شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة المتنوعة ------------الحج و العمرة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=299)
-   -   الحج دعوة نبينا إبراهيم عليه السلام (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=70943)

منتدى فرسان الحق 10-06-2014 08:55 PM

الحج دعوة نبينا إبراهيم عليه السلام
 



الحج دعوة نبينا إبراهيم عليه السلام

والهدف منه توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك


والحث على شَعيرة ذبح البهائم لله عز وجل

وتوزيع لحومها على المحتاجين من أهل مكة


إيمان بنت محمد القثامي


قال عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 25 - 37].

يخبر تعالى عن شناعة ما عليه المشركون الكافرون بربهم، وأنهم جمعوا بين الكفر بالله ورسوله، وبين الصد عن سبيل الله ومَنْعِ الناس من الإيمان، والصد أيضًا عن المسجد الحرام، الذي ليس مِلكًا لهم ولا لآبائهم، بل الناس فيه سواء، المقيم فيه، والطارئ إليه، بل صدوا عنه أفضل الخَلْق؛ محمدًا وأصحابه، والحال أن هذا المسجد الحرام من حرمته واحترامه وعظمته أن مَن يرد فيه بإلحاد بظلم نُذقه من عذاب أليم.

فمجرد إرادة الظلم والإلحاد في الحرم، موجبٌ للعذاب، وإن كان غيره لا يعاقب العبد عليه إلا بعمل الظلم، فكيف بمن أتى فيه أعظم الظلم، من الكفر والشرك، والصد عن سبيله، ومنع من يريده بزيارة، فما ظنكم أن يفعل الله بهم؟

ثم يذكر تعالى عظمة البيت الحرام، وجلالته، وعظمة بانِيه، وهو خليل الرحمن، فقال: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾؛ أي: هيأناه له، وأنزلناه إياه، وجعل قسمًا من ذريته من سكانه، وأمره الله ببنيانه، فبناه على تقوى الله، وأسسه على طاعة الله، وبناه هو وابنُه إسماعيل، وأمره ألا يشرك به شيئًا، بأن يخلِصَ لله أعماله، ويبنيه على اسم الله.

﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ؛ أي: من الشرك والمعاصي، ومن الأنجاس والأدناس، وأضافه الرحمن إلى نفسه؛ لشرفه، وفضله، ولتعظم محبته في القلوب، وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه؛ لكونه بيت الرب للطائفين به والعاكفين عنده، المقيمين لعبادة من العبادات؛ من ذِكر، وقراءة، وتعلم علم وتعليمه، وغير ذلك من أنواع القُرَب، ﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ؛ أي: المصلين؛ أي: طهره لهؤلاء الفضلاء، الذين همهم طاعةُ مولاهم وخدمته، والتقرب إليه عند بيته؛ فهؤلاء لهم الحق، ولهم الإكرام، ومِن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم، ويدخل في تطهيرِه: تطهيرُه من الأصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش المتعبدين، بالصلاة والطواف، وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة؛ لاختصاصه بهذا البيت، ثم الاعتكاف؛ لاختصاصه بجنس المساجد.


﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾؛ أي: أعلمهم به، وادعُهم إليه، وبلِّغ دانيهم وقاصيهم، فَرْضَه وفضيلته؛ فإنك إذا دعوتهم أتوك حجاجًا وعمَّارًا، رِجالاً؛ أي: مشاة على أرجلهم من الشوق، ﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾أي: ناقة ضامر، تقطع المهامِهَ والمفاوز، وتواصل السير، حتى تأتي إلى أشرف الأماكن، ﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾؛ أي: من كل بلد بعيد، وقد فعل الخليل عليه السلام، ثم من بعده ابنه محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فدَعَوَا الناس إلى حج هذا البيت، وأبديا في ذلك وأعادا، وقد حصل ما وعد الله به، أتاه الناس رجالاً وركبانًا من مشارق الأرض ومغاربها، ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام، مرغبًا فيه فقال: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾؛ أي: لينالوا ببيت الله منافع دينية؛ من العبادات الفاضلة، والعبادات التي لا تكون إلا فيه، ومنافع دنيوية؛ من التكسب، وحصول الأرباح الدنيوية، وكل هذا أمر مشاهد، كلٌّ يعرفه، ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]، وهذا من المنافع الدينية والدنيوية؛ أي: ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا، شكرًا لله على ما رزقهم منها، ويسَّرها لهم، فإذا ذبحتموها ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾؛ أي: شديد الفقر، ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ﴾؛ أي: يقضوا نسكهم، ويزيلوا الوسخ والأذى، الذي لحقهم في حال الإحرام، ﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾ التي أوجبوها على أنفسهم، من الحج والعمرة والهدايا، ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾؛ أي: القديم، أفضل المساجد على الإطلاق، المعتق: من تسلط الجبابرة عليه، وهذا أمر بالطواف، خصوصًا بعد الأمر بالمناسك عمومًا؛ لفضله، وشرفه، ولكونه المقصود، وما قبله وسائل إليه.

﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي ذكرنا لكم من تلكم الأحكام، وما فيها من تعظيم حرمات الله وإجلالها وتكريمها؛ لأن تعظيم حرماتِ الله من الأمور المحبوبة لله، المقربة إليه، التي مَن عظَّمها وأجَلَّها أثابه الله ثوابًا جزيلاً، وكانت خيرًا له في دِينه ودنياه وأخراه عند ربه.

وحرمات الله: كل ما له حرمة، وأمر باحترامه، بعبادة أو غيرها؛ كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها، فتعظيمها إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاون، ولا متكاسل، ولا متثاقل، ثم ذكر منَّته وإحسانه بما أحله لعباده، من بهيمة الأنعام، من إبل وبقر وغَنم، وشرعها من جملة المناسك، التي يتقرب بها إليه، فعظمت منَّته فيها من الوجهين، ﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ في القرآن تحريمه، من قوله: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾ [المائدة: 3] الآية، ولكن الذي من رحمته بعباده أن حرَّمه عليهم، ومنعهم منه، تزكية لهم، وتطهيرًا من الشرك به وقول الزور؛ ولهذا قال: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ ﴾؛ أي: الخبث القذر ﴿ مِنَ الْأَوْثَانِ ﴾؛ أي: الأنداد، التي جعلتموها آلهة مع الله؛ فإنها أكبر أنواع الرجس، والظاهر أن ﴿ مِنَ ﴾ هنا ليست لبيان الجنس، كما قاله كثير من المفسرين، وإنما هي للتبعيض، وأن الرجس عام في جميع المنهيات المحرمات، فيكون منهيًّا عنها عمومًا، وعن الأوثان التي هي بعضها خصوصًا، ﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾؛ أي: جميع الأقوال المحرمات؛ فإنها من قول الزور الذي هو الكذب، ومن ذلك شهادة الزور، فلما نهاهم عن الشِّرك والرِّجس وقول الزور، أمرهم أن يكونوا ﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ ﴾؛ أي: مقبِلين عليه وعلى عبادته، معرضين عما سواه.

﴿ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ فمثله ﴿ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ ﴾؛ أي: سقط منها، ﴿ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ﴾ بسرعة، ﴿ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾؛ أي: بعيد، كذلك المشرِك؛ فالإيمان بمنزلةِ السماء، محفوظة مرفوعة.

ومن ترك الإيمان، بمنزلة الساقط من السماء، عرضة للآفات والبليات، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب، ومزقوه، وأذهبوا عليه دِينه ودنياه.

أي: ذلك الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرماته وشعائره، والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾، ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدَّم أن معنى تعظيمها، إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا؛ فتعظيمها باستحسانها واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر الله صادرٌ من تقوى القلوب؛ فالمعظِّمُ لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله.

﴿ لَكُمْ فِيهَا ﴾ أي: في الهدايا ﴿ مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾، هذا في الهدايا المسوقة، من البُدن ونحوها، ينتفع بها أربابها بالركوب، والحلب، ونحو ذلك، مما لا يضرها ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ مقدر، موقت، وهو ذبحها إذا وصلت محلها، وهو البيت العتيق؛ أي: الحرم كله "منًى" وغيرها، فإذا ذبحت، أكلوا منها وأهدَوا، وأطعموا البائس الفقير.

أي: ولكل أمة من الأمم السالفة جعلنا منسكًا؛ أي: فاستبقوا إلى الخيرات، وتسارعوا إليها، ولننظر أيكم أحسن عملاً، والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكًا، لإقامة ذكره، والالتفات لشكره؛ ولهذا قال: ﴿ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ وإن اختلفت أجناس الشرائع، فكلها متفقة على هذا الأصل، وهو ألوهية الله، وإفراده بالعبودية، وترك الشرك به؛ ولهذا قال: ﴿ فَلَهُ أَسْلِمُوا ﴾؛ أي: انقادوا واستسلموا له لا لغيره؛ فإن الإسلام له طريق إلى الوصول إلى دار السلام، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده، ثم ذكر صفات المخبتين فقال: ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾؛ أي: خوفًا وتعظيمًا، فتركوا لذلك المحرمات؛ لخوفهم ووجَلِهم من الله وحده، ﴿ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ﴾ من البأساء والضراء، وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخُّط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره، ﴿ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ ﴾؛ أي: الذين جعلوها قائمةً مستقيمة كاملة، بأن أدَّوا اللازم فيها والمستحب، وعبوديتها الظاهرة والباطنة، ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾، وهذا يشمل جميعَ النفقات الواجبة؛ كالزكاة، والكفارة، والنفقة على الزوجات والمماليك، والأقارب، والنفقات المستحبة؛ كالصدقات بجميع وجوهها، وأتي بـ ﴿ من ﴾ المفيدة للتبعيض، ليعلم سهولة ما أمر الله به ورغب فيه، وأنه جزءٌ يسير مما رزق الله، ليس للعبد في تحصيله قدرة، لولا تيسير الله له ورزقه إياه، فيا أيها المرزوق من فضل الله، أنفِقْ مما رزقك الله، ينفق الله عليك، ويزدك من فضله.

هذا دليل على أن (الشعائر) عامٌّ في جميع أعلام الدين الظاهرة، وتقدم أن الله أخبر أن من عظَّم شعائره، فإن ذلك من تقوى القلوب، وهنا أخبر أن من جملة شعائره، البُدن؛ أي: الإبل، والبقر، على أحد القولين، فتعظم وتستسمن، وتستحسن، ﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾؛ أي: المهدي وغيره، من الأكل، والصدقة، والانتفاع، والثواب، والأجر، ﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ﴾؛ أي: عند ذبحها قولوا: "بسم الله" واذبحوها، ﴿ صَوَافَّ ﴾ أي: قائمات، بأن تقام على قوائمها الأربع، ثم تعقل يدها اليسرى، ثم تُنحَر.

﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ أي: سقطت في الأرض جُنوبها، حين تسلخ، ثم يسقط الجزار جنوبها على الأرض، فحينئذ قد استعدت لأن يؤكل منها، ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا ﴾ وهذا خطاب للمُهدي، فيجوز له الأكل من هديه، ﴿ وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾؛ أي: الفقير الذي لا يسأل، تقنعًا، وتعففًا، والفقير الذي يسأل، فكل منهما له حق فيهما.

﴿ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ﴾؛ أي: البدن ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ الله على تسخيرها؛ فإنه لولا تسخيره لها، لم يكن لكم بها طاقة، ولكنه ذلَّلها لكم وسخَّرها، رحمة بكم وإحسانًا إليكم، فاحمَدوه.

وقوله: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا ﴾؛ أي: ليس المقصود منها ذبحها فقط، ولا ينال اللهَ من لحومها ولا دمائها شيء؛ لكونه الغني الحميد، وإنما يناله الإخلاص فيها، والاحتساب، والنية الصالحة؛ ولهذا قال: ﴿ وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾؛ ففي هذا حثٌّ وترغيب على الإخلاص في النَّحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرًا ولا رياءً، ولا سمعة، ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشر الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح فيه.

﴿ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: تعظِّموه وتجلُّوه، ﴿ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾؛ أي: مقابلة لهدايته إياكم؛ فإنه يستحق أكمل الثناء، وأجَلَّ الحمد، وأعلى التعظيم، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ بعبادة الله بأن يعبدوا الله، كأنهم يرَوْنه، فإن لم يصلوا إلى هذه الدرجة فليعبدوه، معتقدين - وقت عبادتهم - اطلاعَه عليهم، ورؤيته إياهم، والمحسنين لعباد الله بجميع وجوه الإحسان من نفع مال، أو علم.

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (1 /536 - 538).

الخلاصة:
وجوب احترام الحرَم، وشدة تعظيمه، والتحذير من فعل المعاصي فيه.

استحباب الأكل من ذبائح الأضاحي وذبيحة الهدي التي يذبحها المتمتع والقارن، أما الذبائح التي ذبحت لجبران نقص أو خلل في الحج، فإنها توزع لفقراء الحرم.

وجوب الحلق والتقصير بعد رمي جمرة العقبة ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ﴾ [الحج: 29]، والتَّفَث هو الشَّعث والوسخ الذي غالبًا يكون في شعر رأس الإنسان.

يجوز الانتفاع بالهدايا والضحايا؛ وذلك بركوبها وشرب لبنها، والحمل عليها إلى غاية نحرها في الحرم.

الأمر بتعظيم حرمات الله، وترك عبادة الأوثان، سواء كان الوثن بشرًا أم حجرًا.

القيام بنسك الحج وذبح الهدايا والأضاحي ترتقي بالعبد إلى مرتبة المخبتين الذين من أهم صفاتهم شدة الخوف من الله سبحانه، والصبر على المصائب.











الساعة الآن 03:26 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM