏ متى يكون منك المتاب‏؟‏ جسمك باللهو عامر، وقلبك من التقوى خراب، ضيّعت الشباب في الغفلة، وعند الكبر تبكي على زمان الشباب‏.‏ في المجلس تبكي على الفائت، وإذا خرجت عدت للانتهاب‏.‏ لا حيلة لوعظي فيك وقد غلق في وجهك الباب‏.- لله درّ أقوام شاهدوا الآخرة بلا حجاب، فعاينوا ما أعدّ الله للمطيغين من الأجر والثواب‏.‏ ترى لماذا أضمروا أجسادهم وأظمؤوا أكبادهم، وشرّدوا رقادهم، وجعلوا ذكره بغيتهم ومرادهم ‏؟‏‏!‏‏.‏ - يا من أقعده الحرمان، هذه رفاق التائبين عليك عبور‏.‏ لا رسالة دمع ولا نفس آسف، وما أراك إلا مهجور‏.‏ هذا نذير الشيب ينذر بالرحلة تهيأ لها منذور‏.‏ كم أعذار‏؟‏ كم كسل‏؟‏ كم غفلة‏؟‏ ما أجدك يوم الحساب معذور‏.‏ بيت وصلك خراب، وبيت هجرك معمور‏.‏ بدّر عساك تجبر بالتوبة وتعود مجبور، سجدة واحدة واصل بها السحر وتنجو من الأهوال.- يا تائهًا في الضلال بلا دليل ولا زاد، متى يوقظك منادي الرحيل فترحل عن الأموال والأولاد‏؟‏ قل لي‏:‏ متى تتيقّظ وماضي الشباب لا يعاد، ويحك كيف تقدم على سفر الآخرة بلا راحلة ولا زاد‏.‏ ستندم إذ حان الرحيل، وأمسيت مريضًا تقاد، ومنعت التصرف فيما جمعت، وقطعت الحسرات منك الأكباد، فجاءتك السكرات، ومنع عنك العوّاد، وكفنت في أخصر الثياب، وحملت على الأعواد، وأودعت في ضيق لحد وغربة ما لها من نفاد، تغدو عليك الحسرات وتروح إلى يوم التناد، ثم بعده أهوال كثيرة، فيا ليتك لمعاينتها لا تعاد‏.‏

- يا أخي، لا يبيع الباقي بالفاني إلا خاسر، وإياك والأنس بمن ترحل عنه، فتبقى كالحائر، رفيق التقوى رفيق صادق، ورفيق المعاصي غادر، مهر الآخرة يسير، قلب مخلص، ولسان ذاكر، إذا شبت ولم تنتبه، فاعلم أنك سائر، فديت أهل التهجد بلسان باك وجفن ساهر، كم لهم على باب تتجافى جنوبهم من تلمق ودمع قاطر، إذا تنسّموا نسيم السحر أغناهم عن نسيم العذيب وحناجر، عصفت بهم رواشق الاستغفار البواكر، عمروا منازل الخدمة، ومنزل الغفلة خراب داثر‏.‏ - يا من صحيفته سوداء، اغسلها بالدموع، وتعرّض لمجال المتهجدين، وقل‏:‏ ضالٌ ضل عن الطريق مقطوع، وهذا مأتم الأحزان، إلى أي وقت تدّخر الدموع، هذا مجلس الشكوى، هذا وقت الرجوع‏.‏ - يا أخي، لله درّ أقوام نعمّهم مولاهم بقربه، فحجبهم عن خطرات الوسواس‏.‏ حمى إقليم قلوبهم من غبار الشهوات من حمايته بحراس، قبلوا أمره بالقبول، وقاموا به على العينين والرأس، قدّموا زاد الأعمال لسفر الموت وظلمة الأرماس، يا بطّال، أبطال ميدان الدّجى لله درّهم من أبطال وأفراس، خلع عليهم خلعة الرضا، ونادهم مرحبًا بالأحباب الأكياس، ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏آل عمران 110‏]‏‏.‏

- يا أخي لا تغسل أدناس الذنوب إلا بماء المدامع، لا ينجو من قتار المعصية إلا من يسارع، أحضر قلبك ساعة، عساه بنائحة الموعظة يراجع، كم لي أتلو عليك صحف الموعظة، وما أظنك سامع‏.‏ - يا من سوّف بالمتاب حتى شاب، يا من ضيّع في الغفلة أيام الشباب، يا مطرودًا بذنوبه عن الباب، إذا كنت في الشباب غافلًا، في المشيب مسوّفًا، متى تقف بالباب‏؟‏ كم عوملت على الوفاء‏؟‏ ما هكذا فعل الأحباب، الظاهر منك عامر، والباطن ويحك، خراب، كم عصيان كم مخالفة، كم رياء‏,‏ كم حجاب‏؟‏ ولّى طيب العمر في الخطايا، يا ترى تعود إلى الصواب‏؟‏‏.‏ - يا راحلًا بلا زاد والسفر بعيد، العين جامدة والقلب أقسى من الحديد‏.‏ من أولى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد‏.‏ ما أيقظك الشباب ولا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب، ما أرى صلاحك إلا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد، طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتعديد، دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد، ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد‏.‏ - يا أخي، أفنيت عمرك في اللعب، وغيرك فاز بالمقصود وأنت منه بعيد، غيرك على الجادة، وأنت من الشهوات في أوجال وتنكيد، ترى متى يقال‏:‏ فلان استقال ورجع‏.‏ يا له من وقت سعيد، متى تخرج من الهوى وترجع إلى مولاك العزيز الحميد، يا مسكين، لو عاينت قلق التائبين، وتململ الخائفين من أهوال الوعيد، جعلوا قرّة أعينهم في الصلاة، والزكاة، والتزهيد، وأهل الحرمان ضيعوا الشباب في الغفلة، والشيب في الحرص والأمل المديد، لا بالشباب انتفعت، ولا عند تمشيب ارتجعت، يا ضيعة الشباب والمشيب‏:‏ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ‏}‏ ‏[‏سبأ 51‏]‏‏.‏ - يا هذا، لا يزال التائبون يهربون إلى دير الخلوة هروب الخائف إلى دار الأمان، لهم في سحر الليل تأنس بمدامع الأجفان، كتب السجود في ألواح جباههم خطوط العرفان، كم لأقدامهم في الدجى من جولان وكم لهم في وادي السحر من عيون تجري كالطوفان، فإذا لاحت أعلام الفجر كبّروا عند مشاهدة العيان.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس