مختصر البداية والنهاية لابن كثير (335 هـ - 337 هـ)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير ( 334 هـ)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=372948 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْخَلِيفَةِ الْمُطِيعِ لِلَّهِ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ وَاصْطَلَحَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ وَنَاصِرُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ حَارَبَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ تَكِينَ التُّرْكِيَّ ، فَاقْتَتَلَا مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً ، ثُمَّ ظَفِرَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بِتَكِينَ ، فَسَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ بِالْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ وَفِيهَا اسْتَحْوَذَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ عَلَى الرَّيِّ , وَانْتَزَعَهَا مِنَ الْخُرَاسَانِيَّةِ ، فَاتَّسَعَتْ مَمْلَكَةُ بَنِي بُوَيْهِ ; فَصَارَ بِأَيْدِيهِمْ أَعْمَالُ الرَّيِّ , وَالْجَبَلِ , وَأَصْبَهَانَ , وَفَارِسَ , وَالْأَهْوَازِ وَالْعِرَاقِ ، وَيُحْمَلُ إِلَيْهِمْ ضَمَانُ الْمَوْصِلِ , وَدِيَارِ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ مِنَ الْجَزِيرَةِ ثُمَّ اقْتَتَلَ جَيْشُ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ , وَجَيْشُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْبَرِيدِيِّ ، فَهُزِمَ أَصْحَابُ الْبَرِيدِيِّ ، وَأُسِرَ مِنْ أَعْيَانِهِمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا وَقَعَ الْفِدَاءُ بَيْنَ الرُّومِ وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى يَدِ نَصْرٍ الثَّمِلِيِّ أَمِيرِ الثُّغُورِ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ ، فَكَانَ عِدَّةُ الْأَسَارَى نَحْوًا مِنْ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ مُسْلِمٍ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُتُّلِيُّ سَمِعَ ابْنَ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرَهُ ، وَحَدَّثَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَخَلْقٌ وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتًا حَافِظًا ، حَدَّثَ مِنْ حَفِظِهِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ حَدِيثٍ الْوَزِيرُ , عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ بْنِ الْجِرَّاحِ ، أَبُو الْحَسَنِ كَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْفُرْسِ , وَزِرَ لِلْمُقْتَدِرِ وَالْقَاهِرِ وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتًا فَاضِلًا عَفِيفًا ، كَثِيرَ التِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ، يُحِبُّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَيُكْثِرُ مُجَالَسَتَهُمْ وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ الْقَائِمِينَ عَلَى الْحَلَّاجِ وَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ حِينَ نُفِيَ مِنْ بَغْدَادَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَكَانَ حَرٌّ شَدِيدٌ ، فَجَاءَ الْمَنْزِلَ ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ كَالْمَيِّتِ ، وَقَالَ : أَشْتَهِي عَلَى اللَّهِ شَرْبَةً بِثَلْجٍ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : إِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَتَهَيَّأُ هَاهُنَا فَقَالَ : أَعْرِفُ ، وَلَكِنِّي اسْتَرْوَحْتُ إِلَى الْمُنَى فَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَأَمْطَرَتْ ، ثُمَّ سَقَطَ بَرَدٌ شَدِيدٌ كَثِيرٌ ، فَجَمَعَ لَهُ صَاحِبُهُ ذَاكَ مِنَ الْبَرَدِ شَيْئًا كَثِيرًا وَخَبَّأَهُ لَهُ ، وَكَانَ الْوَزِيرُ صَائِمًا ، فَلَمَّا أَمْسَى جَاءَ الْمَسْجِدَ ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ كُلُّهَا بِثَلْجٍ فَجَعَلَ يُسْقِيهِ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُجَاوِرِينَ , وَلَمْ يَشْرَبْ هُوَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ :فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَنْزِلِ ، جِئْتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّرَابِ كُنَّا قَدْ خَبَّأْنَاهُ لَهُ ، وَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ لَيَشْرَبَنَّهُ فَشَرِبَهُ بَعْدَ جَهْدٍ ، وَقَالَ : كُنْتُ أَشْتَهِي لَوْ كُنْتُ تَمَنَّيْتُ الْمَغْفِرَةَ . رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ وَقَدْ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَمَاعَةٍ ، أَنَّ عَطَّارًا مَنْ أَهْلِ الْكَرْخِ كَانَ مَشْهُورًا بِالسُّنَّةِ ، رَكِبَهُ سِتُّمِائَةِ دِينَارٍ دَيْنًا ، فَغَلَّقَ دُكَّانَهُ ، وَانْكَسَرَ عَنْ كَسْبِهِ ، وَلَزِمَ مَنْزِلَهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالصَّلَاةِ لَيَالِيَ كَثِيرَةً فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ تِلْكَ اللَّيَالِي رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ : اقْصِدْ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى الْوَزِيرَ ، فَقَدْ أَمَرْتُهُ لَكَ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ الرَّجُلُ قَصَدَ بَابَ الْوَزِيرِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ فَجَلَسَ لَعَلَّ أَحَدًا يَسْتَأْذِنُ لَهُ عَلَيْهِ , حَتَّى طَالَ عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ ، وَهَمَّ بِالِانْصِرَافِ ، ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ الْحَجَبَةِ : قُلْ لِلْوَزِيرِ : إِنِّي رَجُلٌ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقُصَّهُ عَلَى الْوَزِيرِ فَقَالَ لَهُ الْحَاجِبُ : وَأَنْتَ الرَّائِي ؟ , إِنَّ الْوَزِيرَ قَدْ أَنْفَذَ فِي طَلَبِكَ رُسُلًا مُتَعَدِّدَةً , ثُمَّ دَخَلَ ، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعِ مِنْ أَنْ أَدْخَلَنِي عَلَيْهِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْوَزِيرُ يَسْتَعْلِمُ عَنِ اسْمِهِ وَصِفَتِهِ وَمَنْزِلِهِ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ : إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْمُرُنِي بِإِعْطَائِكَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ ، فَأَصْبَحْتُ لَا أَدْرِي مَنْ أَسْأَلُ عَنْكَ ، وَقَدْ أَرْسَلْتُ فِي طَلَبِكَ إِلَى الْآنِ عِدَّةً مِنَ الرُّسُلِ ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فِي قَصْدِكَ إِيَّايَ , ثُمَّ أَمَرَ بِإِحْضَارِ أَلْفِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : هَذِهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسِتُّمِائَةٍ هِبَةٌ مِنْ عِنْدِي فَقَالَ الرَّجُلُ : لَا وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنِّي أَرْجُو الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ فِيهِ ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ الْوَزِيرُ : هَذَا هُوَ الصِّدْقُ وَالْيَقِينُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ ، فَعَرَضَ عَلَى أَرْبَابِ الدُّيُونِ أَمْوَالَهُمْ فَقَالُوا : نَحْنُ نَصْبِرُ عَلَيْكَ ثَلَاثَ سِنِينَ ، وَافْتَحْ بِهَذَا الذَّهَبِ دُكَّانَكَ ، وَدُمْ عَلَى كَسْبِكَ فَأَبَى إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الثُّلُثَ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِمْ مِائَتَيْ دِينَارٍ ، وَفَتَحَ الدُّكَّانَ بِالْمِائَتَيْنِ الْأُخْرَى ، فَمَا حَالَ الْحَوْلُ حَتَّى كَسَبَ أَلْفَ دِينَارٍ وَلِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْوَزِيرِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ صَالِحَةٌ , وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ تِسْعِينَ سَنَةً ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . المصدر... |
الساعة الآن 02:20 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM